الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نسب وأختاها وقصة وجع تحاذي الموت... نشطاء أطلقوا حملة تبرعات وناشدوا دولاً للإنقاذ

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
الشقيقات نسب وسارة وغنوة في المستشفى.
الشقيقات نسب وسارة وغنوة في المستشفى.
A+ A-
خلال الأعياد، في زمن غير صالح لأيّ عيد، زادت قصّة نسب الهباوي (17 سنة) وشقيقتيها سارة (14 سنة) وغنوة (9 سنوات) المصابات بفقر الدم المنجليّ لوعة أهالي طرابلس وكلّ من شاهد معاناة الفتيات المريضات بالفيديو. طفلات يتناوبن منذ نحو شهر على أسرّة المستشفى الإسلامي الخاص في طرابلس. تتخبّط وترتعد أجسادهنّ من الألم، تُصاحبها صرخاتٌ، وأيديهن الصغيرة تنتقل على كلّ أنحاء الجسد، تنهش الوجه والشعر محاولة تسكين الوجع، لكنه آخذ بالتزايد.
 
يقضم المرض عود الشقيقات الطريّ يوماً بعد يوم، والنظام الاستشفائيّ المتهاوي في لبنان يعجز عن إنقاذ هذه الحالات، التي تقرع إحداها ناقوس الموت. أمّا التفكير بضمان اجتماعيّ أو بطاقة تمويلية بعد رفع الدعم عن الأدوية، فأمرٌ خارج عن سياق دولةٍ فقدت مقوّماتها.
 
لا شكّ في أنّ الشقيقات الثلاث عيّنة من أطفال لبنان، الذين يعانون من وطأة أحد أشدّ الانهيارات الاقتصادية في العالم، وفق مسح نشرته "اليونيسف" الشهر الماضي، ويعلن أنّ "30 في المئة من الأطفال لا يتلقّون الرعاية الصحيّة الأولية التي يحتاجونها، حيث أعربت 76 في المئة من الأسر تأثّرها الكبير بالزيادة الهائلة في أسعار الأدوية".
 
وأمام انسداد الحلول المحليّة، لجأ الأهل إلى بدائل من الخارج: سفارات تغيث لبنانيين، أو دولار المغتربين؛ وهم اليوم يناشدون كلّ فاعل خير للتبرّع لـ"حراس المدينة" وتجمّع "راحمون"، فثمّة أمل واحد متبقٍّ قد ينجح في إنهاء هذه الجلجلة، ويُنقذ أرواحاً".
 
 
"ابنتي مهدّدة بالموت"
وتروي الأم آمنة بولاد معاناة بناتها لـ"النهار"، فتقول: "فقر الدم المنجليّ الذي يعانينه بناتي، هو مرض جينيّ، اكتسبنه منذ الولادة، يتسبّب بنقص مزمن في كريات الدم الحمراء وبآلام مبرحة في الجسم، ويؤثر في وظائف الرئتين والكليتين، ويحدث التهابات مستمرّة، وقد يتسبّب بالموت. وليس هذا الاحتمال ببعيد من ابنتي نسب، التي أدخلناها الإنعاش منذ بضعة أيام. أمام الألم الهائل الذي عانته، رأيت طفلتي تقارع الموت مع نوبات كهرباء في رأسها".
 
وتضيف الأم "كادت نسب تموت. لكنها لم تنجُ، فالمرض لا يزال يستحكم بجسدها، وتحتاج إجراء عملية زرع نقي العظم في مستشفى الجامعة الأميركية، وتكلفتها نحو 600 مليون ليرة، و40 إبرة للعلاج الكيميائي قبل العملية، تكلفة كلّ واحدة منها 1700 دولار".
 
وفي السابق، كانت الشقيقات يتلقّين أدوية للتخفيف من الأوجاع، ودواءً مخدّراً من فصيلة المورفين. لكن الأهل باتوا عاجزين عن تأمين الدواء، فـ"الأب تكفّل بطبابة البنات من اللحم الحيّ طوال 17 سنة، من خلال عمله مع أخيه في الأرض. صبرنا وكابرنا إلى أن استسلمنا اليوم لعجزنا. مصاريف المستشفى بالكاد نستطيع الوفاء بها"، حسب الأم.
 
وتعيش الشقيقات اليوم "بفضل إبر المورفين، يؤمّنها مندوب وزارة الصحة "بطلوع الروح". وإذا كانت حالة الفتيات تتطلّب عشر إبر مورفين مثلاً، فإن البنات يحصلن على خمسة، وتُخصّص الإبر الباقية لاحتياجات أخرى في المستشفى".
 
 
حالة نسب هي الأخطر
من وجهة نظر طبيّة، توضح الدكتورة آية الطرابلسي الاختصاصيّة في أمراض الدم والتورّم الخبيث عند الأطفال، التي تتابع حالة الشقيقات، أنّ "فقر الدم المنجليّ ليس بالمرض النادر، وإصابته شائعة جداً في المنطقة العربية ولبنان، خصوصاً في محافظة عكار، ويمكن التعايش معه بسلاسة ومن دون أن يؤثر في نمط حياة المصابين به"، بالرغم من أن هؤلاء الفتيات استثنائياً يخضن معاناة كبيرة جداً. وتضيف: "تملي مهنيّتي القول إنّ هؤلاء الفتيات موجوعات، مظلومات، يستحققن العلاج الذي أطلق ذويهم صرخته"، ويُمكن ردّ المعاناة لسببين: "السبب الأوّل طبيّ، ويحملنه في جينات من النوع "القاسي" للمرض، ويتسبّب للفتيات بآلام لا تُطاق. والسبب الثاني غير طبيّ مردّه إلى اجتهاد في العلاجات المؤقتة من دون استشارة الطبيب، ممّا ضاعف استفحال المرض".
 
وبخصوص زرع نقي العظم، تقرّ الطبيبة المعالجة بأنّ حالات الفتيات متدهورة جداً، وهي بالتالي تلزمها هذه العمليات، "لا سيما الابنة الكبرى نسب التي تحتاج التدخّل الأسرع، لأنها تلقّت في الصغر جرعات دم غير معرّضة للأشعة، ما يُعقّد نسبة نجاح العمليّة، ويُجبرنا بعلاج كيمياوي مضنٍ وطويل. أتمنّى أن نُنهي معاناة نسب بأسرع وقت، وخشيتي على حياتها كبيرة جداً، حتّى أنّ الطبيب المتابع لملفها في الجامعة الأميركية، الدكتور ميغيل عبود، سألنا: أيّ ألم تشعره الطفلة وهي لا تزال على قيد الحياة؟".
 
وتتمسّك الطرابلسي بالتدرّج العلميّ لإجراء العملية، ومنعاً للمغالطات تشرح: "قبل العملية، تُجرى "فحوصات مطابقة" لنقرّر من يستطيع التبرّع، وتظهر نوع المطابقة التي قد تكون كليّة أو جزئيّة. وعلى هذا الأساس، تحدّد الجامعة الأميركية تكلفة العملية حسب المطابقة التي تُحدّد أنواع الأدوية؛ فلكلّ دواء تكلفة محدّدة، ولذلك ينبغي عدم التسرّع بتقييم تكلفة العمليّة التي قد تزيد أو تنقص نسبة لكلّ حالة".
 
 
حملة تبرّع: فقراء يتعاطفون
الناشطة الاجتماعية دينا عطا الله، التي انخرطت في حشد التمويل للحالة الإنسانية منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، تقول إن تكلفة العمليّة والفحوصات تقدّر بـ600 مليون ليرة لكلّ مريضة؛ وهي أخرجت الحالة إلى العلن من خلال قنوات الاغتراب، إذ "تعاطف مغترب لبناني في ألمانيا، ويدعى أحمد السيد مع حالة الشقيقات، وحاول دعمهن قدر المستطاع. ثمّ أطلق فيديوهات عبر "فيسبوك"، يدعو فيها رجال الأعمال والديبلوماسيين والميسورين لمساعدة البنات. وجاءت أغلبية التبرّعات من الخارج، لكنها لم تتخطّ الألفي دولار، ذهب جزءٌ منها لدفع تكاليف العلاج في المستشفى الحالي".
 
وتواصلت السفيرة السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، مع المعنيين في المملكة، بهدف مساعدة الفتيات مثلما جرى مع الطفلة سهيلة، التي شلّت بسبب طلق ناري، وتكفل الملك بعلاجها، لكن المحاولة لم تكلّل بالنجاح. وحسب السفيرة أن هذه العمليات غير متاحة في مستشفى الملك عبد الله.
 
وفي محاولة أخيرة للاستعانة بالخارج، رفع المغترب أحمد السيد الملف إلى وزارة الصحة الألمانية لكن "الإجراءات طويلة، ولا بوادر إيجابية حتى اللحظة".
 
وتقول عطا الله "بعد فشلنا في مناشدة الدول، أطلقنا حملة حشد تمويل من خلال "حراس المدينة" وانضمّ إليهم "راحمون"، وتجاوزنا الـ60 مليون ليرة لغاية صباح الجمعة. ويستمرّ جمع التبرعات مع الحرص على حفظ مساهمة كلّ متبرع بإيصال، لكي يتسنّى لنا إعادة المبلغ لكل شخص إذا تكفّلت جهة رسميّة معيّنة بالعلاج".
 
واللافت أن "الناس مندفعة بعاطفتها لكنها لا تملك الموارد. فالبعض تبرّع بخمسة عشر ألف أو بعشرين ألفاً. وبالرغم من قساوة هذه الحالة إلّا أنّ إنسانية البعض تطيّب المواجع، فهناك مثلاً من يتّصل بي من بعلبك ليتبرّع بمئة ألف ليرة. وهناك ناطور تبرّع بنصف معاشه لعلاج الفتيات".
 
في المقابل، تأسف دينا على "انعدام الشروط الدنيا من الأمان الصحيّ في لبنان، ولا محاولة من المسؤولين عن المنظومة الصحيّة وحقوق المواطن للتعويض عن فشلهم الذريع، فيما مندوب وزارة الصحة لا يؤمّن الكميّة المطلوبة من الإبر المسكّنة، ويستدعي الحصول عليها إجراءات طويلة لتسكين بعض الأوجاع".
 
وتصف الناشطة حالة الأختين نسب وسارة بـ"الخطيرة"، وهما اللتان أدمنتا المورفين والترامال، ويتطلب علاجهما أيضاً تعافي الجسم من آثار المخدّرات، فيما سارة تتعاطى المسكّنات القوية، ولم تتطوّر للمخدرات بعد، مشدّدة على أنّه "من الضروري إرفاق العلاج الجسدي بعلاج نفسيّ، إذ تعاني الفتيات من خوف الوجع، فيواصلن الصريخ والتفاعلات العنيفة مع كلّ نوبة، لأنهن يخشين التألّم من جديد. نحن للأسف، في حلقة مفرغة، لكننا نتمسّك بأمل، ولو ضئيل، في أن تنجو البنات".
 
قصة الشقيقات الثلاث صرخة مدويّة علّها تصل آذان وزارة الصحة وأثرياء المدينة المتربعة على بؤس تاريخي، لا ينتشلها منه لا قدر ولا مسؤول يفترض به أن يكون مسؤولاً.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم