العام الدراسي وكوابيس الفقر والانترنت والكهرباء... اختصاصيون يتحدثون لـ"النهار"

ما زال التعليم عن بعد موضوعاً شائكاً في ظلّ عوامل أساسية يفتقد إليها لبنان من عدم توافر شبكة انترنت مناسبة وكهرباء دائمة، فضلاً عن عدم الجهوز من حيث الخبرة المعرفية للأساتذة في هذا النوع من التعليم وعدم قدرة جميع أهالي الطلاب على تأمين حواسيب لكلّ ولدٍ من أولادهم والمناهج التقليدية وغيرها من عوامل تعيق هذه العملية التعليمية.
 
وفي ضوء المؤتمر الصحافي الأخير لوزير التربية ومناشدته تأمين أجهزة إلكترونية لتغطية التعليم عن بُعد بشكلٍ كلّي، كان لا بد من الاستعانة بآراء خبراء في هذا الملف لمعرفة كيف يمكن أن ينطلق العام الدراسي في 28 أيلول في ظلّ نقصٍ بشروطه الأساسية التي يجب أن تتناسب والتعليم عن بُعد.
 
لا ينقص شبكة الإنترنت شيئاً لتلبّي التعليم عن بُعد إلّا بعض السرعة وقطاع اتصالات منظّماً وليس كقطاع الاتصالات الموجود في لبنان. وبعض المناطق تحتاج إلى سرعة أعلى ليتمكّن الطلاب من تحميل أو حضور الصف عبر الفيديو. الإشكالية لا تقع فقط أعلى الشبكة، لكن أيضاً على كلفة اشتراك الإنترنت المرتفعة، التي لا تتيح الخدمة البصرية المطلوبة لجميع الطلاب، وفق الوزير السابق غسان حاصباني.
 
وفي السؤال إذا ما يمكن وزارة الاتصالات تأمين انترنت مجاني للطلاب استثنائياً لهذا العام، يشرح حاصباني أنّ وزارة الاتصالات تفقد حالياً عائداتها لأنّ كلفتها بالدولار وعائداتها بالليرة. واقترح أن توفّر المدارس التي ستعتمد التعليم عن بُعد برنامجاً للطلاب مزوّداً باشتراكٍ خاص لهم، فتدفع جزءًا من كلفته بما أنّها تستوفي الأقساط، وكلّ مدرسة تحصل على تسعيرة خاصة من وزارة الاتصالات للاستعمال التعليمي تحديداً. فالمدارس، وفي حال التعليم عن بُعد، لا تستخدم أبنيتها ولا الكهرباء ولا الصيانة، ويمكن أنّ تحوّل هذه الأموال لدعم كلفة التعليم أونلاين جزئياً.
 
وفي الوقت عينه يمكن للوزارة أن تقدّم أسعاراً خاصة للطلاب، أو إنترنت مجانياً في الأوقات التي يستخدمها الطلاب خلال الصفوف عبر إعطاء كل طالب نوعاً من قسيمة إنترنت شهرية مسبقة الدفع من الوزارة، تتزوّد بها المدارس التي بدورها توزّعها على الطلاب. ويمكن تنفيذ الاقتراح بغضون أسبوعٍ عبر قرار يُتّخذ في مجلس الوزراء ويٌطبق فوراً، بحسب حاصباني. وليس هناك أية عوائق لتنفيذ هذا الاقتراح إلا إذا كانت وزارة الاتصالات غائبة عن السمع. ولديها الوقت لاتخاذ تدابير من شأنها مساعدة الطلاب والأهالي بهذا الخصوص لتخفيف الكلفة، قبل انطلاقة العام في 28 أيلول.
 
وتفيد مصادر مطلعة في الملف التربوي، ولدى السؤال عن انطلاق العام الدراسي مع عدم توافر الحواسيب لجميع الطلاب، أنّ الأولوية هي للصفوف ذات الحضور المباشر الصفي وأنّ الطلاب الذين لا يمتلكون حواسيب ولا إنترنت سيعوَّض عليهم ما فاتهم من صفوف أونلاين في المدرسة، بانتظار وصول الحواسيب التي طلبها وزير التربية في مؤتمره أمس من الدول المانحة، وبالتعاون مع المنظمات الدولية التي سبق وساهمت في هذا الإطار.
 
من جهته، تواصل رئيس لجنة الخبراء الفنيين الرقميين في شبكة التحول الرقمي في لبنان والخبير في التكنولوجيا التعليمية الدكتور جمال مسلماني، مع وزير الاتصالات منذ قبل نهاية العام الدراسي الماضي لإقرار مشروع الـ white listing للمواقع التعليمية في لبنان، والذي يهدف إلى عدم الصرف من رصيد الإنترنت لدى الطلاب لدى دخولهم المواقع التعليمية في لبنان، وبذلك يتشجّع الطلاب على عملية التعليم الإلكتروني. وأُقرّ المشروع لكنّه لم يطبّق بسبب مشكلات بين وزيري الاتصالات والتربية. وحتى قرار مضاعفة رزمة الإنترنت للطلاب أقر ولم ينفَّذ على الأرض.
 
وقد قدمت شبكة التحول الرقمي في لبنان خطة استراتيجية للتعليم عن بُعد والذي كان مسلماني أحد الخبراء الأساسيين في إعدادها الى جانب مجموعة خبراء من الشبكة، لكنّ وزير التربية لم يأخذ بها، فهو لا يستمع إلّا لمستشاره بمعزل عن جميع الخبراء الموجودين في القطاع التربوي والرقمي.
 
وكان على وزير التربية توفير جميع العناصر التربوية للتعليم الإلكتروني منذ 6 أشهر تحضيراً لهذه السنة، عبر مناقصات للمضي بهذا العام بالشكل الملائم. وهناك عدد كبير من أجهزة الكمبيوتر موجودة في مستودعات وزارة التربية، ولا أحد يستفيد منها، وهي هبات، ولا أحد يعرف لماذا لا تُستخدم حالياً في هذه الأزمة، وفق الخبير.
 
سينطلق العام الدراسي بطريقة عرجاء، وهناك احتمال أن يقع لأن ظروفه مرتبطة بانتشار كورونا وعدد الإصابات. فإذا ما شهدنا زيادة في الأعداد أكثر وأُعلِن إقفال البلاد، واعتُمِد التعليم عن بُعد، مَن لا يمتلك الحاسوب والإنترنت من ذوي الطبقات الفقيرة، سيفوته هذا العام. وفي ما عدا ذلك سيسير بصعوبة كبيرة. إذ قسم من الطلاب سيفوتهم العام الدراسي الحالي بسبب عدم الجهوز التقني والمعرفي، والبنى التحتية وغيرها، وبسبب مناكفاتٍ تحكم العقلية الإدارية في موضوع العملية التربوية التي يجب أن يتعاون فيها كلّ من وزارتي التربية والاتصالات والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وهذا غير موجود حالياً. وأنا أكيد أن لا عام تربوياً هذا العام، فنحن حالياً في مرحلة تمرير الوقت فقط، وفق مسلماني.
 
أسرع ما يمكن عمله في الوقت الراهن، هو أن تطبّق وزارة الاتصالات الـ white listing، وتوفّر الرزم الخاصة بالطلاب كافة لتشجيعهم على حضور الصفوف أونلاين. كما على وزارة التربية التعاون مع وزارة الاتصالات والتنسيق، إذ لا يمكن أن تعمل كل وزارة على حدة.
 
وهناك مدارس نجحت في التعليم عن بُعد لكونها أدرجت في منهجها تقنيات رقمية منذ ما قبل كورونا، وهناك مدارس استطاعت تقطيع العام عبر الواتساب والزوم، لكن أخرى لم تفلح، وهناك تفاوت بينها يدلّ على خللٍ في النظام التربوي في لبنان.
 
في سياق متّصل، يرى دكتور غسان مراد، أستاذ حوسبة اللغة والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، أنّه يجب إلغاء التعليم المدمج هذا العام للمدارس والتركيز فقط في التعليم عن بعد، فجميع التجارب التي خاضتها الدول الأخرى في التعليم المدمج قد فشلت، وتشكّل المدارس قنبلة صحية موقوتة، بخاصة في بلدٍ كلبنان حيث نظامه الصحي هش.
 
ومن المفترض، برأي مراد، أن تركّز وزارة التربية اهتمامها على تأمين حواسيب للطلاب الذين لا يمكنهم شراؤها وتعليمهم عليها وتدريب الأساتذة على استخدامها، بخاصة أنه كان هناك تجربة في التعليم عن بُعد ولم تكن ناجحة في المدارس والجامعات، لكن يُبنى عليها.
 
وعلى وزارة الاتصالات تأمين الإنترنت للجميع خلال هذا العام، وعلى وزارة التربية البحث عن حواسيب غير مكلفة وثمن الواحد منها نحو ثمانمئة لف ليرة فقط، وهي موجودة ولا داعي لأن تكون ذكية، يكفي أن توفّر الكتابة وحضور الصفوف عن بُعد، على ما يقول مراد.
 
وهناك كثير من المنصات الإلكترونية على الإنترنت لتعليم جميع المواد، ونحن بحاجة إليها، وهي مزوّدة بالمواد كلّها ومفتوحة للجميع. وليس بالضرورة الارتكاز على المنهج اللبناني فهو أصبح قديماً ولا يمكن اعتماده للجيل الجديد. وحتى الكتب يمكن تحميلها بنسخة PDF وتكون مفتوحة المصدر ومجانية وبمتناول الجميع.
 
التعليم عن بُعد لا يحتّم فقط بنى تحتيّة بل أيضاً تضافر جهود الأهل الذين لم يعاصروا هذا النوع من التعليم. وكلفة الإنترنت باهظة وليس لدينا أي دراسة تحدد عدد الأجهزة التي على التلميذ استعمالها، ووزارة الاتصالات ليست على السمع أبداً مع الطلاب، ولم يؤمّنوا رُزم الإنترنت لا للطلاب ولا للأساتذة حتى، وفق الأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية والمستشارة التربوية الدكتورة غادة جوني.
 
السنة الماضية اضطررنا إلى أن نجرّب عدة طرق في التعليم عن بُعد في المدارس والجامعات، وحاولنا أن تستهدف أكبر عدد ممكن من الطلاب، لكنّنا لم نطل الجميع ولم نصل إلى جميع الكفايات. لكن لم يكن مقبولاً هذا العام أن نراوح مكاننا. هناك أساليب تعلّم وتعليم وأساليب تقييم توازي بأهميتها البنى التحتية وتختلف بين التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد، ولم يتدرّب الأساتذة لتعليمٍ يتماشى مع التعليم عن بُعد، واقتصر تدريبهم على مبادرات فردية ومجتمعية، بحسب جوني.
 
وبرأيها "سننطلق بعامٍ دراسي استثنائي على جميع المستويات، ونحن بحالة فراغ تربوي، وقبل مناشدة المجتمع الدولي عليهم مناشدة المجتمع المحلي، وأي اتفاقية مع المنظمات الدولية تأخذ وقتاً كي تُنفَّذ في إطار برتوكولات معينة، لذا ما حُكي عن مناشدة للدول المانحة وللمنظمات الدولية صعب أن يتوافر بفترة قصيرة أي قبل 28 أيلول"، تشرح جوني.