"بيروتتنا" تحيي العيد ولو كرهت الأزمة... "تركيزنا على نشاطات الأطفال المجانية"

أعطيت بيروت خلال ليالي الميلاد اسماً آخر في وسط المدينة: "بيروتتنا". المدينة الـ"بيروتة" لأنّها الأنثى والجميلة والتي يليق بها الهمس الرفيق بالوجع، و"نا" المدينة لأهلها، وهم الذين ينتمون لها مسؤولون عن روح بيروت ونبضها في كلّ الظروف والمواسم، مدركين أنّ لا سلطان للمواطن في إدارة الأزمة وملفاتها الضخمة، لكنّ العجز ليس خياراً.



العيد في أسواق بيروت فرصة حتى تستنشق الناس الفرح في خضمّ الانهيارات الماراتونية. يستمر "بيروتتنا" هذا العام يفي استيلاد الحياة من جرح المدينة وأهلها. ولهذا السّبب، صُبّ التركيز على إحياء الموسيقى ضمن فاعليات "بيروت ترنّم" الّتي تقام مجموعة من حفلاتها في الأسواق، كما أوليت ألعاب ونشاطات الأطفال اهتماماُ خاصاّ والعديد منها مجانيّ، فهم الفئة الأكثر تضرّراً من احتجاب المال والوِفرة. يعيش أطفال لبنان مآسٍ فاضت عن طاقة أعمارهم الغضّة، فحُرموا الكزدورة والهدايا والألعاب و... حُرموا العيد.

يقدّم المهرجان للأطفال مساحة ترفيهيّة واسعة، تتنوع بين الاستعراضات المباشرة وعروض رقص الباليه، وألعاب الشارع البهلوانية وفقرات التمثيل الصامت ودروس رقص الزومبا وعروض السير على ركائز متينة وعروض ألعاب الخفة، وفقرات للمهرجين، واستعراض "بابا نويل"، مع زاوية مخصّصة للتصوير معه.



وفي حديث لـ"النهار"، أكّد بشير مجاعص، أحد المبادرين والمنظّمين لـ"بيروتتنا"، أنه "في ضوء الأزمة الاقتصادية التي جعلت الأهالي غير قادرين على تقديم الهدايا ومشاوير العيد لأطفالهم، تعمّدنا تقديم فقرات تسلية الأطفال بالمجان، بل جعلناها أولوية هذه السنة بينما لم تكن موجودة في نسخة 2020".
يحمل الموسم أيضاً "رسالة للأسواق الّتي أغلقت بفعل الظروف الاستثنائية. لا فرار من التحديات المالية الكبيرة الّتي تعترض التجار ومؤسسات أسواق بيروت، لكننا نعتقد إن تشجّعت مؤسسة على إعادة فتح أبوابها، ستتشجّع تباعاً المؤسسات الأخرى. ونحن نبذل ما في وسعنا لهذا الهدف، وساعدنا
Planet Discovery في أعمال الترميم ليعيد فتح أبوابه بالتزامن مع نشاطنا".


وتعاون كلٌّ من سفارة السويد، وسوق البلد، وLiveLove Beirut، و"جمعية نوح"، و"مركز سرطان الأطفال في لبنان" في تنظيم نسخة العام.
بالزينة التي تخفق بالأنوار الذهبية والأحمر وشجرات الميلاد، وعلى مدخل الأسواق اكتسى الشارع الأنيق بزينة العيد، وعلى إحدى البنايات أضيئت جملة قد تكون الشعار البليغ للموسم "
Despite it All" (بالرغم من كل ذلك)، بدت أسواق بيروت نجمة براقة على رأس شجرة العيد، ولو كرهت الأزمة!

من جانب آخر، تبدو تداعيات الواقع الأليم أكثر وضوحاً عن كثب. مقولة "العين بصيرة واليد قصيرة" تحوم في المشهد. كيف لا، وقيمة الليرة اللبنانية تدهورت 200 في المئة، و30 بالمئة من أطفال لبنان ينامون بلا عشاء حسب أرقام منظمة اليونيسف. الأكشاك جذابة ومتنوعة، وأغلبها يقدّم المأكولات والسندويش والمؤونة وأعمال يدويّة تساهم في دعم حرفيين لبنانيين وقضايا إنسانيّة.

في نماذج عن أسعار المأكولات التي عادة ما ترافق نزهات الليل، نلتقط: عرنوس الذرة المشوية بـ25 ألف ليرة، الهبرغر بـ100 ألف ليرة، ومناقيش كانت تعد من المأكولات الشعبية وسعر الواحدة تخطّى 10 آلاف... ليست مبالغة التجار في الأسعار، لكنها أسعار السوق اللبناني التي فرضتها أسواق الدولار السوداء.

"سأكذب لو قلت أنّني كنت سأصطحب ابنتي وصديقاتها إلى المهرجان إن لم أتقاضَ معاشي بالدولار "الفريش". لننظر إلى أعداد الناس هنا. أقلّ بكثير من العام الماضي والسبب ليس الشتاء و البرد، السبب مادي. الناس لا تملك النقود ونحن الأهالي يصعب علينا أن يستحلي أولادنا مأكولات أو لعبة ولا نقتنيها لهم"، حسب أندريه الذي كان ينتظر انتهاء طفلته لارا وصديقتيها من تناول "الكريب" وحلوى بالشوكولا على إحدى الطاولات.



أمّا نانسي، فتحاول كبح دموع ابنها بقطع الفريز والمارشميلو التي غطستها في بركة شوكولا، وقيمتها 50 ألف ليرة "العيد مرّة في السّنة. نحن نعيش لأجلهم (الأطفال) ولا ينبغي أن يشعروا بغصّة، يكفينا الألم نحن الكبار".


وفيما يحتسي البعض مشروبات دافئة في "ستاربكس" بالقرب من ساحة العجمي، والذي بقي صامداً في الأسواق، ويراقب تحت ناظريه بهجة الأولاد، وكيف تتلحّف الأسواق الباردة بدفء العيد، يجول الأطفال وذويهم بعيون تلتمع وأيدي خالية.  صورٌ كثيرة التقطت لمن تحلّقوا حول زينة العيد، بينما التصوّرات العالية أزاحها ضيق ذات اليد، فيما أصرّت عروض الأطفال المفتوحة على ترقيع اختلالات الرزق، والأمل بعيد لا يكون حكراً على الميسورين. وفي هذا الحلم جوهر العيد.

*تصوير حسام شبارو