الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الادّعاء على "المخرج المتحرّش"... انتصار للشجاعات لكن هل الخطوة كافية؟

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تعبيرية. المصدر: Brain Light/Alamy
تعبيرية. المصدر: Brain Light/Alamy
A+ A-

بعد عشرة أشهر من إقرار "قانون تجريم التحرّش وتأهيل ضحاياه"، ادّعت النيابة العامة التمييزية يوم الأربعاء 22 أيلول على المخرج والكاتب جعفر العطار (32 سنة) بجرم التّحرّش الجنسيّ، في تقدّم عمليّ يعدّ الأوّل على طريق تطبيق هذا القانون.

 

هذه الخطوة، تضعها ناجيات وحقوقيات ونسويات بمثابة اختبار للقانون المذكور، الّذي أقرّه البرلمان اللبناني في جلسته التشريعيّة المعقودة في قصر الأونيسكو بتاريخ 21 كانون الأول 2021؛ فما هو إلا بداية تنتظر الخواتيم التي ترتبط بحكم نهائي قد يتطلّب شهوراً طويلة من الإجراءات.

 

وفيما يستحضر هذا التطوّر بداية القضيّة، إلا أنه لا يخلو من علامات استفهام تحيط بملاحقاتها المقبلة: 7 شابات تقدّمن بالدعوى ضّد العطار في 26 أيار، وأفدن بتفاصيل التحرّش لمكتب الآداب في مخفر حبيش، بعدما أقدمن على إطلاق حملة إلكترونيّة تحت هاشتاغ #افضح_متحرش و #نصدق_ناجيات.

 

الحملة شجّعت شابات عديدات على فضح الأساليب التي لجأ إليها المدّعى عليه بوساطة مراسلات إلكترونية ومكالمات مستغلّاً صفته كمخرج وفنان يُريد إشراك الشابات في مشروع فنيّ، بينما ينفي العطار عن تصرّفاته صفة التحرّش، ويتمسّك - وفق ما جاء في متابعة سابقة لـ"النهار" - بالقول "لست متحرّشاً، ولا مغتصباً ولا سارقاً، فما قمت به إزعاج".

 

أيّ أفق إذاً ينتظر هذه الدعوى؟ وهل ينجح قانون تجريم التحرّش الذي تشوبه ثغرات عدّة في الاقتصاص من المتعدي؟ وكيف لعبت "الرواية الجماعيّة" ووسائل التواصل لصالح الناجيات، في مجتمع لا يزال يعتبر الضحيّة هي المتّهمة الأولى في قضايا التحرّش؟

 

 المسار القضائي

وكيل المدّعيات في الملفّ المحامي أيمن رعد يرى في دعوى النيابة العامة التمييزية "انتصاراً أوّليّاً بادّعاء القضاء ضدّ متحرّش كلاميّ وعبر وسائل الأونلاين. فقد حرّكت النيابة العامة ملف العفو، وفتحت التحقيق بعد حملة إلكترونية فضحت المتحرّش؛ وهو ما لا يحصل عادة".

 

وفي هامش آخر، قد يُقال إنّ ثمّة عوامل شخصيّة دفعت قدماً نحو هذه الملاحقة، بالنظر إلى ما تمثله بعض المدّعيات في الشأن العام ونشاط جعفر ضدّ السلطة، لكن هذا الموضوع مختلف، ولا يتداخل مع المصلحة العليا التي تمثلها قضيّة الناجيات. من الضروري إذاً عدم تجاهل التطوّر الحقوقي الأساسي الذي حفّزه الملف، لجهة تحرّك النيابة العامة وتجريم هذا النمط من التحرّش الذي يعتمد القنوات الرقمية من خلال صور ورسائل. 

 

ويتوقّع رعد أنّ المسار القضائي "قد تعترضه عناصر عدّة تهدّد التحقيقات، وقد تؤدّي إلى المماطلة بها"، وقد تأتي في "إحالته إلى قاضٍ منفرد جزائيّ لم نعرفه بعد لأنّ الجسم القضائي يخوض توزيع أعمال، وقد يتغيّر القاضي بموجب التشكيلات القضائية. ويُضاف إلى هذا العامل الخاص كون مسار العدالة في لبنان شديد البطء، وأنّ السنتين الأخيرتين بالخصوص شهدتا تأخيراً غير مسبوق في البتّ بملفات قضائيّة، فتراكمت وتأخّرت في المحاكم التي أغلقت على خلفيّة انتشار كورونا وأزمات لبنان السياسية والأمنية".

 

عادة، وبحسب المقتضى القانوني، "ستحدّد جلسات لا يُلزم جعفر بحضورها كلّها، وقد يحضر عنه المحامي الوكيل، باستثناء جلسة يحضرها المدّعى عليه للخضوع إلى استجواب. وقد يستدعي القاضي المدّعيات للإدلاء بإفاداتهنّ، أو يمثل جعفر والناجيات في جلسة مقابلة، ليصار أخيراً إلى إصدار الحكم".

 

شهادة ناجية

الصحافية لونا صفوان، من الناجيات اللواتي تقدّمن بدعوى ضدّ العطّار، بعدما نشرن عبر مواقع التواصل الاجتماعي السيناريو نفسه الذي يتوسّله العطار، ويتدرّج بـ"عرض عمل في مشروع فيلم ثم تطوّر إلى الغزل وطرح أسئلة جنسية، فضلاً عن انتهاك المساحة الخاصة للشابات بصور غريبة ومحاولات اتصال في ساعات متأخّرة من الليل. وكان العطار يُبرّر تصرّفاته بأنها غير مقصودة وقام بها تحت تأثير الحشيشة".

 

وبعدما نشرت إحدى الناجيات "ستوري" تفضح محادثات المتّهم جعفر مع الفنّانة ترايسي يونس، التي كانت أول من أخرج القضية إلى العلن، اتّخذت صفوان القرار بدورها بفضح ما حصل معها، "وتطوّر حديثه عن بعض الأمور العمليّة، ثم انتقل إلى مرحلة الغزل، فوضعت حدوداً للحديث معه. واختفى ليظهر مجدّداً برسالة غريبة على إنستغرام، وتبيّن أنّ هذا أسلوبه مع مَن تحرّش بهن".

 

تفضّل صفوان عدم زجّ ضحايا التحرّش في تصنيفات "امرأة شجاعة/ امرأة غير شجاعة، لأنّ هذه النظرة تحمل أيضاً حكماً مسبقاً على النساء، وتحمّلهن وزراً جديداً فوق ضغوطات الواقع، الذي لا يزال مجتمعاً ذكوريّاً يحمّل المسؤولية بصورة غير مباشرة للناجية. فقد يتعاطف معها ويدعمها، لكن ثمّة سؤالاً سيظهر لاحقاً، ضامراً إدانة المرأة بـ: هو حقاً متحرّش، "لكن"... أيّ ملابس كنت ترتدين؟ في أيّ ساعة خرجت من المنزل؟ هل نشرت صورة جريئة على صفحتك؟"، وتبعاً لهذه التجربة "ليس ثمّة امرأة شجاعة فقط، إنما يوجد المحيط واللحظة الملائمين، فأنا أستمدّ أيضاً كلّ الدعم من أهلي، إلى جانب كون السوشل ميديا سلاح مهمّ، ويتطلّب جرأة كبيرة لتسليطه. لا يتقبّل فضحَ التحرّش المحيط المحكوم بمفهوم "العيب". في الواقع، ليس سهلاً أن تنشري حياتك الخاصة على مواقع التواصل".

ولا تزال صفوان تتعقّب ملفها القانونيّ، بالرّغم من تعرّضها للتنمّر الإلكتروني من قبل العطار، وفق قولها: "نشر جعفر العطار رقمي الخليوي على مواقع التواصل، وصارت تردنا تهديدات من رقم مجهول. إلا أنّني مدركة لمفاعيل وقوة وسائل التواصل الاجتماعي أمام الرأي العام. كرّست منصّتي لفضح هذا التحرّش، ثم تحرّك القضاء".

 

القانون والتحرّش في لبنان

لا شكّ في أنّ القانون الجديد الرامي إلى معاقبة جريمة التحرّش الجنسيّ، لا سيما في أماكن العمل، هو انتصار لنضالات النساء اللبنانيات المتواصلة عبر عقود، وهو الأوّل من نوعه في المنطقة العربيّة. وبحسب الفصل الرابع، وعنوانه "في التحرش الجنسي"، المضاف إلى الباب الثامن ضمن الجنايات والجنح التي تقع على الأشخاص (من قانون العقوبات)، فإنّ المعطيات تجرّم العطار بالتحرّش الجنسي، المتسلسل في حالته، وهو تجسيد لشكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يعرّفه القانون كـ"أيّ سلوك سيّء ومتكرّر، خارج عن المألوف، وغير مرغوب فيه من الضحيّة، وذي مدلول جنسيّ يشكّل انتهاكاً للجسد، أو للخصوصيّة، أو للمشاعر".

 

ويشير القانون إلى أنّ التحرّش الجنسي قد يتمّ عبر أقوال، وأفعال، ووسائل إلكترونية. ويَعتبر القانون تحرّشاً جنسياً "كلّ فعل أو مسعى، لو كان غير متكرّر، يستخدم أيّ نوع من الضغط النفسي أو المعنويّ أو الماديّ أو العنصريّ ويهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسيّة". واعتبرت المادة 586-13 من القانون أن هذا الجرم مشمول بالكلام والإيحاءات والرسائل عبر الوسائل الإلكترونية.

 

ويعاقب القانون التحرّش الجنسيّ بالسجن لغاية سنة، وبغرامة تصل إلى عشرة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور. وفي بعض الظروف، بما فيها التبعيّة أو علاقة عمل، يُعتبر التحرّش جريمة خطيرة، وتزداد فترة السجن إلى أربعة أعوام، والغرامات إلى 50 ضعف الحدّ الأدنى للأجور.

 

من جانب آخر، وإن امتلكت الناجيات في هذا الملف شجاعة فضح المتحرّش ورفع الصوت، فلا ضمانة عموماً لسلامة المدّعيات خلال فترة المعالجة القضائيّة وبعدها. ثغرة لحظتها منظّمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صادر في آذار 2021، في إشارة إلى المادّة (3) من القانون الجديد التي تنصّ على وجوب اتّخاذ خطوات لحماية الضحيّة والشهود خلال التحقيقات والمقاضاة، ولكنّها مبهمة. وطالبت المنظمة بـ"إخضاع الأجهزة الأمنيّة، والمدّعين العامين، والقضاة للتدريب المراعي للجندر لتوفيرِ معاملة تراعي الضحايا، وبيئةٍ آمنة لتقديم الشكاوى وملاحقتها".

 

وقالت المنظمة إن "القانون الجديد لتجريم التحرّش الجنسيّ في لبنان لا يستوفي المعايير الدوليّة. يكتفي القانون بتناول التحرّش الجنسيّ كجريمة، ويتجاهل التدابير الوقائية"، إلى جانب تجاهل إصلاحات قانون العمل والرّصد وسبل الانتصاف المدنيّ، داعية إلى تبنّي الحكومة اللبنانية مقاربة شاملة.

وبالرّغم من الضغط المتواصل الذي تقيمه المنظمات الحقوقية والنسوية في لبنان لجهة إنصاف المرأة الناجية قانونياً واجتماعياً، لا يزال التحرّش الجنسيّ آفة متفشّية في لبنان.  فقد أفاد تقرير صادر في 2016 عن "الدراسة الاستقصائيّة الدوليّة بشأن الرجال والمساواة بين الجنسَيْن" في لبنان و"هيئة الأمم المتحدة للمرأة" بأنّ ثلثَيْ المستجيبات أفدْنَ عن التعرّض للتحرّش الجنسي في أماكن عامة، وكثيرات منهنّ قلْنَ إنّهنّ واجهن ذلك خلال الأشهر الثلاثة السابقة للاستطلاع، ووجدت دراسة لـ"المؤسسة العربية للحريات والمساواة" في 2018 أنّ 15% فقط من أرباب العمل الذين خضعوا للاستطلاع في لبنان لديهم سياسات تحمي من التحرّش الجنسي في مكان العمل. القانون الجديد لم يصحّح ذلك.


كلّ العوامل المشار إليها تضع ادعاء النيابة العامّة أمام تحدًّ جديد في مجريات التحقيق وخلاصته. فبموجب الحكم النهائي لن يحمل "قانون تجريم التحرش" معنى إذا لم يُنصف الناجيات ويحقق انتصاراً أخيراً وهو الأهم حين يُعاقب متحرّشاً فيُصبح عبرة لسواه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم