الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

رحيل رمزي نجار "آخر عنقود" العصر الذهبي للإعلان... "البنّاء" بشهادات أصدقاء ومُنافسين

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
رمزي نجار (أرشيف "النهار").
رمزي نجار (أرشيف "النهار").
A+ A-
 
الأشياء الجميلة تُغادر أيضاً، ووَقْع الوداع مُرّ. الأسماء الخلّاقة إن رحلت، فرحيلها لا يقتصر على الأقرباء. هو رحيل جماعي، عام، وطنيّ، إنسانيّ، يتجاوز كونه حزناً عائلياً ضيّقاً، فيختزل أصناف الخسارات. هكذا هو رحيل رمزي نجار، "آخر عنقود" العصر الذهبي للإعلان. يراه جو عياش "كاملاً مُكمّلاً"، ويسمّيه أنطونيو فنشنتي "البنّاء". بكلمتين يصفه: "فلتة زمانه". هو "بيّ الصبي"، يتبنّى قضايا التعبير والإعلام، ولا يتردّد في الدفاع عن الحريات في لبنان. يتحدّث داني ريشا عن بصمته في التاريخ الحديث، ويراه "المنافس الذي أحلمُ به". كان "شغّيلاً بامتياز"، حسّن شروط اللعبة، وارتقى مع الآخرين في أخلاقيات المنافسة. Leader، خلّاق، "أدخل الحداثة على العمل الإعلاني وكبَّر السوق"، بشهادة جورج غانم. يترحّم بيار الضاهر، ويتحسّر: "كان حلو الشغل معه". يرحل رمزي نجار، فيما كلّ الحقول تنزلق نحو اليباس. خسارة.
 
"جبل الإعلانات" والرحيل المُحزن
 
يراه المدير العام والمؤسّس لشركة " A&A Porter Novelli" جو عيّاش "قامة للفكر والإنسان". تعرّف إليه في الـ1988، واليوم يقول: "من خيرة الناس. قيمة إعلانية متطوّرة، وذكاء. أدخل التجديد إلى لبنان. هو على المستوى الشخصي، مُخلص ومُفضِل للمهنة والصداقة والعائلة والوطن". يغصّ وهو يتكلّم على رجل رأى أنّ الطاقات الموجودة في لبنان، لا توجد في مكان آخر. يُعدّد الكوكبة، من أنطوان الشويري إلى رمزي نجار، "جميعهم صنعوا مجد لبنان منارةً للإعلان". يتحدّث عن "رمزي، آخر العنقود من الكبار. أسّس في هذا الوطن، وهو يصرّ على أنّه المُنطَلق. انهالت عليه العروض من دول عربية وأجنبية. رفضها. حبّه للبنان ظلّ عميقاً ومترسّخاً". يتذكّره في الحرب، وهو يهرع إلى مكتبه برغم القصف العنيف، "ليضل ماشي الشغل". هما من جيل واحد، "نفس العُمر، وبرغم ذلك، شجّعني وقال لا تخفْ. تطلّعْ دائماً إلى الأمام". أسّسا معاً شركة "ساتشي آند ساتشي"، وفي كلّ مرّة كان عياش يطيل البقاء في مصر، يصله نداء رفيق دربه نجار: "متى ستعود إلى لبنان؟". "اليوم لا أصدقاء في المهنة وفي الإنسانية". يُسمّيه "جبل الإعلانات"، ويتأسف: "محزنٌ سقوط الجبال". ليس رمزي نجّار من الصنف الذي يُحبَط أو تهتزّ معنوياته. آلمه مشهد لبنان وهو يصارع كورونا في أيامه الأخيرة، وقد أصابه الفيروس برغم اتّخاذ الإجراءات؛ كمامة وتباعد وحرص على تفادي الجَمعة. بوفاء، يُعدّد المزايا: "طاقة، ثقافة، خلّاق، مستشار، أستاذ في السياسة والاقتصاد والإعلام والإعلان والفنّ، يتحلّى بروح الدعابة وضحكته كانت تصدح. كامل مكمَّل".
 
 
"بيّ الصبي" في التصدّي والدفاع
 
يسمّيه رئيس مجلس الإدارة، المدير العام لشركة "بيكاسو" أنطونيو فنشنتي "البنّاء"، شيّد الصناعة الإعلانية والإعلامية وأعطاها قياسها وحجمها. "وقف خلف علامات تجارية مهمّة، وأبرز شعارات الإعلانات بعد انتهاء الحرب". يستعيد يوم قرّرت المصارف إطلاق حملات دعائية بعد المعارك الأهلية، فكان رمزي نجار المفكّر والمُبدع. "رسم المسار الإعلاني لأهم السلع، وأطلق مع سوليدير والشهيد رفيق الحريري خططاً لإعادة الإعمار. "بنّاء درجة أولى. بيّ الصبي دائماً، يقف في الصفوف الأمامية لأي قضية تمسّ المهنة، وفي خطّ الدفاع الأول عن مسائل الإعلام وحرية التعبير. ثم إنّه لم يكن يغادر مكتبه قبل ساعات الليل، متفانٍ وصادق. يتكلّم اللغات الثلاث بطلاقة، مُتعمّق على الشعر والأدب، وضليع في الماركتينغ. "يعمل عقله يميناً وشمالاً، على كلّ الجبهات. Leader". 
 
يُكمل فنشنتي أنّ رمزي نجار أثّر في رؤساء ووزراء وأصحاب قرار. عاش المرحلة الذهبية للإعلام والإعلان، حين سطع في لبنان مشهد الحلم والأمل في نهاية التسعينات. آنذاك، كانت مرحلة إعادة وهج البلد اقتصادياً وتجارياً، تحت شعار: السماء هي الأفق. The sky is the limit. توسّعت إبداعات رمزي نجار، في السوق الإعلانية واستراتيجيا التواصل، فعمل مستشاراً لقامات، منهم ملك الأردن الذي احترمه شعبها وقدَّر مكانته. "فلتة زمانه". "أتكلّم عنه والصدمة مؤلمة. رحيله مباغت. كان من صنّاع المهنة، قائداً في العلاقات العامة، Networker. اسم بمهمّات مذهلة". 35 سنة من الصداقة والتعاون، ويشعر فنشنتي اليوم أنّه مدين له: "مُفضِل على مسيرتي المهنية، أفدتُ من نصائحه". التقاه بعد الجائحة في مكتبه، ولمس حرصه على المسافة والكمامة. "وجدته ملفوحاً بالخيبة على المصير الجماعي. آلمته حالة التمزّق وعذابات الكيان. رجل عنفوان رحل بغصّة على لبنان".
 
شرف المنافسة
 
"خسارة"، يبدأ رئيس مجموعةIMPACT BBDO والمدير التنفيذي للابتكار في المنطقة داني ريشا الكلام. "نخسر الأدمغة، مرّة بداعي الهجرة، وأخرى بداعي الموت. خسارة رمزي نجار باهظة. يتحدّث عن "بصمة في أكثر من حقل: في الإعلان والإعلام، وفي تاريخ لبنان الحديث"، ويراه "المنافس الذي أحلمُ به". يُحزنه رحيل قامة شكّلت دفعاً للإبداع والغد الأفضل. "كما المنافسة في الرياضة، حيث البعض يُحسِّن اللعبة، كان أحدنا يدفع الآخر نحو العطاء الخلّاق. وحّدنا الجهود من أجل لبنان وصورته الإعلانية الراقية في الشرق الأوسط والعالم. جمعتنا منافسة شريفة، وأذكرُ أنّنا في المناقصات كنّا نخوض التحدّي بأخلاق، فالرابح هو رابح بجدارة، لا بسبب التذاكي أو تكسير الأسعار". تحلو لريشا استعادات تعكس الروح الجميلة بين الرجلين، وتُبيّنهما "فريقاً واحداً"، برغم أنّهما من شركتين متنافستين. يذكر أنّهما عملا معاً في أكثر من 10 حملات في السنوات الثلاثين الأخيرة. "قدّمنا رسائل دعائية وطنية، وتوعية للرأي العام، في السياسة وغيرها. صحيح أنّ المنافسة ظلّت قائمة، لكن حين يتعلّق الأمر بلبنان، كنّا نشبك الأيدي ونخلع قبّعات شركاتنا لنضعها جانباً. مصلحة الوطن أسمى". 
 
يبتسم حين يتذكّر كيف كان يتصبّح به على الدوام، "مكتبه بوجّ بيتي بالأشرفية"، هو داخل أو خارج إليه، وأنا أغادر منزلي أو متوجّه إليه. "يا للمفارقة وهو يعمل لساعات متأخرة، كأنّه في اليوم الأول من المهنة، ليس لحاجة مادية، بل لشغف وقضية وفكر ورسالة. كان شغّيلاً بامتياز".
محطّة أخرى جمعتهما معاً، هي "المنظمة العالمية للإعلان"، ولا فارق مَن ترأس الإدارة، "فالمنافسة غايتها تطوير المصلحة، كأنّنا فريق". يرحل رمزي نجار وقد لمح في ثورة تشرين شرارة قيامة وطن، أعادته، وإن اختلف الظرف، إلى التسعينات. يقول ريشا أنّه غاب وهو يشعر بشيء من طمأنينة عنوانها "لا عودة إلى الوراء". يُعزّي العائلة، هو الناجي أخيراً من كورونا: "لعلّ وفاة رمزي بالوباء تكون رسالة لعدم الاستخفاف. عانيتُ وشُفيت. رمزي رحل. المرض ليس مزحة".
 
التأريخ لمرحلة
 
تابعه الإعلامي جورج غانم من الثمانينات حتى فتراته الأخيرة: "برحيله، يفقد لبنان مَعْلماً من المعالم القيّمة، وهي على طريق الزوال. يراه تركيبة مُتكاملة: "عالِم سياسي واجتماعي، صاحب شركة إعلانات، قائد حملات متفوّقة، وقائد استراتيجي، أضاف في عمله الاستشاري لحكّام كبار". إنّه "مؤرّخ مرحلة بكتبه وحضوره"، التقاه في جلسات عند الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس نجيب ميقاتي، وكان كلّما قدّم غانم وثائقياً، اتصل مشيداً، مُعجَباً، مُتناولاً التفاصيل وأبرز المحطات. "كبَّر السوق الإعلانية"، يُتابع مع حسرة على بلد "اختفى اليوم دفعة واحدة". ليس من باب التشاؤم، لكنّه الواقع، "فالناس تغيّرت والمجتمع والكفاءة والدور، وانهار الاقتصاد، فراح اللبناني يطارد مصائره الفردية، بعدما بات المصير الجماعي أسير السقوط". لا يُحبّذ لعبة مقارنة المحطّات، ولا التشابه بين الأزمنة، فلكلّ حقبة ظرف وخصوصية. منذ الـ1920 إلى 1975، تولّت نخبة اختراع الوطن ورسالته وأغنيته وقصيدته ودوره وما يسمّيه غانم "كذبة الشرق والغرب"، ثم كانت الحرب. "حاول الشهيد الحريري استعادة زمن الماضي، فأتاح الليبرالية المطلقة، وراحت تسطع أسماء من أمل وحلم، تضع أفكاراً وخططاً مستنيرة لإزالة آثار الرصاص". رمزي نجار في الصفّ الأمامي، آمن بلبنان. "اليوم، لبنان الـ1975 ليس موجوداً ولا لبنان التسعينات. مُركّب هجين يفقد دوره. الحزن كبير".
 
حلّ لكلّ عقدة
 
"اسم رمزي نجار مرادف للإبداع في مهنتنا"، يقول رئيس مجلس إدارة "أل بي سي آي" بيار الضاهر من دبي. "عرف كيف يُدخِل أفكاراً بسيطة على مسائل معقّدة نوعاً ما، فيوصل الرسالة إلى المتلقّي بطريقة مُحبّبة". ثم يُعدّد: "ثقافة، لغة عربية سليمة، أسلوب سلس، وعقل خلّاق". يتحدّث عن "الخسائر الكبيرة"، والراحل إحداها. نسأله عن القطاع الإعلامي، فيجيب بكلمة: "انهار". إنّنا أمام شكلين للإعلام: "الذي نعرفه قد انهار، أما القطاع الإعلامي بحلّته الجديدة فهو قيد الإنشاء". بالنسبة إليه، "يجب وضع كلّ ما بنيناه في السنوات الأخيرة جانباً وعدم التحسّر على الماضي، بل مخاطبة الناس بطريقة مختلفة، وهو أمر قيد التجربة اليوم". يختصر جماليات رمزي نجار: "ذكي، مهضوم، لديه حلّ لكلّ عقدة. حلو الشغل معه. رحمه الله".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم