رنا تغلبت على السرطان والموت... بتصاميم مليئة بالأمل والحياة

رنا وهبي، إمرأة كتبت لها أقدارها معركة، ما كانت تظن يوماً أنها ستخوضها. نازلت السرطان على حلبة الموت، وهزمتهما معاً. رفعت راية النصر، بتصميمها على ترميم الحياة بالأمل، وحمل صليبها بقوة الرجاء، والسير فيه إلى حيث انتصرت بشفاءين: شفاء الجسد من بلاء علاجه بكيميائيات معروفة، وشفاء الروح من خوف مصطنع يملأ ثقافتنا الشعبية أمام "هيداك المرض"، عندما ضخّت في شرايين روحها إيماناً بالحياة وحب البقاء، وصناعة غدها كما تشاء هي، لا كما يشاء ضيفها "الخبيث".


هي الحياة... قد تقصُر أو تطول بحلوها ومرّها. فإما أن نعيشها بجرأة وانطلاق، من دون الاستسلام لإنكساراتنا وأوجاعنا، وما تمنحنا إياه أقدارنا، فننتصر لذاتنا، أو نعيش رعبنا الداخلي الذي يملأ أوهامنا، فنستسلم مكللين بهزيمتنا إلى الأبد…
هي الحياة... البشر فيها نوعان، الأول تخونه قواه فيستسلم بسرعة أمام دفق المصاعب، وآخر يناضل ويحشد قواه لمواجهة مصاعب الدنيا وما ترميه عليه أقداره.
رنا وهبي مسؤولة الإعلام في كازينو لبنان، تأهلت بجدارة لتتصدر الفئة الثانية من المناضلين، واستحقت أن تحتذي بها النساء المصابات بسرطان الثدي الخبيث.
في تشرين الأول 2019 ، كانت رنا على وشك السفر إلى باريس لزيارة شقيقتها. وفيما كانت تجهز أمتعتها بشغف، تلقت مكالمة من طبيب مختبر أشعة المستشفى، أبلغها أن الفحوص الطبية للتصوير الشعاعي كشفت عن آثار سرطان الثدي، وحثها على تأجيل رحلتها لإجراء المزيد من الفحوص، "أفرغت أمتعتي، وذهبت إلى طبيبي الذي قرر إجراء عمليتي فوراً، وبعدها بدأت علاجي، واضطررت إلى تحمل 25 جلسة أشعة انتهت في نهاية شباط الماضي، لأبدأ تناول أدويتي بشكل منتظم".

تتذكر بوضوح الألم الجسدي والعاطفي الذي كان عليها تحمله نتيجة هذه الجلسات الطويلة من العلاج، ولكن "هذه الجلسات أثبتت فعاليتها في النهاية"، تقول رنا.
خلال كل هذه الفترة، لم تستسلم رنا أبدا للألم والوجع. حتى إنها قررت التغلب على مرضها كي تتمكن من العودة إلى حياتها الطبيعية. "أشعر الآن بتحسّن كبير الحمد لله. وقد أظهر الاختبار الأخير أنه ليس لدي أي آثار للسرطان، لكنني بحاجة إلى تناول أدويتي لفترة طويلة جداً من الآن فصاعداً".
بعد شفائها، واظبت رنا على الاتصال بصديقاتها لتشجيعهن وتشجيع النساء الأخريات على إجراء فحوص التصوير الشعاعي للثدي من أجل مصلحتهن... و"بمناسبة الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي، أتمنى أن لا تهمل كل امرأة فحوصات التصوير الشعاعي للثدي، لأن الفحوص المبكرة يمكن أن تساعد في الشفاء التام المبكر".
 

لم تتغلب رنا على مرضها بفضل مثابرتها وصبرها المتميز فحسب، بل قررت أن تتحدى "الخبيث" وفكرة الموت التي ترافقه، فأطلقت خلال فترة علاجها مجموعة جديدة من الأزياء الصيفية التي أثبتت نجاحها في فترة قصيرة من الزمن. إذ أمضت وقتاً في منزلها تتصفح الإنترنت، حتى أصبحت مهتمة باستكشاف ملابس الموضة الجديدة. وقررت إطلاق خط أزياء خاصاً بها. "في تلك الفترة، كنت أقضي الكثير من الوقت في المنزل لمتابعة عملي في الكازينو "أون لاين"، وتصفّح صفحات الأزياء عبر الإنترنت". "أعجبتني تصاميم "الكيمونو" (اللباس التقليدي في اليابان) من أحد المصممين، فهرعت إلى السؤال عن سعره، ووجدته مكلفاً نسبياً مقارنة مع الوضع الاقتصادي الذي نمر به. فخطر ببالي أن أصنع واحداً لنفسي، وكان هذا التصميم بداية الانطلاق بعدما قوبل أول "كيمونو" لها بإعجاب كبير من أصدقائها، وطلبن منها أن تصمم الشيء نفسه لهنّ. و"لهذا السبب بدأت بتصميم أول 45 قطعة مستوحاة من ألوان الصيف التي يمكن أن ترتديها السيدة كفستان أو قميص مع بنطال أو شورت أو حتى على البحر فوق المايوه، وتمكنت من تأمينها بتكلفة مقبولة".
بدأت رنا بجدية في التواصل مع الخياطين والمورّدين لتكوين فكرة عن الأسعار، وكان تركيزها على ابتكار أفكار جديدة، والأهم من ذلك، تصميم "كيمونو" بأسعار معقولة لتشجيع النساء في لبنان والخارج على شرائها. "اخترت ما أحببته من الموديلات وجودة قماش الكتان، والتقيت بخياط فنان ترجم ما أريد بتصاميم رائعة.. أعجبتني الفكرة، خصوصاً أنها ساعدتني في تجاوز ألمي أثناء فترة العلاج".

بدأت رنا في عرض خط أزيائها الجديد علىInstagram ، باستخدام صفحتها@ Rana_74.، وقررت أيضاً النظر إلى ما وراء حدود لبنان، فتمكنت من تأمين الطلبات من المغتربين والأصدقاء في قطر والمغرب والسعودية ودول أخرى. وقالت "طلب الأصدقاء كميات كبيرة بالجملة، بغية إهدائها لأصدقائهم وأقاربهم في المناسبات في البلدان التي يعيشون فيها".
كل هذا النجاح تحقق في فترة العلاج... فاستطاعت رنا أن تقلب معادلة المرض والموت إلى معادلة مليئة بالابتكار والحياة.
Salwa.baalbaki@annahar.com.lb