الثلاثاء - 26 أيلول 2023

إعلان

المدونات في مصر... مساحة لحرية التعبير ونواة لخلق صانعي المحتوى المبدعين (فيديو)

المصدر: النهار
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-

القاهرة- ياسر خليل

 

لعبت المدوَّنات دوراً حيوياً للغاية في العالم العربي، ووسّعت من حرية التعبير، خصوصاً خلال الفترة الممتدّة من العام 2005 حتى العام 2011، وهي مرحلة شهدت حراكاً سياسياً كبيراً في مصر والعديد من البلدان العربية، وقادت إلى تغييرات كبرى.

 

وشكّلت المدونات مساحات حرّة بلا قيود، ولا سياسات تحريرية مسبقة، وقد أعطت عشرات الآلاف من الشباب فرصة غير مسبوقة للحديث بحرية، ليس بعيداً من قيود السلطة، أو حتى على مسافة بعيدة من السياسات التحريرية التقليدية التي كانت تتبعها بعض الصحف ووسائل الإعلام، ولكن سمحت لهم بالتحليق عالياً بمنأى عن القيود الجامدة التي تفرضها مجتمعاتهم على أفرادها.

 

وبالرّغم من أن معظم تلك المدوّنات بات مهجوراً، ولا يتمّ تحديثه منذ عدّة سنوات، لكنها نجحت إلى حدّ كبير في تسليم الراية خفّاقة لمواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت هي الوجهة الرئيسية للتدوين وصناعة المحتوى بقوالبه المتنوّعة. وحفّز على ذلك التحوّل أدواتها التي تسمح بالتفاعل والوصول إلى أعداد كبيرة من الجمهور، إلى جانب توفير بعضها دخلاً مالياً وفيراً لمنتجي المحتوى الأكثر تفاعلاً.

 

مساحات حرّة

 تقول الدكتورة ماجدة باجنيد رئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة الأهرام الكندية (مصر) لـ"النهار": "لقد نجحت المدوّنات في التأثير بشكل كبير، بسبب مساحة الحرية الهائلة التي وفّرتها لمستخدميها؛ هذه المساحة جعلت الكثير من المعلومات والآراء التي لا نراها في الصحف التقليدية تتدفّق بحريّة إليها، والجمهور بطبيعته يريد أن يعرف؛ لذا بدأ الكثيرون يتّجهون نحو المدوّنات للحصول على المعلومات والأخبار".

 

وترى أستاذة الإعلام أن "الكتابة بحريّة، ونجاح "المواطن الصحافي" - كما يسميه البعض - في اجتذاب الجمهور، ضغطا على الصحف ووسائل الإعلام التقليدية، ما دفع بأغلبيّتهم إلى رفع سقف الحرية، وتغيير سياستهم التحريرية بما يسمح بالتنوّع في الموضوعات والآراء".

 

وتشير باجنيد إلى أنه "في المرحلة الحالية، التي ساد فيها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتراجعت المدوّنات كثيراً، ظهرت إشكالية مهمّة، وهي انتشار الشائعات".

 

وتضيف: "أن اتساع مساحة الحرية، له مضاعفاته السلبية، فهو يدفع البعض لنشر الأخبار المفبركة، والمعلومات المغلوطة. لكن هناك علاجاً لهذا، وهو بالتأكيد ليس التضييق، ولكنه الرّد الفوريّ من الجهات المختصّة. مثلاً: إذا ظهرت شائعة، يجب قبل أن تنتشر، أن تسارع الجهة المختصّة إلى الرّد في الحال، وهذا يقضي على الأخبار الكاذبة، قبل انتشارها وإحداثها تأثيراً في الرأي العام".

 

الردود الفورية والتفاعل من قبل الجهات المعنيّة، حسب وجهة نظر باجنيد "لا يُحبط الشائعات فحسب، ولكنه يدفع الناس للانصراف عمّن ينشرونها، فالجمهور لن يُقبل على متابعة مدوّنة أو صفحة تبيّن له أنها كاذبة، وتنشر معلومات غير صحيحة، وهذا يدفع المدوّنين إلى العدول عن الكذب؛ إنه علاج فعّال من دون اللجوء إلى تقييد الحريات".

 

أستاذة الإعلام، التي درست لسنوات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، تقول إنها تلاحظ على "فايسبوك" أن "بعض الكتاب الكبار، حين ينشرون معلومة، يدخل صحافي أحدث سناً، أو حتى أحد متابعيهم الشباب ليسألهم: "من أين استقيتم معلوماتكم؟ وما هو المصدر؟"، ويغضب بعضهم، لأنه لم يعتد على مراجعته، ويكون أمامه أحد خيارين، إمّا أن يستمع إلى جمهوره ويقدّم حجته، أو يصحّح المعلومة إن كان فيها خطأ، أو يتركه الجمهور ويذهب إلى صفحات أخرى، إنها حرية الحركة، وحرية الاختيار التي تساهم في إحداث توازن طبيعيّ داخل هذا الفضاء الافتراضي الحرّ".

 

 

هجرة المدوّنات

 من جانبه، يرى أحمد عصمت الخبير في التحوّل الرقميّ لصناعة الإعلام والترفيه أن "المدوّنات كانت منذ بدايتها منفذاً، ووسيلة للتعبير عن آراء الشباب. وهنا أذكر منصّات شهيرة مثل Blogger وWordpress وtumblr، وربّما كانت المنصة الأولى هي الأكثر شهرة والأوسع استخداماً نظراً لسهولتها".

 

ويقول عصمت لـ"النهار": "كان هناك مدوّنات لها تأثير كبير، ونجحت في تغيير أوضاع قائمة، وبعضها ضغط بهدف تعديل أو تغيير قوانين معيّنة، وحقق نجاحاً. ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، تغيّر الأمر نسبياً، خصوصاً بعد إطلاق "تويتر" الذي تمّ تقديمه في البداية على أنه موقع للتدوينات المصغّرة، والتي كان حجمها لا يتجاوز الـ140 حرفاً، وقد زاد عدد الحروف أخيراً".

 

ويضيف الخبير الإعلامي: "ظل الناس يستخدمون مدوّناتهم، حتى بعد ظهور "تويتر" وانتشاره، ثم ظهرت الـ"Notes" على موقع "فايسبوك"، فتحوّل المدونون إليها لأنّ لديها القدرة على الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور، ثم تراجع إلى حدّ أن الميزة تمّ إيقافها من قبل إدارة "فايسبوك"، وإن ظلت التدوينات التي تمّ بثها متاحة إلى الآن".

 

إقبال الناس على مواقع التواصل الاجتماعي - حسب رأي عصمت - وإهمالهم للمدونات، "هو إهمال لمساحة شخصيّة يستطيع من خلالها الإنسان أن يؤرّخ لآرائه وكتاباته، ويسجّلها في مساحته الخاصّة. إن المدونة تشبه الموقع الإلكتروني الشخصيّ، فهي لا تحتاج إلى معرفة بالبرمجة، وإذا كان للشخص معرفة في هذا المجال، فيمكنه أن يستخدم "وورد برس" وينشئ مدوّنة تشبه المواقع الاحترافية".

 

ويعرب الخبير عن اعتقاده بأنه "لا بدّ من أن تعود الناس إلى المدونات، لأنّ فيها تأريخ شخصي ووطني وإنساني، وفيها إمكانيات كبيرة يستطيع من خلالها المستخدم أن يقدم المحتوى بأسلوب أفضل. مثلاً: يمكنه أن يضيف خرائط، ورسوماً بيانيّة، وغير ذلك لمقالاته، ممّا يجعلها نابضة بالحياة".

 

آلاف المدونات

أشار تقرير صادر عن "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء المصري في العام 2008 إلى أن عدد المدونات في العالم العربي بلغ قرابة 490 ألف مدونة، منها أكثر من 162 ألف مدوّنة مصريّة، نشطة في ذلك الوقت.

 

وأوضح التقرير الذي جاء تحت عنوان " المدونات المصريّة: فضاء اجتماعي جديد" أن أعمار المدوّنين، كانت تترواح ما بين 20 و 30 عاماً.

تنوّع المحتوى الذي تقدمه تلك المدونات ما بين السياسة، والفن، والرياضة، وغير ذلك. لكن المدوّنات التي اقتربت من التابوهات الثلاث (السياسة، والدين، والجنس)، هي التي أحدثت ضجيجاً كبيراً، وجذبت الأنظار إليها، لأنها اخترقت حدوداً غير معهودة في تلك الأيام.

 

وحفّز توفير المدونات - ومن بعدها بعض مواقع التواصل الاجتماعي- دخلاً لصانعي المحتوى، العديد من الشباب على الانضمام إلى هذه الموجة، وتقديم منتج رقمي بات جاذباً للجمهور، إلى حدّ دفع وسائل الإعلام إلى متابعته والحديث عنه، وفي بعض الأحيان محاكاته حتى لا تفقد جمهورها.

 

وبعدما كان هناك عشرات الآلاف من المدوّنين العرب، بات مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي يُقدّرون بعشرات الملايين، الآن.

 

وسواء عاد المدوّنون إلى مدوّناتهم وبثّوا فيها الحياة مجدداً أم لا، فإن الفضل يبقى لتلك المدونات في تحريك المياه الراكدة لعقود، وإعدادها جيلاً قادراً على صناعة المحتوى بحرية وإبداع، يواصل مسيرته عبر الفضاء الافتراضي دائم التطوّر والحركة.

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم