الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

طرابلس المصرّة على الفرح... أغاني الميلاد ورقصة الدراويش تتويجًا لـ"مشروع نحت الحجر" (صور)

جودي الأسمر
جودي الأسمر
من الحفل. (تصوير إسبر ملحم)
من الحفل. (تصوير إسبر ملحم)
A+ A-

اتشح برج السباع (برسباي) بأضواء العيد، تشقّ ظلام هذه السّنة وظلمها وحدادها، مصرّا بصمود القلعة على الاعتراف بالعيد ونشره ولو لساعة والنصف. صدحت الأجواء بترانيم وأغاني الميلاد وابتهالات روحانية، دارت على وقعها دعسات الدراويش التي ترحّب بميلاد المسيح وتمجّد الخالق. النّاس هنا وعددهم لم يتجاوز المئة مشاهد، احتسابا لعدوى كورونا، كانوا يتذكرون أنّهم يستحقّون الفرح وأنّ الإيمان يولّد في كلّ مصاب درسًا في الصّبر والثقة بالله وشكره على نعم لا تزال موجودة إن أحسنّا النّظر بداخلنا وحولنا.

 
(تصوير إسبر ملحم)
 

بهذه الرّوحية، أقامت المديرية العامة للآثار بتمويل من الصندوق العالمي للآثار، احتفالية بمناسبة الأعياد في برج السباع في مدينة الميناء طرابلس. ويأتي الحفل إحياء لإرث فني غير مادي  تتويجا لإرث فني مادي، اهتم به مشروع التدريب على نحت الحجر الذي تنظمه المديرية العامة للآثار- وزارة الثقافة ممثلة بالمديرة الاقليمية للبنان الشمالي في المديرية العامة  للآثار الدكتورة سمر كرم، بالتعاون  مع الصندوق العالمي للآثار ممثلا بالدكتورة جانين عبد المسيح. ووضعت عازفة البيانو والملحنة والشاعرة الغنائية الطرابلسية فاديا دوماني جهدًا عظيما عزفا وتدريبا وتنظيما ليرى الحفل النّور.

 

(تصوير إسبر ملحم)

 

باقة فنية وروحانية

بدأ البرنامج الانشادي بمباركة كبير كهنة رعية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في الميناء الأب غريغوريوس موسى الذي أدّى ترانيم ميلادية على وقع أنشودة الفرح لبيتهوفن. ثم انطلق الحفل بمشاركة باقة من المنشدين العالميين والمحليين، وهم: منى الحلاب (سوبرانو)، نتاشا نصار (ميزو سوبرانو)، ماريا الدويهي (ميزو سوبرانو)، شربل معلوف (مغني بوب)، بمشاركة خاصة من مجموعة المادحين الصوفية مع أحمد ويوسف مزرزعة والراقصين الدراويش.

وضمّت الجوقة كلّ من إيفا سعد، لورا ميد وريا تويني بمشاركة الطفلين فاتن ونسيم شديد.

 وتولّى الموسيقى كلّ من فاديا دوماني (بيانو) وغي الرامي والفرقة الصوفية (الايقاع).

 

(تصوير إسبر ملحم)

 

تقول دوماني لـ"النهار" أن "فكرة الاحتفال تمخّضت عن نقاش خضناه حول كيفية إطلاق أعمق رسالة عيد الميلاد من طرابلس إلى لبنان وبقية العالم، لما تتمتع به الموسيقى من قدرة لا مثيل لها على التعافي ولمّ الشّمل".

مؤسّسة مشروع "المدرج" الذي لطالما استثمر التعبير الموسيقي كأداة للسلام والوحدة والتنمية الاجتماعية والعلاج، تضيف "يعيش لبنان مرحلة صعبة للغاية: الثورة، كورونا، والأزمة الاقتصادية وانفجار 4 آب وغيرها كثير. فكرت أولا  في إلغاء هذا الحفل لهذه الأسباب القاهرة.  ثمّ صرت على اقتناع تام بأن هذه المعاناة تشكل سببا ضروريا للاحتفال. يجب أن نجتمع معًا وننشر روح عيد الميلاد، ونحمد الرب على نعمنا العديدة، برغم من حقيقة أننا نمر بأوقات عسيرة."

 
(تصوير إسبر ملحم)
 

وحول الخلفية التنظيمية، "كان تحقيق التوازن بين حفل جماهيري وإجراء البروفات مع الالتزام ببروتوكولات الوقاية من العدوى أمرًا دقيقًا للغاية. كل التحديات اجتزناها لأنني أعلم حقًا كم يحتاج الشعب اللبناني إلى فترة راحة موسيقية، حتى لو بالتباعد الاجتماعي والكمامات. الصعوبة الأخرى كمنت في التوازن الدقيق بين الاحتفال والحداد. من المفترض أن تكون الأعياد فترة احتفالية، لكننا أيضًا في حداد بعد انفجار 4 آب. لا يزال بإمكاننا احترام الاحزان أثناء الاحتفال ببركاتنا العديدة. الشعوران غير متناقضين. فولادة يسوع المسيح لحظة سعيدة، ومن جهة ثانية، ندرك أيضًا الألم الهائل  في حياة يسوع وكذلك موته المأسوي. نحن في الأساس نحمل مجموعة مشاعر مكثفة قد تبدو متضاربة خلال فترة الأعياد".

 
(تصوير إسبر ملحم)
 

إزاء هذا الواقع، تشكل الهدف المباشر في "التقاط التجربة الإنسانية والاحتفال بها في أوج صورها. الهدف الآخر هو الجمع بين الناس من خلفيات ثقافية واقتصادية ودينية مختلفة حاولنا عكسها في خلفية المشاركين في هذا الحفل. إن المعاناة التي تحملها لبنان أثرت علينا جميعاً، بغض النظر عن هويتنا ومن أين أتينا. كل ما يمكننا فعله هو أن نلتقي ونتشارك لحظة التأمل والاستبطان هذه مع بعضنا البعض"، وختمت آملة "أن يجسد الحفل ما هو بمثابة واحدة من لبنات بناء عديدة نحو الوحدة والازدهار."

 
(تصوير إسبر ملحم)
 

حين أكملت عازفة البيانو مقطوعتها باليد اليمنى، وقرعت بيدها اليسرى الجرس على إيقاع الكنيسة، فيما كان الدراويش على المسرح غارقين في وَصلهم، علا تصفيق الحاضرين. في هذه اللحظة تجلى لبّ الرّسالة، وتجلّى أيضا أنّ الإرث الفنّي كان خير رسول لتحرّك الرسالة القلوب بهذه الطاقة الهائلة، وأنّ طرابلس زاخرة بالإرث الفنّي الذي لا يزال يعقد علاقة تبادلية مع الإيمان، وأنّ هذا الأخير أينما ساد وحّد.

 

النحت على الحجر: إرث طرابلسي

من جهتها، تحدثت الدكتورة سمر كرم لـ"النهار" عن "مشروع التدريب على نحت الحجر" قائلة أنه "جرى على فترة ستة أشهر  وتضمن "محترف مشاركة الشباب"  من الفئة العمرية التي تتراوح من 7 الى 16 سنة  لتعريفهم على التراث الثقافي ومهاراته وأهمية الحفاظ عليه. وقدمت المحترفات معرضا للتعرف على معالم طرابلس من خلال صور معروضة في برج السباع،  صناعة الفخار والحلي، الحكواتي وغيرها. وحيث أننا في فترة الأعياد، ورغم كل الظروف الصعبة والحزن الذي يعم النفوس، ولأن رسالتنا هي رسالة ثقافة  في كافة أوجهه، والثقافة هي فرح، قررنا تنظيم نشاط موسيقي في نهاية هذا اليوم الثقافي"، شاكرة لـ"إدارة سكك الحديد التي دعمتنا وسهلت لنا العمل منذ البدء على عقاراتها".

 
 

وتذكر أن "المرحلة الأولى من التدريب والتمكن على المهنة بدأت في أيلول الماضي وتنتهي في شباط 2021، ويستهدف البرنامج أربعين مشتركا بين لبناني ولاجيء سوري. ومن البديهي أن يجتمع التدريب على هذه المهنة الحرفية التي تشهد زوالا مع الموسيقى  في مدينة طرابلس، مدينة العلم والثقافة والفن. والمدينة التاريخية التي تضم أكثر من مئة معلم أثري وتاريخي،  وهي ثاني مدينة مملوكية بعد القاهرة ولا تزال تحافظ على جزء كبير من أصالة عمرانها، وغالبية معالمها التاريخية والدينية تنبض بالحياة ولم تفقد وظائفها. طرابلس تتميز بأنها مدينة تاريخية وحديثة في آن معا، ولمن يزورها ستكون له فرصة التنقل في الفترات التاريخية المتعاقبة على المدينة حتى فترة الإنتداب وصولاً الى العمارة الحديثة".

 
 

وتلفت الدكتورة جانين عبد المسيح إلى أن "الاختيار وقع على برج السباع لأنه معلم تاريخي مهم في طرابلس والميناء، وهو مؤهل لاستقبال برنامج تدريبي من حيث المساحتين الداخلية والخارجية خاصة في ظل كورونا. وموقع البرج بالقرب من محطة طرابلس لسكك الحديد كان أيضاً عاملا لتسليط الأضواء على التراث الصناعي للمدينة."

 
 

وجرى التنسيق بين "الصندوق العالمي للآثار والمجلس الدولي للمعالم والمواقع والمديرية العامة للآثار لاستضافة هذا البرنامج التدريبي برج برسباي (برج السباع) وتم توقيع إتفاق بين وزارة الثقافة والصندوق العالمي للآثار في بريطانيا. واستقطبت المتدربين عدة جمعيات محلية منها ورد وجمعية مارش، joie de vivre، بسمة وزيتونة ، وجمعية سنابل النور والجامعة اللبنانية. وتولى تدريب المشاركين الخبير البريطاني سيمون ورّاك والخبير الألماني توماس برنيكير. وتواصل المهندسة ريان نجار وعبد الرحمن عبدو (لبنان) وبراءة العموش والمهندسة نور الشديفات (الأردن) تنسيق  البرنامج التدريبي. علما أن أول تجربة  لمشروع التدريب على نحت الحجر بدأت في الأردن وقد نظمها الصندوق العالمي للآثار (بريطانيا) بتمويل من المجلس البريطاني، لتعزيز مهنة نحت الحجر في أعمال الترميم وإعادة إحياء المعالم التراثية المتضررة في سوريا.

 

 

 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم