الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

جريمة الزوق بعد 72 ساعة من فاجعة المروج… تحليل للواقع الأمني في لبنان

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
جريمة المروج التي أودت بحياة الصيدلانية ليلى رزق. (النهار)
جريمة المروج التي أودت بحياة الصيدلانية ليلى رزق. (النهار)
A+ A-
بعد جريمة المروج التي هزّت الرأي العام من دون أن تنكشف حتى الساعة ملابساتها، شهدت بلدة زوق مكايل على جريمة عنيفة أدّت إلى مقتل طوني سمعان (خمسيني) برصاصتين من الخلف. لم تجفّ دماء الصيدلانية ليلى رزق حتى سالت دماء طوني سمعان من دون أن نفهم حقيقة ما جرى، وسط شائعات كثيرة رافقت هذه الجريمة الوحشية.
 
لم يتسنَّ للناس أن ينسوا جريمة المروج. جرائم متواصلة من دون معرفة الأسباب، بعضها ما زال حاضراً في ذاكرة اللبنانيين ومنها الجريمة الوحشية التي أودت بحياة طبيب الأسنان إيلي جاسر ومن ثم جريمة أنصار التي بقيت لغزاً من دون الكشف عن الملابسات الحقيقية لهذا القتل الرباعي، وصولاً إلى جريمة المروج والزوق التي لم يفصل بينهما 72 ساعة.
 
لم يكن طوني سمعان يتوقّع أنّ باب البناية الذي كان يصلحه سيكون باب موته، وأنّ نهايته ستكون على يد جاره الذي يسكن إلى جانبه منذ أكثر من 8 سنوات، وأنّ رصاصتين ستخترقان رأسه وظهره لتوديا به على الفور. كان صوت الرصاص أقوى من صوت تصليح الباب. يبدو أنّ العنف يتربص أكثر فأكثر بمجتمع يعيش أزمات عدّة وأخطرها انعدام الأمان في بلد الفوضى.
 
وقد علمت "النهار" أنّ القاتل، ابن العشرين عاماً، يتعاطى المخدرات، وأنّه يندرج ضمن خانة المدمن و"غير الطبيعي"، وما زالت التحقيقات جارية لمعرفة ملابسات الجريمة. وتالياً، يمكن إدراج هذه الجريمة ضمن خانة جرائم الأمراض النفسية التي دفع ثمنها المغدور طوني سمعان. ولكن الأكيد أنّ الجريمة لم تكن فقط نتيجة التلاسن الذي حصل يوم وقوع الجريمة، وإنّما هناك خلافات سابقة، وأنّ الخلاف الأخير كان النقطة فاض بسببها الكوب. لا شيء يبرر ما حصل، فتسليم القاتل لنفسه لن يخفّف من فظاعة هذه الجريمة، وكذلك الرصاصتان اللتان أطلقهما من الخلف تجاه ضحيته، فالقتل بات مثل "شربة الماي" عند البعض و"بكل دم بارد".
 
توفي طوني مخلّفاً وراءه أبناء وزوجة وعائلة مفجوعة بموته، فيما تستمرّ التحقيقات مع القاتل أ. حبيب للكشف عن خلفيات وملابسات هذه الجريمة النكراء. فهل أصبح لبنان ساحة مفتوحة على الفوضى والعنف؟
 
 
يؤكّد مصدر من قوى الأمن لـ"النهار" أنّه "عكس ما هو متداول أو يتراءى للبعض، فإنّ نسبة جرائم القتل انخفضت بنسبة 12% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2022 مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021.
ولكن نتيجة الخوف والقلق والوضع الاقتصادي وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، نجد أنّ التهويل والمبالغة حول الوضع الأمني لا يعكس الواقع الحقيقي في لبنان، وأنّ الدليل على ذلك انخفاض نسبة الجرائم منذ سنتين حيث تراجعت نسبة الجرائم 0.5% في العام 2021 عن العام 2020. ويعود ذلك إلى الجهد الاستثنائي وسرعة توقيف الجناة من قبل الأجهزة الأمنية على اختلافها".
 
وتحتلّ السرقات صدارة الجرائم. وبناءً على الجدول الحديث الذي أصدرته قوى الأمن، يبدو لافتاً أنّ غالبية السيارات المسروقة هي كورية الصنع ويعود السبب إلى غياب وجود جهاز "immobilizer"، وبالتالي تصبح السيارة الكورية شبيهة بالسيارات من صنع الثمانين التي يمكن سرقتها بنفس الطريقة مع فارق أنّ السيارة حديثة الصنع تعود بأرباح عالية.
 
ووفق المصدر، تعود أسباب الجرائم إلى الثأر وجرائم الشرف (والتي تعتبر مأساة) ومن ثم الجرائم العاطفية ثم جرائم نتيجة أمراض نفسية وعقلية، وبعدها جرائم نتيجة الإدمان على المخدرات، وأخيراً الجرائم المتعلقة بالسرقة والأموال.
 
ويعتبر أنّ الجرائم النفسية خطيرة ولا يُحكى عنها كثيراً، لأنّ هذا الجاني قادر على قتل أكثر من شخص من دون وعي أو معرفة. وهناك نوعان من الجرائم النفسية حيث يقتل الجاني أكثر من شخص (قتل أفراد عائلة واحدة أو قريبين منه)، ويكون إما شخصاً مريضاً نفسياً لا يتعالج أو يعاني من أمراض نفسية ويتناول أدوية غير مناسبة لحالته أو توقف عن تناول أدويته، أو شخصاً يعاني أمراضاً معينة تستوجب أن يكون في مأوى احترازي. ولكن هذا لا يعني أنّ كلّ الأمراض النفسية تؤدي إلى القتل وإنّما هناك بعض الحالات التي تعتبر خطيرة ويجب التمييز بينها.
 
 
 
ويشير المصدر إلى أنّ عدد التوقيفات ارتفع بنسبة 4.5% عن العام 2021 و11% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2022، وهذا يعكس مدى التوازن الأمني في لبنان برغم كلّ الصعوبات والتحديات. كما انخفض عدد الانتحار 5.33 - والقتلى -0.54 %، في حين زادت نسبة السرقة الموصوفة 135% وكذلك نسبة صافي السيارات المسروقة بنسبة 23.15%.
 
 
 
كيف يقرأ علم الاجتماع هذه الجرائم التي يشهدها لبنان في الآونة الأخيرة؟
تشرح أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة أديبة حمدان لـ"النهار" أنّ "العنف أصبح من بديهيات السلوك في مجتمعنا اللبناني، ولا يمكن الفصل بين هذه السلوكيات والأوضاع الاقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية التي نعيشها. فعدم الشعور بالأمان والقلق والخوف الدائم والتفكك الاجتماعي الذي نعاني منه بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب الاستقرار تؤدي جميعها إلى ردات فعل عنيفة نتيجة العذابات التي نعيشها".
 
كذلك، يجب أن لا ننسى أنّه بالإضافة إلى أزماتنا التي نعيش، نشهد مرحلة صعبة بعد فترة كورونا، وهذه حالة صحية أساءت إلى مزاج كل إنسان في العالم وأدت إلى غياب السعادة وازدياد القلق. ونعرف جيداً أن الإنسان السعيد هو إنسان غير عنيف، وكلما قلّت السعادة زاد العنف.
 
وترى حمدان أنّه "لا يمكن قراءة أيّ حدث عنفي بشكل آني، بل يجب النظر إلى الأسباب المباشرة وغير المباشرة وقراءة تاريخ المجتمع والكمّ من المشكلات التاريخية التي أدت بنا إلى هذا التفجّر في العلاقات والجرائم. لا يخفى على أحد أنّنا نعيش حرماناً وأزمات لا مثيل لها منذ سنوات عديدة أوصلتنا إلى هذه الدرجة الصعبة والتي يصعب تحملها".
 
كما أنّ الأسباب المرتبطة بالسياسات العامة تُشجع على الجرائم وتردعها. ففي لبنان، إنّ أيّ جرم أو جنحة يمكن التستر عنهما أو التفلت من العقاب، وهذا سبب مباشر لازدياد الجرائم، نظراً لغياب المحاسبة وضعف الرقابة. من السهل جداً أن ترتكب جريمة وتهرب من العقاب في لبنان أو تختفي أو تستخدم أساليب ملتوية لتغطية هذا الجرم.
 
 
 
بشكل عام، يمكن أن نختصر الأجواء العنيفة بكلمتين: أوضاع نفسية متدهورة وأوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة إضافة إلى غياب السياسات التي تخلق نوعاً من الأمان الاجتماعي. ونحن نعلم أنّ الأمن الاجتماعي هو سبب في الحدّ من الجرائم وضبط الأوضاع الأمنية والسلوكيات الفردية التي يمكن أن تؤدي إلى عنف كبير بين أفراد المجتمع.
 
وتعترف حمدان بأنّ "العنف بيننا وهو بمثابة الملح اليوميّ لأننا بكل بساطة لا نعيش ظروفاً طبيعية سويّة تتلاءم مع متطلبات ومقومات العيش عند الإنسان، خاصة في هذه الظروف، حيث الغلاء والفوضى وهذا الكمّ من الانتهازية والتفلّت، وفي ظل الانهيار الشامل على كل المستويات".
 
وعن مخاطر هذه السلوكيات العنفية في مستقبل لبنان، تشدّد حمدان على أنّه "عندما نعيش في مجتمع يحكمه عنوان "يا رب نفسي" أو "حارة كل مين إيدو إلو" تكون المخاطر كبيرة وتكون الكلفة باهظة وتنعكس مباشرة على حياتنا اليومية، وقد تنعكس على مستقبل صحتنا النفسية ومستقبل أولادنا وسعادتنا. وبالتالي، فإنّ مخاطر التفلت الأمني والاجتماعي كبيرة ولا يمكن تجاهلها. إذ نلاحظ تراجعاً في العلاقات بين الأهل ومع الأصدقاء، وتفلّتاً من المعايير الاجتماعية والثقافية وتقبل هذا التفلّت. والأخطر هو تقبلنا للعنف السائد الذي نعيشه في تفاصيل حياتنا ونبرره للأسف. أصبحنا نبرر السلوك العنفي ونتقبله نتيجة الأوضاع السائدة والتفلّت من المعايير، ويصبح كل شيء مباحاً. وهذا أمر خطير جداً لأننا نصبح في شريعة الغاب حيث تغيب عنها القوانين والمحاسبة، وتؤثر على مستقبل هويتنا الثقافية والأخلاقية وتسبب انحداراً في القيم الاجتماعية".
 
وأشارت إلى أن "هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم لا يظهر أثرها مباشرة ولكن يصعب حصر آثارها في المستقبل لأنها ستؤسس لقيم جديدة ( تأسيس لحرمان وغضب وانتشار الجرائم) وغياب قيم أخلاقية كنا نتغنى بها. ومن المستحيل ردع هذه الجرائم في ظل غياب الدولة والسياسات الاجتماعية العادلة. فالحرمان والتهميش هما مصدر أساسي للجرائم، لأن المجرم يعوّض عن هذا الحرمان من خلال السرقة أو في السلوك العنفي لتحقيق حاجة وتصبح الدوافع غرائزية ومباحة".
 
 
وتتحدث استاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية عن أن "فشل الدولة أوغيابها وضعفها تقابله استحالة في الحدّ من الجرائم، بل نتوقع المزيد منها ولا يمكن الكلام عن سياسات وقائية أو علاجية في ظل غياب الدولة. فهذه الأخيرة مسؤولة بالدرجة الأولى عن أمن المواطن، وإذا كانت غائبة فعلينا توقع المزيد من المشكلات والتفلّت".
 
وفي مقارنة بين الجرائم في السنوات الماضية والجرائم الحالية، نلاحظ أن أسباب الجريمة سابقاً كانت تتحمور حول بعض المشكلات الاقتصادية وتأثير الإنترنت والفراغ واللاجئين الموجودين على الأراضي اللبنانية وبعض البؤر التي تشهد غياباً أمنياً. أما اليوم فدوافع الجريمة أصبحت مختلفة، نحن في مجتمع منهار ونعيش مشكلات غير مسبوقة وفقر غير معهود، وانخفاض الأجور والهجرة وارتفاع الدولار وغلاء المعيشة... هذا الكمّ من الضغوطات المستحدثة سيولّد جرائم وأنواعاً مخيفة منها. هذا العنف سيكون موجوداً بشكل حاد أكثر وبصور جديدة لم نعهدها من قبل بين المواطنين".
 
وتختم حمدان قائلة إن "البيئة هي أساس لانحراف أي سلوك. إذا أردنا أن نعالج أو نقلل من الانحرافات السلوكية يجب النظر إلى البيئة (هل البيئة المحيطة بالإنسان سليمة أم تدعو إلى العنف) نحن نعيش في بيئة مريضة، النقص أصبح على كل الأصعدة والتدهور في ازدياد وبالتالي هذه ستكون دافعاً للضغط أكثر على الفرد حيث تتأثر دوافعه وقيمه وسينتج عنها مشكلات اجتماعية كبيرة تؤثر على سلوكياته السلبية التي ستترجم في أشكال عدة (انتحار- سرقة - قتل).

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم