الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ضحايا محرقة التليل وعائلاتهم… أيّ تعويضات من منظومة تسبّبت بالمقتلة؟

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
عملية نقل الجرحى (تصوير حسن عسل).
عملية نقل الجرحى (تصوير حسن عسل).
A+ A-

بحلول أسبوع على اللحظة المشؤومة، تنفّست أسرة "مرعي" من قرية السنديانة العكارية الصعداء، حين نقل ابنها الجريح محمود مرعي إلى الكويت، ليل الأحد، لعلاج الحروق البالغة التي أصابته في انفجار التليل. لكنّ قلوب العائلة تملؤها الآلام بعد خسارتها الأب أحمد مرعي (66 سنة) في الانفجار نفسه، بعدما ظلّ مفقوداً ليومين، تاركاً عائلة من سبعة أولاد بلا معيل.

"قلوبنا تتحرّق حزناً على أبينا، ولا نعرف كيف تمسي حياة أخي"، يقول أحد الأبناء لـ"النهار"، واصفاً مصير إخوته الذين فقدوا الأب بـ"المجهول"، وكذلك أولاد أخيه، "فهو عسكري شاب يبلغ من العمر 32 سنة، والمعيل الوحيد لأطفاله الأربعة. تأذى بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، طالت 75% من جسده، وهو اليوم في مستشفى "البابطين" المتخصّص بعلاج الحروق في الكويت، حيث يخضع لعمليّة زرعِ جلدٍ، نأمل في أن تنقذ ما يُمكن لأجل شبابه وأطفاله". 

ليلة 15 آب، شكّل انفجار التليل منعطفاً دراماتيكيّاً في حياة أسرة "مرعي"، التي مُنيت بمأساة مزدوجة، ستدوم مدى الحياة. هؤلاء هم عيّنة من عوائل 30 شهيداً، و80 جريحاً، منهم من قضى بجروحه؛ وقدرهم أن يعيشوا في المحافظة التي تطاردها لعنة الفقر والتهميش منذ عقود، وأخيراً هذه المأساة الإنسانية التي قضت على أرواح ومستقبل أبنائها الفقراء.

وفيما يستفيق المواطنون من الصدمة، وتُلملم عكّار أشلاء ضحاياها، وتُضمّد جروح الناجين، يحضر اليوم السؤال: هل ستنال هذه العائلات المتضررة تعويضات من الدولة اللبنانية؟ وما مضمون التعويضات إذا أقرّت؟

الإغاثة: مساعدات مالية

رئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد خير، كشف لـ"النهار" مسعاه لـ"منح مساعدات لعائلات شهداء التليل، على النحو الذي أقرّ لعائلات انفجار 4 آب، وهذا ما أكّدت عليه في اجتماعي برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يوم الإثنين الماضي، وتجاوب مع مطلب الهيئة".

وشرح بأنّ "المساعدات تتضمّن مبلغ 30 مليون ليرة لورثة كلّ ضحيّة لبناني أو غير لبناني عمره فوق الـ 10 الأعوام"، مشيراً إلى أنّه بدأ يستحصل على الأوراق الثبوتية الرسمية من عوائل الشهداء منذ السبت الماضي.

وفي سؤال حول تخصيص معاش شهريّ برتبة جندي لعائلات الشهداء، وقيمته نحو مليون و200 ألف ليرة، وفقاً لقانون الدفاع الوطني، يوضح اللواء الركن أن "الخطوة تحتاج قانوناً صادراً عن مجلس النواب، ونحن ندفع قدماً لتستحصل عائلات الشهداء على هذا المخصّص".

وعن شهداء الجيش وكيفيّة التعويض عليهم، يقول "نحن والجيش توأمان، ولا فرق بيننا، ونحن على تعاون معهم لبلورة الصيغة النهائية لدفع تعويضات للأهالي".

"ليست تعويضات، وليست كافية"

تقول الباحثة والمحامية الدكتورة نادين عرفات، المتخصّصة في تعويضات الكوارث، إنّ "انفجار التليل كارثة وطنيّة، يترتّب عليها مسؤوليّتان: مسؤوليّة مدنيّة ومسؤوليّة جزائيّة. ترمي المسؤولية الجزائية إلى معاقبة الجاني بينما ترمي المسؤولية المدنية إلى تعويض المتضرّرين بصورة كاملة ومعادلة للضرر"، و"حيث يتبيّن أنه في هذه الكوارث من الصعب الكشف عن المسؤول ومحاسبته ويستغرق الأمر مدة زمنية طويلة، يتعيّن أن يكون الهدف الأساس تسريع التعويض لحفظ كرامة المتضرّرين، لكن لبنان يفتقر إلى نظام للتعويض عن الأضرار الناتجة عن كارثة وطنية".

وترى أنّه "من المؤسف أن تكون الهيئة العليا للإغاثة هي الجهة الرسمية الوحيدة التي تتدخّل للتعويض في ملفّ انفجار التليل. ذلك أنّ الهيئة، وكما يدلّ اسمها، تتولّى "الإغاثة"، أي التدخّل ضمن مرحلة مؤقتة، لا مستدامة، في حين أن الضرّر اللاحق بضحايا وجرحى انفجار التليل ضررٌ لمدى الحياة؛ 30 شخصاً خسروا حياتهم، وأكثر من 80 شخصاً لحقت بجزء كبير منهم تشوّهات جسدية، وخسروا موارد عيشهم، فضلاً عن الأضرار المعنويّة التي أصابتهم وعائلاتهم، وما يُسمّى بـ"الضرر الاستثنائي النفسيّ" الذي يعانيه من تعرّضوا لكوارث بهذا الحجم".

لذلك، هذه المساعدة لا ترقى إلى حجم الضرر، وتقع في خانة التعويضات المجزّأة، فهي لا تراعي مبدأ التعويض الكامل المعادل للضرر، بالرغم من أن  مبدأ التعويض الكامل يستند إلى الحق في الحياة والسلامة الجسدية المضمون في العديد من الاتفاقيّات والقوانين الدوليّة، التي صادق ووقّع عليها لبنان، إذ ورد في مقدّمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948، وميثاق الحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي لحقوق الانسان.

هذا، ويعترف لبنان بالطابع المطلق لحق الفرد الإنساني بالسلامة الجسدية، وقد كرّسه المشرّع في المادّة 134 من قانون الموجبات والعقود، الذي ينصّ على: "أنّ العوض الذي يجب للمتضرّر من جرم أو شبه جرم يجب أن يكون في الأساس معادلًا للضرر الذي حلّ به. والضرر الأدبيّ يُعتدّ به كما يُعتدّ بالضرر الماديّ"، والمادة 139 من نفس القانون، الذي يؤكد أن "حياة الانسان وسلامته الشخصية هما فوق كل اتفاق".

 

الحل: صندوق تعويض وطني

وأمام قصور هذه المبالغ عن التعويض، تجد الباحثة الحلّ في "إنشاء صندوق للتضامن الوطني ومهمته التعويض عن المتضرّرين من كوارث كبرى، أمثال حرب تموز، وانفجار 4 آب، وتلوث الليطاني، ومؤخّراً انفجار التليل. ينبثق هذا الصندوق من مبدأ التضامن الاجتماعي، ومن عدم ربط التعويضات بصورة حصرية بشركات التأمين، بل التعويض على المتضرّرين في مرحلة أولى، والحلول مكانهم لمقاضاة شركات التأمين إذا رفضت هذه الأخيرة التعويض المباشر لسبب مرتبط بشروط عقد الضمان أو لأي سبب كان على نحو ما حصل في انفجار 4 آب؛ فحتّى شركات التأمين تستثني الانفجارات المرتبطة بموادّ محترقة، ولأن كوارث بهذا الحجم، بما فيها انفجار التليل، تنطوي على مسؤوليّة وطنيّة".

أمّا على صعيد القوانين المعتمدة في لبنان، والتي يُرجَع إليها بعد انفجار التليل، فهي تُشير إلى "أنّ لبنان لم يطوّر أنظمة مسؤوليّات خاصّة أو أنظمة تعويضات عن الكوارث، كالكوارث البيئية، الكوارث الصحية، والكوارث الناجمة عن الأعمال الإرهابية والجرائم الجزائية والكوارث التكنولوجية أي النووية والكيميائية".

وتضيف الباحثة: "في المراسيم والقوانين الصادرة عقب انفجار بيروت، نلاحظ لغطاً بين مصطلحي "تعويض" و"مساعدة"، يُفسّر إمّا بسوء استخدام المصطلحات، أو العمد إلى منح مساعدة آنية والتنصّل من مسؤوليّات تعويض موجبة قد تمتدّ إلى 30 سنة، أو لأنّ الدولة اللبنانية تُسيء تقدير قيمة الإنسان. فهذا "المورفين" الآني ينضح من نظرة لا تعترف بالحقوق الأساسية للإنسان. وعوضاً عن إنشاء نظام مستدام للتعويض برعاية رسمية، يُكرّس مبدأ "الإعاشة" في الكوارث وسلطة المجتمعات الطائفية والعشائرية والحزبية في مساندة المتضرّرين".

وتستنتج عرفات أن "الحُجّة البعض قد تكون بالادّعاء أن الدولة مفلسة وغير قادرة على استحداث هذا الصندوق، إلّا أنّ لبنان قبل إفلاسه كان قادراً على إرساء هذا النظام، وقد حلّت فيه حروب وكوارث عديدة تستدعي التصدّي لها من خلال هذا النظام؛ السبب في تأجيل هذا الحلّ الضروري يكمن في نظرة الدولة اللبنانية إلى الانسان والمواطن، فهي لا ترعى حقّه بالطبابة، ولا تتعاطى معه بمنظور الكرامة الجسدية والنفسية".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم