الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حبل نجاة للمرضى في منازلهم... "تجمع مغتربي طرابلس" ينقذ أرواحًا بـ340 جهاز أوكسيجين

جودي الأسمر
جودي الأسمر
متطوعان وأجهزة تنفس.
متطوعان وأجهزة تنفس.
A+ A-

ارتفعت أخيرًا سجالات غير منتجة سيّست الأوكسيجين أيضًا، في ظلّ النّقص المترامي داخل النظام الطبي اللبناني والذي كشفت النقاب عنه وسرّعته أزمة كورونا. في سربٍ آخر لا تعنيه السياسة أو انقساماتها التي لم تنقذ روحًا، اجتهد مغتربون من طرابلس ضمن "تجمّع مغتربي طرابلس" في إنشاء منصّة أمّنت ورشّدت استعمال 340 جهاز أوكسيجين، نتاج مدّ جسور التعاون وتنسيق الموارد بين المغتربين والمجتمع المحلي، يمكن تلخيص أثرها بـ"لم يمت طرابلسي من جراء نقص في الأوكسيجين". وشكلت المجموعة مبادرات افتراضية، ساندت معلّمين وحرفيين محليين انفتحوا على طلّاب وأسواق في الخارج، فاستفادوا من مال المغتربين، إلى جانب تفاصيل أخرى تضخ "الأوكسيجين" في رئة لبنان.

 

إنقاذ من كورونا
"فجأة، صرتُ طريحة الأرض. بعد نقلي للمستشفى، تبيّن أنني مصابة بكورونا. المطلوب دفع 10 ملايين ليرة لبنانية للصندوق وأنا عاجزة عن تأمينها. أعمل مدبرة بيوت والتقطت العدوى خلال عملي، وزوجي وابنتي يعانيان كهرباء في الرأس، وطفلي من ذوي الاحتياجات الخاصة".
 بهذه الكلمات تروى عبير عترو (46 سنة) من باب التبانة معاناتها مع كورونا. حين سُدّت الأبواب، علمت أنّ بمقدورها البقاء في المنزل والاستعانة بجهاز أوكسيجين من خلال جمعية خيرية عبر منصة "تجمّع مغتربي طرابلس". بعد نحو أسبوع، تماثلت عبير للشفاء.
أما بالنسبة للمهندس ربيع محسن، هذه الأجهزة "حبل خلاص" لمن يعانون حالات متقدمة من كورونا، كان هو واحدًا منها.

 


"مخيف أنّ مرضى كورونا لا يعرفون أين سيصل بهم الفيروس. في غضون 9 أيام، انخفض الأوكسيجين الى ما دون الـ90 في دمي. من خلال عملي في بلدية طرابلس، كنت على علم بنشاط التجمع. بعد عرضي تقرير الطبيب، قدمت لي الجهاز جمعية محلية من التجمع، خلال ساعتين فقط. لولا هذا العمل الجبار والتنسيق لربّما تدهور وضعي، وما كنت عرفت مجدّدًا "نعمة" النفس".


القصتان تندرجان ضمن عشرات الحالات التي قدّمت لها مبادرة "تعاون" التي أطلقها التجمع، بهدف تأمين الحد الأدنى من الرعاية الطبية للمصابين في المنازل.
وشكّلت المبادرة سابقة في طرابلس، من خلال تعاون 14 جمعية طبيّة وأهليّة، أنشأت نظام إحالة، ونجحت في تنظيم مواردها الطبية وجمعتها لمحاولة انتشال أهالي طرابلس من سيناريو الرعب والإذلال الذي يهدّدهم عند أبواب المستشفيات.
ومن خلال التمويل الذاتي، أطلق التجمع حملة "أنقذ روحًا"، أفضت إلى شراء 30 جهاز توليد أوكسيجين، اهتم بتأمينها رجل أعمال من طرابلس مقيم في الصين، ووزّعت الى التّجمع. وفاضت التبرعات عن مبلغ ساعد في شراء أجهزة أوكسيمتر و240 كيلوغراماً من الحليب لمأوى العجزة، بعد ثبوت الحاجة.


وكوّنت المبادرة فريق عمل، أشبه بـ "خليّة نحل" في التنسيق والعمل، يؤمّن حاجيات المرضى في طرابلس والجوار، من أجهزة أوكسيجين وإرشادات طبية وخدمات تمريضية. تعتمد هذه الأخيرة على ممرضين ضمن فريق "الممرض الخيري"، يتطوعون في تقديم الخدمات التمريضية في المنزل.
وتطوع أحد الممرضين تعقيم جهاز الاوكسيجين بعد انتهاء استخدامه من مريض بكورونا، لتكون العملية كاملة وآمنة ومحتكمة لكل الشروط الصحية.

 

وتحظى المبادرة بتعاون جمعية الصليب الأحمر اللبناني، الذي وضع الخط الساخن قيد التصرف، فضلًا عن دعم بلدية طرابلس وتعاون بلدية الميناء.

ووفّر مركز الرعاية الصحية في جامعة بيروت العربية، بالتعاون مع تجمّع "إرادة"، خطّا ساخنًا  خاصًا بتقديم الإرشادات والاستشارة الطبية المجانية من خلال أطباء مناوبين على مدار الساعة.

صحة وتعليم وأعمال

مايا كبارة شعراني، عضو "تجمع مغتربي طرابلس" مقيمة في قبرص، توضح لـ"النهار" أنّ "اهتمام المغتربين تفعّل خلال ربيع العام الماضي، فتأسست في أيار 2020 بالتزامن مع تأزّم الأوضاع في لبنان، وضمت في البدايات عددًا صغيرًا من المهنيين المغتربين من مجالات منوعة (طب، قانون، هندسة، إعلام، سيدات ورجال أعمال، جامعيون)، فعملت أولًا بصمت وفي الظل لتنظيم نفسها ونثر بذور الأثر. وهي اليوم مفتوحة لكل مغترب من طرابلس أو لبنان ولكل لبناني مقيم، وتهدف إلى المساهمة  الإقتصادية والإجتماعية في طرابلس، إلى جانب العمل الخيري".
وتضيف "أستطيع القول إن روح التكاتف والثقة النابضة بين المغتربين والمقيمين من جهة، والثقة التي أعيدت الى مسؤوليتنا كمغتربين تجاه وطننا الأم، هي من العوامل التي تبرز كقصّة نجاح حقيقي نسعى أن تنقل رسالتنا في أهمية التعاون ونبذ الانقسامات. وها نحن نتواصل مع أقضية مجاورة صارت راغبة بأن تحذو حذونا. أمّا ردود فعل المستفيدين والمتعافين وشعورنا بأننا نساهم في إنقاذ حياتهم، تغرقنا بفيض من الحب والسعادة لا يقدر بثمن".

 وجسّد الجانب الصّحي الهاجس الأسرع، حيث عمد التجمع إلى توزيع كمامات في الأحياء الشعبية والمستوصفات، وأنتج فيلمين قصيرين للتوعية من كورونا، وعقد عبر الانترنت ندوات توعوية دورية مع أطباء مغتربين ومقيمين، ومع إدارات المستشفيات، للوقوف على نقص الحاجيات الطبية في طرابلس.
وتنتظم اليوم المجموعة في دعم التعليم والأعمال وإيجاد الوظائف، فبرزت منصة
e-learning platform، التي تضمّ أساتذة من طرابلس، يعطون دروسًا في اللغة العربية خصوصًا وبقية اللغات والمواد لتلامذة في الاغتراب خلال عطلة نهاية الأسبوع، لقاء بدل أتعاب من أموال المغتربين.


وقبل التركيز على الاغاثة،
كانت الجهود مركزة على تأهيل الشباب لسوق العمل وزيادة حظوظهم لإيجاد فرص عمل، فنشأت  صفحة Tripolitans careers, employment & training، لنشر إعلانات عن فرص عمل داخل لبنان وخارجه، وبرامج تدريبية، ومنح جامعية، وكتب مختارة للمطالعة. كما ينقل المغتربون والمقيمون قصص نجاح وتجارب رائدة لبث روح من الايجابية لدى الناشئة وتتشجيعهم على التمسك بطموحهم بأي ثمن. وتشكّل فريق عمل لإفادة الشركات الناشئة في طرابلس من برامج دولية داعمة لأعمالها.
ولجأ التجمع للتجارة الالكترونية من بعد، فأطلق التجمع صفحة "سوق طرابلس" في فايسبوك وإنستغرام، وبدأت تنشط منذ عيد الأم، حيث تشجع مغتربون على شراء الهدايا والمأكولات وتوصيلها بخدمة ديليفري لأقاربهم وأصدقائهم المقيمين.

 

وإذ يبدو محالاً أن يملأ فراغ الدولة وينوب عن قطاعاتها المتهالكة جهود المواطنين فقط، أكانوا مقيمين أم مغتربين، لا شكّ في أنّ "تجمّع مغتربي طرابلس" تجربة بدأت بتحقيق الأثر، وتستحقّ التّشجيع. عِبر عدة تتظهر من طريقة عمل هذه المجموعة، لعلّ أهمّها أنّ التّمويل لم يكن يومًا الرأسمال الأهمّ بدليل الهبات الضخمة التي أهدرت وتهدر في لبنان. والمغتربون الّذين لطالما لعبوا منفذًا لخلاص المقيمين في لبنان خلال كلّ محطاته الحرجة، نلمس معهم اليوم أنّ الرأسمال الأهم، هو بذل الجهد والوقت واستبدال المصلحة الذاتية بالتفكير والعمل الجماعي حين يكون الهدف حقًا هو خدمة الجميع.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم