الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بأية حال عدت يا رمضان... انهيار وغلاء وسُفرة على قدّ الحال والناس "منتوفي"

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
يحلّ شهر رمضان هذا العام على اللبنانيين عامة، والمسلمين خصوصاً، وسط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
 
عن الشمال، كتب طوني فرنجية إن "شهر رمضان يتميز بإفطاراته اليومية، وسُفره الغنية باللحوم والدجاج والخضار والمواد الغذائية الأخرى على اختلاف أنواعها. وهذه أصناف ستفتقدها العديد من الموائد الرمضانية هذا العام، لأن أسعارها تكوي القلوب والجيوب؛ فسعر ربطة الخبز 50 ألف ليرة، وبالتالي فإنّ عائلة مؤلفة من 4 أو 6 أفراد كمعظم عائلات طرابلس والضنية والمنية تحتاج إلى نحو 200 ألف ليرة في اليوم فقط لتأمين الخبز، فضلاً عن أنّ صحن الفتوش الطبق اليومي للصائمين باتت تكلفته تفوق الـ500 ألف ليرة وهكذا دواليك، لتجد أن العائلة الواحدة تحتاج إلى نحو 4 ملايين ليرة في اليوم الواحد لتأمين إفطار رمضاني ضمن المعقول، من دون احتساب الحلويات والفواكه، لا سيما التمور والعصائر التي هي أساس في الإفطارات اليومية. حتى الفلافل الأكلة التراثية المحبّبة للكبار والصغار، بات تناولها مقتصراً على ميسوري الحال".
 
تقول فاطمة هرموش من الضنية: "سنستغني في رمضان عن الكثير من المأكولات، وسُفرتنا لن تكون متنوعة كما في كل عام بل ستقتصر على طبق واحد وصحن سلطة وحلويات من صنع البيت، لأننا لسنا قادرين بإمكاناتنا المادية من القيام بغير ذلك. الله لا يوفق كلّ من أوصلنا إلى هذه الحالة. كان رمضان شهر الفرح فحولوه شهر تعاسة وكرب".
 
 
ليلى درويش من طرابلس، تقول بدورها: "إضافة إلى أكلاف الأكل، هناك أكلاف المولدات، إنْ أبقاها أصحابها شغالة طوال وقت الفطور. وتحسباً، اشتريت الشمع للإنارة الليلية، لكن الشمعة الواحدة بـ15 ألف ليرة، وكلّها أكلاف ما كنّا نحسب لها حساباً، فيما اليوم نعمل حساباً لعود الكبريت".
 
محمد المصري من القبّة ليس أفضل حالاً، ويقول: "يحل الشهر الفضيل ونحن منتوفين. كيف سنصوم، وكيف سنفطر، وماذا سنشرب ونأكل؟ لا أدري. كان الله بعون الصائمين الذين لا حول لهم ولا قوة، والعين بصيرة واليد قصيرة، ولنا الله فهو لا يتركنا".
 
حسرة وحزن عميق يرافق الناس في رمضان وفي كلّ يوم. السوق في عاصمة الشمال مكتظّ، "من دون بركة" على حدّ قول أحد أصحاب المحالّ. الناس تجول من "دون نفس"، للتمويه وللشعور بالعيد، ولكن بأيّ حال عدت يا عيد.
 
 
إلى عكار، كتب مندوبنا ميشال حلاّق: "لا، لم يمرّ علينا وضع كما هو الآن". بهذه العبارة تصرخ أم وائل، وهي تحاول الرد على سؤال عن استعدادها لشهر رمضان المبارك، وتقول استهلالاً مهنئة الجميع بحلول هذا الشهر المبارك، لتضيف: "إنه شهر الخير والبركات، لكن التجّار في السياسة وفي التجارة لم يبقوا للخير مطرح في هذا البلد".
 
وأضافت: "أنا موظفة في القطاع العام، وزوجي كذلك، وعائلتنا مؤلّفة من 5 أفراد، وما نتقاضاه لا يكفي لدفع فواتير الكهرباء والهاتف وبعض الأدوية. فكيف لنا العيش، وثمن ربطة الخبز لامس الـ50 ألفاً، والخضار والفاكهة أسعارها نار، واللحوم والأسماك والأجبان والألبان باتت من الأحلام!".
 
الدمعة العالقة في العين، والغصّة المتجمّدة في الحلق، عبارات تكاد لا تكفي للإفصاح عن وجع العائلات اللبنانية التي باتت بقسمها الأكبر تحت كلّ الخطوط الحمر.
 
ومن يدخل إلى منازل الكثيرين هذه الأيام يدرك حجم الوجع القائم، والمعاناة وضيق الحال وانعدام القدرة على توفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم.
 
يقول رامي، وهو صاحب محل لبيع الحلويات "الوضع صعب جداً. الله يعين الفقير، فالأسعار إلى تصاعد لحظة بلحظة، وجمود الأسواق خير دليل على عدم قدرة العائلات على تأمين قوت عيالها".
 
أما في سوق اللحوم والأسماك فالأمور أشبه بشراء المجوهرات، فكيلو لحم البقر تجاوز المليون وأربعمئة ألف ليرة، والدجاج بحدود الـ300 ألف ليرة، أمّا الأسماك فبالدولار، وعلى سعر 6 دولارات وما فوق.
 
ويشير مصطفى العمر إلى أن العائلات تلجأ مرغمة إلى اللحوم والأسماك المجمّدة لأنها الأقلّ ثمناً. وعلى الرّغم من ذلك، فمن كان يشتري كيلوغراماً وأكثر من اللحمة، بات يكتفي اليوم بأوقية من اللحم المجلّد لإعداد طبخة.
 
ويختصر: "الحال عدم، والصائمون يتحلّون بالإيمان، و"ربّك بيدبّر" لتمضية الشهر الفضيل".
 
أما عماد رضوان فيقول: "إن شهر رمضان شهر مبارك، ولا خوف على لقمة الفقير في شهر الخير. لكن الأمور خرجت عن السيطرة، وحالة هستيريا نعيشها جميعاً، وأصحاب المحلات باتوا لا شغل لهم إلا تبديل الأسعار. الوضع صعب جداً. الله يلطف بعباده".
 
وتتحدث غالية الأحمد بغضب كبير على كلّ المسؤولين الذين ساهموا بإفقار الناس وانهيار البلد من جراء أفعالهم، والذين لم يشبعوا، وتسأل "ماذا يريدون من الناس؟ من استطاع قد هاجر، والباقي يتمنى ذلك". ودعت الناس إلى العصيان المدني، و"أنا أول النازلين إلى الشارع، فلم يبق لنا شيء لنخسره أو نأسف عليه. معقول سعر عبوة المياه ليترين باتت بـ35 ألف ليرة في لبنان بلد المياه؟ وكرتونة البيض بأكثر من 300 ألف ليرة؟ ورغيف الخبز بأكثر من 5 آلاف".
وتختم: "ما يحصل أمر معيب، وعلى كلّ السياسيين التنازل والاعتراف بالفشل، فهم من أوصل لبنان هذه الجنة على الأرض إلى جهنم التي ساهموا هم بها".
 
ومن الشمال، إلى الجنوب، الحالة شبيهة، وكتب مراسلنا أحمد منتش: "شهر رمضان المبارك، أو شهر الصوم لدى المسلمين، له طعم خاصّ ونكهة مميّزة عند أبناء مدينة صيدا الذين أثبتوا طوال عقود فائتة التزامهم الديني والأخلاقي في الصوم طوال الشهر الفضيل وتمسّكهم بالطقوس والعادات المورثة المواكبة لشهر الصوم وشهر العبادة".
 
 
تمكّن الصيداويون من جعل مدينتهم مدينة رمضانية بامتياز من خلال إحياء الشعائر الدينية وإقامة السهرات والأمسيات الرمضانيّة وتبادل الزيارات ومساعدة الفقراء والعائلات المتعفّفة. الساحات والشوارع وشرفات المنازل تجري إضاءتها وتزيينها بمجسّمات معبّرة عن المناسبة، لكنّها اليوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وانهيار العملة الوطنية واستفحال أسعار كلّ المواد الغذائية والاستهلاكية، لا يبدو أنّ العيد سيكون كالسابق. وقد تكون أبرز تجلّياته شكلاً ضعف النشاطات الرمضانية، التي تم الإعلان عنها قبل ساعات من بدء الصوم، إضافة إلى الزينة القديمة التي تركّزت عند مستديرة ساحة النجمة.
 
وأعلنت البلدية عن برنامج لتنظيم المسيرات الكشفيّة وبعض الأنشطة الرمزية. وقال رئيس البلدية المهندس محمد السعودي: "لا يبدو أن أوجاع الناس وصرخاتهم تلقى آذاناً صاغية، ونأمل في هذا الشهر من المسؤولين الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وأن يعملوا قبل فوات الأوان على معالجة المشكلات والأزمات المتراكمة. وأنا شخصياً سأردّد دائماً بعد صيامي وتأدية الصلاة "الله يكون بعون الناس والبلد".
 
كذلك عملت جمعية التجار على رفع الزينة في داخل الأسواق التجارية، وقال رئيس الجمعية علي الشريف: "أردنا في هذا الشهر الفضيل أن نعطي بارقة أمل للناس، وقمنا بتزيين الأسواق لنضفي عليها شيئاً من البهجة، علّ ذلك يُسهم في تنشيط الحركة في المدينة".
 
وأضاف: "يأتي هذا الشهر المبارك في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وتصيب بتداعياتها المباشرة المواطن في معيشته وفي تنقّلاته وصحّته وحياته اليوميّة. تفلت مخيف في سعر صرف الدولار وانعكاساته على أسعار المحروقات والسلع الغذائية استنزف القدرةَ الشرائية للمواطنين، إضافة إلى أزمة المصارف وعدم تمكّن المودع من سحب الحدّ الأدنى من أمواله المحجوزة لدى المصرف"، مشيراً إلى أن مقومات الدولة مستمرّة بالتلاشي، ومصالح الناس متوقفة بسبب إضراب العديد من القطاعات الرسمية، ممّا يتسبّب بشلل إضافي للبلد".
 
المشهد العام في صيدا يُظهر محاولات دؤوبة للإحساس بالعيد، لكنّه على غرار المناطق الأخرى، متطلبات الحياة وغلاء الأسعار واقع لا مفرّ منه. كيف لا، وقد أصبح سندويش الفلافل، وهي "الأكلة" المصنفة للفقير، بـ125 ألف ليرة لبنانية، وهي "كناية عن ثلاثة أقراص فلافل وشوية حشيش"، كما يقول مواطن صيداوي. وحتى منقوشة الزعتر تخطّى سعرها الـ50 ألف ليرة، ناهيك بأسعار الحلوى.
 
يصرّ المواطنون في صيدا على الصوم، لأنه تعبير عن إيمانهم بالله ربّ العالمين، لكن التحدي هذا العام مضاعف عن كلّ الأعوام التي سبقت، وقد يكون في هذا رسالة للتضامن والتكاتف في هذا العيد المبارك.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم