بالصور والفيديو- "Mayrig" ينفض الغبار عنه... "لا نملك سوى الأمل والصمود"
30-09-2020 | 20:17
المصدر: "النهار"
لا شكّ في أنّ انفجار المرفأ شكّل كارثة وفاجعة، ونُكب بيروت وأهلها. إلّا أنّ من اللبنانيين نماذج من أصحاب الاصرار والارادة، نفضوا غبار هذه الكارثة عنهم رغم الخسائر الفادحة التي لحقت بهم بالحجر والبشر، وعاوَدوا فتح أعمالهم وانتشلوا من الضعف قوة.
من هذه النماذج، صاحبة المطعم الأرمني "Mayrig" الشهير الكائن في منطقة مار مخايل، والذي كان له حصة كبيرة من دمار الانفجار. ألين كاماكيان تروي لـ"النهار" رحلة الصمود.
"أنا شخص عنيد بطبعه، فمنذ اليوم الثاني على الانفجار، أي في 5 آب، خرجت الساعة الرابعة والنصف صباحاً من المستشفى بعد أن اطمأنّيت على أنّ جميع موظفيّ المصابين دخلوا المستشفى، وتواصلت مع المتعهّد ليأتي ويبدأ بالتصليح"، تقول ألين كاماكيان، مالكة مطعم "Mayrig ".
قامت بأعمال إعادة الترميم خطوة بخطوة لعدم قدرتها على دفع الخسائر التي بلغت 480 ألف دولار فقط كخسائر مادية في المطبخ و70 ألف خسائر أخرى. فضلاً عن الإصابات الخطرة لموظفيها، منهم من أصبح أعمى بنسبة 70% ومنهم من فقد يده ورجله، ولا زال ثلاثة موظفين منهم حتى الآن يتلقّون العلاج في المستشفى، وهي، أي ألين، أصبحت شبه صماء وكسرت ركبتها وضلوعها.
فتحت هذا المطعم منذ عام 2003 أي منذ 13 عام، ورغم جميع التحديات التي مرّ بها لبنان استمرّت وواصلت العمل. ما هو أهمّ بالنسبة إليها أنّ لديها ستون عائلة مسؤولة عنها وتعتاش من هذا المطعم، وتسأل: "كيف علي أن أحافظ عليهم وأن أدفع رواتبهم إذا لم أعاود فتح المطعم؟ فأنا أكيدة أنّ "ما بيطلع شي من أمر الدولة" وأكيدة ألّا أحداً سيساعدنا، فإذا أقفلت مطعمي، هذه العائلات كلّها ستتشرد".
"عمري 51 عاماً، خسرت كلّ ما جنيته حتى الآن"، تتحسّر ألين. فمكتبها ومطعمها وبيتها وسيارتها وسيارات مطعمها تقع قرب بعضها البعض، وجميعها دُمِّر بالكامل، ولم تعد تملك أي شيء. قامت بتجميع المساهمات للمطعم، وجمعت مبلغ 70 ألف دولار من أصدقائها في أميركا ومن زبائن المطعم حول العالم الذين يحبون المطعم.
ودفعت قسماً من المبلغ لاستشفاء الموظفين وقسم لتصليح منازلهم وقسم لتصليح المطعم. اشتريت فرناً صغيراً لتيسّر أمورها، "سنبدأ من الصفر، ليس أمامنا أي خيار آخر، فإذا أردنا أن ننتظر اليوم المناسب لن نفتح بحياتنا"، تقول ألين.
حتى الآن، صلّحت التراس والمطبخ والمراحيض وبعض الأعمال الداخلية "بالتي هي أحسن "، لكنّها لم ترمم كل الدمار، "لا نستطيع ترميم خسارة 480 ألف". كان لديها فرنين في المطبخ لتغطية 80 إلى 90 شخص، لكنّها الآن تعمل لتغطية 20 شخص، وتعمل "حبة حبة "، فهدفها الوحيد هو عدم تسريح الموظفين وأن تستمرّ فقط، وإذا ما استطعت تحقيق ذلك يكون إنجازاً.
لذا، خففت ألين إنتاجية المطعم، وتحاول حالياً إنتاج المأكولات المثلجة والدخول إلى السوبرماركات، وتحاول أن تنوّع طريقة عملها لرفع الإنتاجية والمحافظة على الموظفين، و"إذا ما سرّحت أحداً منهن لن يكون بملء إرادتي".
وكانت مالكة المطعم قد طرحت فكرة المأكولات المثلجة منذ انتشار كورونا في لبنان، لكنّها الآن ارتأت أنّه عليها توسيع هذه الفكرة والعمل على التوضيب المناسب وعلى العلامة التجارية للوصول إلى جميع السوبرماركات، لكنّها واجهت "المشكلة الأكبر" وهي تسعيرة البضاعة، فـ "نحن في حالة لا ندري كيف نسعّر، إذ نشتري بسعرٍ ونبيع بسعرٍ آخر ونصل في نهاية المطاف خاسرين". ليس الهدف، وفق ألين، تسجيل الأرباح، إنّما دفع مستحقات الموظفين، لكن "بالنهاية نريد أن نعيش وبتنا غير قادرين على أن نتنفس بالمرور من أزمة إلى أخرى".
وتشتكي ألين أنّ المساعدات تدفقت فقط لمساعدة المنازل من ألمنيوم وخشب وسواه، لكن أحداً لم ينظر إلى المؤسسات والمحال التجارية. "علينا أن نخلق العجلة الاقتصادية من جديد، فعندما أفتح مطعمي، ستون موظف يتقاضون رواتبهم وسيشترون الخضار والدواء ومستلزماتهم، ما يعني أنّهم سيعاودون إطلاق هذه العجلة من جديد، وهذا هو الهدف أيضاً"، وفق ألين.
فتحت المطعم بعد شهرٍ تحديداً من الانفجار، أي في 4 أيلول. فتحت التراس، وأوّل عشاءٍ كان للموظفين المتضررين. دعتهم ألين جميعهم لتناول العشاء و"احتفلنا بعيدنا الشهر لأنّه كُتِب لنا عمراً جديداً"، تروي المالكة، فالمطعم قريب جداً من مكان الانفجار، وتحمد لله أنّه لم تُسجَّل أي وفيات بين موظفيها.
تعرف أنّه من غير الطبيعي أن يفكر أحداً مكانها أن يعاود فتح مطعمه في اليوم الثاني من الانفجار، وربّما أحداً مكانها لكان شتم هذا البلد وهاجر، بحسب تعبيرها، لكن إعادة فتح المطعم بالنسبة إلي هو ثورة، "هذه هي ثورتي، كنت أقول لهم لا أريد أن أغلق المطعم، فهذه هي طريقتي لأظهر أنّني غير سعيدة، فهذا لبنان الذي نعرفه والذي نريد الحفاظ عليه ".
كأصحاب محال في الجميزة، تروي ألين أنّهم يحاولون مساعدة بعضهم البعض، ويشترون من بعضهم البعض كمجموعة، "فقلب بيروت وقلب لبنان ذهبا"، واللبنانيون يقفون إلى جانب بعضهم البعض فالجريح كان يساعد الجريح و"لا أعتقد أنّ هذا أمرٌ قد يتغيّر"، فـ" الآن هناك زبائن يأتون إلى المطعم لتشجيعنا فقط، فهذا هو اللبناني وهذا هو الجميل في لبنان".
"لا أدري إذا ما كان هناك كلمات تعبّر شعوري تجاه عودتي إلى العمل، فكلمة سعيدة هي كبيرة جداً وصغيرة جداً، ومعاودة فتح مطعمي لها معنى، وتعني أنّ لدي أمل، لن أترك، لن أتنازل، لن أهاجر"، تروي ألين.
لا يمكنها التخلي عن موظفيها، فهم وضعوا دمهم أيضاً، منهم من فقد عينه ومنهم من فقد رجله ويده، وتسأل: كيف لي أن أهاجر؟ ومَن سينظر بحال هؤلاء الموظفين الشباب؟". المدقق المالي لديها عمره 31 عاماً، وخطب مؤخراً ولديه ماجيستر في إدارة المال، يعمل معها منذ عشرة أعوام فـ "كيف لي أن أتركه؟ ماذا سيعمل؟"، تعاود السؤال.
في العمل، هناك الإنسانية وهناك التجارة، وهذان العاملان مضروبين، و"علي الاهتمام بهما ولا أدري من أين أبدأ، ولولا أن قمت بتجميع التبرعات لما استطعت معاودة الوقوف رغم إصراري وعنادي، لكن دون المال لا يمكن عمل أي شيء"، بحسب ألين.
وتمنّت على المنظمات غير الحكومية أن يفكروا في المؤسسات الصغيرة، لأنّه برأيها، بحال لم نحافظ على هذه المؤسسات وموظّفيها الشباب لن نستطيع تحريك العجلة الاقتصادية، فهم قلب الحركة الاقتصادية وهم بحاجة إلى مساعدتنا، لأنّ خيرة لبنان يهاجرون.