الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لماذا يقدّس الأفراد الزعماء السياسيين؟ إليكم 22 سبباً

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
كلّ يوم في عدّاد الدولة اللبنانية يُسقط ورقة في طريق انهيارها. حتّى الأجيال السابقة اعترفت بأنّها لم تعش أزمة تجعلها تقاسي لتأمين لقمتها على النحو الذي أعجزها اليوم، "ولا حتى في زمن الحرب".
 
لكنّ الحرب لم تمُت. بكامل عبثيتها وأهبة استعدادها، تلعب "غمّيضة" في الشوارع، فتظهر تارة في الطيّونة وعين الرمّانة وخلدة، وتختفي طوراً لتطبخ نعرة طائفية جديدة، بمباركة زعماء الحرب.
 
ومع كلّ ما تقدّم، لا يزال لبنانيون يعيدون "تدوير" نفس الزعماء في الانتخابات، ويهتفون "لبّيك" باسم الزعيم، ويفدونه "بالروح والدم"، حقيقةً لا شعاراً، ويرفعون صورته صوناً لهالته الّتي ثبت أنّها لا تتأثّر بالسلاح، بل تبيّن أنّ السلاح أداة تأثير لهذا الزعيم أو ذاك، الذي إن لم يفاخر بتاريخه وحاضره الإجراميين، فها هو يهدّد به، وحوله جمهور وفيّ، ينطلق بإشارة أو حقن متراكم إلى ميدان القتال.
 
أمام حيرة كثيرين في أسباب تعلّق – بل تقديس – شريحة كبيرة من اللبنانيين لزعماء ينزلون بهم الويلات، نعرض تفسير علم النفس الاجتماعي.
 
ما خصائص الزعيم؟
في كتابه الأوسع شهرة بعنوان "المؤمن الصادق" (The True Believer)، عالج المفكّر الاجتماعي الأميركيّ إريك هوفر نشوء الجماعات المفتتنة بالزعيم أو "القائد"، محلّلاً صعود القادة المتطرّفين وحركاتهم الجماهيرية في أوروبا وأميركا والاتحاد السوفياتي. وبالرغم من إصدار الكتاب في عام 1983، تبدو ملاحظاته صالحة لكلّ سياق تاريخي، والعديد منها ينطبق على زعماء لبنانيين:
 
• الإيمان بالعقيدة: وهي الصفة الأهم التي تنتج عنها الشجاعة، والاستمتاع بالتحدّي، والإرادة الحديديّة، والإيمان الذي لا يقبل نقاشاً بأنّ الزعيم وحده يمتلك الحقيقة المطلقة، والثقة بالنفس التي تصل إلى حدّ الاستخفاف بالعدالة والمنطق.
• القدرة على الكراهية المتّقدة: التي تلهم كراهية الآخر وتؤجّج وتحمي العداوات القائمة على الخلاف.
• القدرة على تحليل الطبيعة البشرية: تمكّنه من معرفة شوق الجموع إلى الالتحام بكيان جماعي والذوبان فيه.
• فجاجة الأفكار: وسببها الثقة المطلقة بالنفس، فيتمكّن القائد من عرض أفكاره، مهما كانت مشوّهة وسطحية.
• الخداع: الخداع أمر ضروري في تكوين الزعامة. لا تقوم حركة جماهيرية من غير تشويه متعمّد، يغيّر الحقائق ويجعلها تجتذب الأتباع وتجعلهم متحمّسين ومخلصين حتّى الموت.
• المثالية والواقعية: يجب أن يكون القائد واقعياً وعملياً، ولكن يجب أن يتحدّث بلغة المثالي صاحب الرؤية المثالية.
• الفصاحة: نشوء الحركة الجماهيرية وبقاؤها أمران يعتمدان على القوة. وهذه الظاهرة يقودها أفراد متطرّفون يستخدمون الكلمة لإضفاء طابع العفوية على الاستسلام الذي حصلوا عليه بالقوة.
• التقريع بالنظام القائم: لا يستطيع الزعماء التحرّك وأخذ زمام الموقف، إلّا بعد تعرية النظام القائم وتجريده من شرعيته، من خلال استهداف تقويض المؤسّسات القائمة وتعويد الجماهير على فكرة التغيير وإيجاد الجوّ الملائم لقبول العقيدة الجديدة.
• الكلمة والسلاح والعمل: هناك قادة مثل تروتسكي، بدؤوا حياتهم رجال كلمة لا تأثير لهم، إلّا أنّهم في وقت لاحق أبدوا قدرة استثنائية على الإدارة. ومتطرّف مثل لينين كان سيّد الكلمة الخطابية بالإضافة إلى كونه رجلاً من رجال العمل؛ القادة رجال موهوبون في استخدام الكلمة المسموعة أو المقروءة، وولادة الحركة الجماهرية تتطلب مزاجاً ومواهب لا تتوافر إلّا عند المتطرّف، واستقرار الحركة وشكلها النهائي هو مهمّة الرجال العمليين.
 
كيف تؤثر الفوضى المستشرية على تطرّف الزعيم واستخدامه السلاح؟
يجيب هوفر "أنّ الفوضى هي البيئة التي يبدع فيها (هذا الزعيم). عندما يبدأ النظام بالتصدّع يتقدّم بكلّ جرأة. لم يبقَ سوى الأنقاض، ولا يوجد ما يدعو إلى إصلاح الأنقاض. يبرّر نزعته للتطرّف تبريراً منطقياً، إذ يقول: "من المستحيل أن تكون هناك بداية جديدة، والنظام القديم يزحم الأرض". تصدّع النظام هو "اللحظة المناسبة"، لهذا الزعيم، فيما يبقى "التذمّر الذي أثاره رجال الكلمة المعارضون بلا هدف".
 
وتقدّم المعالجة النفسية في مركز CPRM والباحثة في علم النفس الاجتماعي سعاد علم الدين، تفسيراً لظاهرة الزعامة اللبنانية وهيمنة السلاح، مستندة إلى "سيكولوجية الجماهير"، منها:
 
العائلة والموروث العائلي
• وفاء الدَّين: يلازم الموروث العائلي الفرد منذ الولادة وهو على أنواع منها الولاء للزعيم الذي آمن به أبواه، فيشكّل الولاء للزعيم فكرة لاواعية عن إخلاص الفرد لأبويه. من هنا يمكننا رفض الموروث أو القبول به. وهذا مرتبط بخصوصية كلّ فرد في تكوين هويّته، وفي سعيه لوفاء "الدَّين" الذي يحمله لأهله في وضعية لاواعية.
• رغبة أولية: يولد الطفل وهو يحمل في موروثه ثقافة زعيم عابر للأجيال، فيمارس "رضاعة" معتقدات الزعيم، بمثابة حاجة لإشباع الرغبة الأولية وإلّا فلا حياة له.
• انتقال الولاء: ينتقل الولاء من دولة مفقودة غير قادرة على فرض قوانينها وصون مؤسّساتها وحماية مواطنيها، إلى الولاء لزعيم كُلّف بأمرٍ عائليّ أن يؤدّي الدور الخارق.
• وصاية أبوية: هذا الولاء يمثّل حالة نكوص طفولي، يرجع به الأفراد إلى وصاية معيّنة واتّكال معيّن واتّكاء على الآخر الذي يمثّل صورة الأب الذي سيوفّر له مقوّمات الأمان.

لكن، لماذا السلاح لا يجعل الزعيمَ مجرماً؟
 
• الجمهور الأنثوي: يستنتج غوستاف لوبون في كتاب "سيكولوجية الجماهير" أنّ "الجماهير أنثوية في كلّ مكان"، لأنّها بحاجة إلى ذكرٍ بسلاحه ومدرّعاته وجعبه الذكورية التي تشكّل رمز قوّته وعظمته لتقف وراءه محميّة؛ فيصبح الزعيم بوصلة كلّ الثنائيات: السلام/الحرب، القوّة/الضعف، الأمن/القلق، الداخل/الخارج وغيرها.
• السلاح مصدر قوّة: ومن يمتلك السلاح يمتلك القوّة، فيوحي بهيبة أكبر تفرض حمايتها على الأرض، لأنّه يمتلك أدوات الدولة في حماية الفرد التي يجسّدها السلاح.
• الزعيم معصوم: أن يكون الزعيم "صالحاً" أو "شرّيراً" ليس معياراً للولاء. فمن ركائز سيكولوجية الجماهير أنّ كلّ ما أنتمي له جيّد والآخر هو السيّئ، وأنا لا أرى زعيمي مجرماً وإلّا لما انتميت إليه.

كيف كرّست الأزمة الزعامات السياسية التقليدية؟
 
• التعطّش للطاعة: عموماً وبالمطلق، يرى لوبون أنّ "الذي يهيمن على روح الجماهير ليس الحاجة إلى الحرّية بل إلى العبودية، ذلك أنّ ظمأها للطاعة يجعلها تخضع غرائزياً لمن يعلن أنّه زعيمها" فكما أنّ اللذة موضوع عارض، فالرغبة طويلة الأمد، لذلك من السهل انقياد البشر إلى غرائزهم.
• الصورة البدائية: إنّ تقديس صورة الزعيم يتولّد من ممارسات بدائية كانت تقدّس "الطوطم" وتتبرّك به.
• الماورائيات أو الزعيم: في لبنان الذي يرزح تحت انهيار اجتماعي وتصدّع سياسي واهتراء اقتصادي وفراغ للمؤسّسات، وثورة أخمدت، عادة ما يجد الفرد الباحث عن الحلول نفسه أمام خيارين: إمّا الالتزام الديني واللجوء إلى الله والماورائيات، أو اللجوء إلى صورة الزعيم الذي يمثّل الله على الأرض.
 
ويقول العالم الاجتماعي ماكس فيبر في ظروف شبيهة بالأزمة اللبنانية، إنّ "الظاهرة الكاريزمية ليست فقط متغلغلة في أعماق الأنتروبولوجيا وصيرورتها وإنّما هي مقترنة بتأزم الأوضاع السياسية وتفاقم الشروخات الاجتماعية وتراكم الاحتقانات النفسية".
• المصلحة اللاواعية: في زمن الأزمات، يتحرّك اللاوعي الجمعي. لذلك لا يتحرّك لدى الأفراد تفكيرهم الواعي بل المشاعر وغرائز البقاء اللاواعية فينجرفون معها.
من هنا، وبدون عقد اجتماعي، يتّفق كلّ فرد مع صورة الزعيم التي تحقق له طموحاته، ثمّ تلتقي مجموعة أفراد حول حلم واحد ومصلحة واحدة، وحينها تتشكّل شعبية الزعيم التي سمّاها لوبون "الجمهور السيكولوجي".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم