الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"أسرى الكهرباء" ومهزلة الحقوق… ذلٌ يحاصر حياة الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الشاب شادي "أسير" المازوت بشحّه وجشع التجار وقلّة العيش بكرامة (مارك فياض).
الشاب شادي "أسير" المازوت بشحّه وجشع التجار وقلّة العيش بكرامة (مارك فياض).
A+ A-
شدّت لعنة نفاد المازوت الخناق على اللبنانيين جميعاً، تحوّلت حياتنا رهينة ساعات الكهرباء والمولدات، نعيش على حضورها المتواضع، ونرتب احتياجاتنا على وقع قدومها الخجول. لكن هذا الخناق دفع بالأشخاص ذوي الإعافة المهمّشين أصلاً، إلى أن يكونوا "أسرى" المازوت بشحّه وجشع التجار وقلّة العيش بكرامة.
 
‎لكن لا عليكم، نحاول التأقلم أو نتحايل، لكن هناك فئة يصعب عليها ذلك حتى لو حاولت جاهدةً. تناسى كثيرون الأشخاص ذوي الإعاقة وساعات الإذلال الطويلة في انتظار "رحمة الكهرباء". هل فكر أحدكم في أزمة التقنين عليهم؟ كيف يذهبون إلى عملهم؟ كيف يخرجون من منازلهم؟ أينتظرون على الطريق حتى تأتي الكهرباء؟ وماذا لو طال الانتظار؟ كيف يؤمنون حاجاتهم؟
 
(مارك فياض)
 
‎أكثر من 114 شخصاً معوّقاً حاصلين على بطاقة شؤون حسب وزارة الشؤون الاجتماعية في إحصاءات العام 2020، 56% منهم يعانون من إعاقة حركية. قانونياً، يمنح القانون رقم 2000/220 الحق في التعليم، الصحة والحقوق الأساسية، لكن ما هو على الورق يختلف عما هو على أرض الواقع.
 
‎هذا الاختلاف يتعمّق أكثر فأكثر في دولة تُهمش أبسط حقوقهم، وتُذكّرهم كل يوم بإختلافهم وإعاقتهم بسبب غياب التجهيزات والخدمات لتسهيل حياتهم.
‎لن تتصور مدى عمق معاناتهم إذا لم تستمع إليهم أو أن تضع نفسك مكانهم لتختبر ما يختبرونه يومياً. يعرف شادي نظام، إين الـ32 عاماً، جيداً الاختلاف بين الحياة العادية والحياة مع إعاقة، هو الذي اختبر الفرق بينهما قبل أن يخسر قدرته على المشي بعد حادث سير تعرض له في العام 2012.
 
‎9 سنوات على كرسيه المتحرك يتذوق كل يوم كيف يمكن أن يكون الشخص مختلفاً في بلد مثل لبنان. قبل ذلك الوقت، لم يكن يعير انتباهاً للصعوبات والتهميش الذي يعانيه الأشخاص ذوو الإعاقة.
 
(مارك فياض)
 
‎يتحدث لـ"النهار" عما يواجهه اليوم من معاناة نتيجة تقنين الكهرباء، يقول: "قبل أزمة المحروقات لم أكن أواجه الكثير من الصعوبات كما هي الحال في هذه الفترة للوصول إلى منزلي والخروج منه. لكن هذا الواقع ولّى منذ أشهر عديدة، اختلف المشهد اليوم وبات هاجسي يتمحور حول "ساعات الكهرباء". أصبحتُ رهين ساعات قدوم الكهرباء أو"الموتور" حتى أتمكن من الصعود إلى منزلنا في الطابق الثالث، وإلا عليّ الانتظار طويلاً ويستغرق أحياناً الانتظار لأكثر من 6 ساعات حتى أتمكن من الصعود إلى منزلي."
 
‎قبل حادث السير الذي تعرض له، كان شادي يعيش حياته بشكل طبيعي، يتنقل بحرية، ويرتاد الأماكن التي يريدها من دون خوف أو قلق. غير أن ما قبل 2012 ليس كما بعده، انقلبت حياته ومعها بات يدرك معنى أن تكون من ذوي الإعاقة في بلد مهترئ بأزماته. لم يكن سهلاً "أن أتقبل حقيقة وضعي الصحي، وإني فقدت القدرة على المشي، وبات عليّ التعايش مع هذا الكرسي. كنتُ كمن يشاهد فيلماً سينمائياً أشاهد حياتي تنهار أمامي، كنت مرعوباً، لم أكن قد أنهيت دراستي الجامعية، وبدأت أخوض معركتي الداخلية قبل أن أواجه العالم الخارجي.
 
‎لم تكن الجامعة مهيأة لمن هم مثلي، ولكنها كانت متعاونة في تسهيل تنقلاتي وزيادة ممر للدخول إلى الصف. وكل ما تراه بديهياً يصبح بنظرك أكثر تعقيداً، لا شيء مجهز سواء التنقل العام أو الأماكن التي تريد الذهاب إليها".
 
‎لم يتصور شادي أن يصبح همه "الكهرباء"، في العام 2021 باتت أمنية اللبناني أن يتكرّم المسؤولون وأصحاب المولدات عليهم بساعات إضافية لتسيير حياتهم على وقع "قدومها". إنها لمهزلة!
 
(مارك فياض)
 
‎يجد شادي نفسه عاجزاً عن ايجاد حلٍ سوى انتظار قدوم أصدقائه لحمله على الدرج أو انتظار "الكهرباء". لا يملك خياراً آخر، حتى مساعدة الشباب له ليست متوفرة دائماً، كما أنها متعبة وتتطلب مجهوداً جسدياً لحمله 3 طوابق. "الأمر ليس بهذه السهولة" كما يقول "ولكن ما في اليد حيلة، فأنت في بلد ينتهك أبسط حقوقك المشروعة، عبثاً تحاول".
 
‎هذه السنة بالنسبة لشادي كانت معاناة حقيقية، وكأنه "مقيّد بوقت وكلمة واحدة تتردد على مسامع الكثيرين"إجت الكهربا وراحت الكهربا أو الموتور". أنت محاصر بالتقنين ‎وغياب التجهيزات في الطرقات أو في وسائل النقل العام وفي مداخل البنايات...أنت محصور في مكانك، فلا الدولة تسأل عن احتياجاتك ولا من يتكبد عناء المطالبة بحقوقنا أو يعمل لتحسين وضعنا. نعاني الأمرّين، فانقطاع الكهرباء لساعات وتقنين المولد الكهربائي يجعلنا "أسرى منازلنا" نحسب المشوار الذي علينا ذهابه وإلغاء كل ما يلزم ".بسبب تعذر المصعد وتوفره ‎برأيه "المشكلة في غياب الوعي المجتمعي، نحتاج إلى تكثيف الوعي حول أهمية إدماج وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع أكثر والتشديد على تطبيق قانون 2000/220 للحصول على حقوقنا لأنها خط أحمر. نطالب بتسهيل حياة هذه الفئة المهمشة من خلال التجهيزات المطلوبة من المدرسة إلى الجامعة وصولاً إلى أماكن العمل والمستشفيات والمراكز الصحية والمقاهي...
 
‎لديه الكثير ليطالب به لكن "يهمه أولاً إحياء النقل المشترك لتسهيل حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، ومع ذلك لن يسمح السياسيون ورجال الدين بناء بلد من دون محاصصات ومحسوبيات. لذلك يتمنى من بعض الدول الأوروبية التي تُعنى بحقوق الإنسان النظر إليهم وتسهيل الهجرة للعيش بكرامة.
 
‎ما يختبره شادي لا يختلف كثيراً عما تعانيه نور رمضان (25 عاماً) التي تختصر صرختها بحملة واحدة: "أصبحت أسيرة المنزل منذ أزمة التقنين الكهربائي". لا تذهب لأي مكان إلا عند الضرورة القصوى أو الحالة الطارئة. وبما أنها تعمل أون لاين فهي باتت سجينة المنزل حتى تأتي ساعة الانفراج والحلحلة في مسألة المحروقات.
 
(مارك فياض)
 
‎تشرح لـ"النهار" أنها ولدت وهي تعاني من atrophie musculaire وهي مشكلة وراثية تُسبب ضعفاً في العضلات. بدأتُ أكتشف أكثر فأكثر عن عمر 11 سنة حالتي الصحية وعدم قدرتي على المشي بسهولة، كنتُ أتعب بسرعة إلى حين تعرضي لكسر في ساقي نتيجة سقوطي على الأرض. وما زاد من سوء حالتي اصابتي بالـ scoliose واجراء جراحة لتحسين وضعي. لكن بقائي فترة طويلة من دون حركة أدى إلى تراجع حالتي وضعف عضلاتي أكثر، كما أن الطبيب فضل أن تكون تنقلاتي على الكرسي المتحرك تفادياً لأي كسور نتيجة حالتي".
 
‎صحيح أنها منذ صغرها كانت تعيش جو الاختلاف والدمج في مدرستها، وأن تكبر مع أصدقائها بالمحيط نفسه من دون أن تضطر إلى الانتقال إلى مدرسة أخرى. لكن ذلك لم يلغِ الصعوبات التي كانت تلمسها لمس اليد لصعود السلالم من خلال حملها وإنزالها بنفس الطريقة. ومن المدرسة إلى الجامعة نفس المعاناة، ولكن مع تجاوب مختلف حيث جرت إضافة مدرجات خاصة لتسهيل تنقلاتها.
 
‎تعترف نور بأن منذ أزمة المحروقات والكهرباء لم تعد تخرج من منزلها إلا نادراً، "النعمة الوحيدة هي أن عملي أون لاين وإلا لا أعرف ماذا كان بإمكاني فعله. فساعات التقنين والكهرباء "يلّي بتجي ساعة" تفرض عليك العيش تحت إمرتها، لا يمكنني المجازفة وأصبحت أسيرة المنزل منذ ذلك الوقت. أتمنى فقط لو يشعر المسؤولون بمعاناتنا والصعوبات التي نواجهها يومياً لتلبية أبسط الأمور، فحتى وسائل النقل العام ليست متوفرة بما يتلاءم مع حالتنا، وفي حال قررت طلب سيارة أجرة خاصة عليك ان تدفع جيداً مقابل خدماتها. لا نطلب سوى تطبيق القانون 2000/220 والحصول على حقوقنا كاملة".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم