الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

ألا يستحق انفجار المرفأ إسقاط الحصانات؟

المصدر: "النهار"
مرفأ بيروت بعد الحريق (النهار)
مرفأ بيروت بعد الحريق (النهار)
A+ A-
منذ أيام حلّت ذكرى الـ40 يوماً على تفجير مرفأ بيروت... التفجير الفاجعة الذي لا يزال ضحاياه ينتظرون العدالة التي تبدو بعيدة المنال نظراً للطريقة التي تجري فيها التحقيقات. غضب الناس علّق المشانق. تظاهر المئات مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة وصولاً إلى رأس الهرم. ولكن يبدو أن نتائج التحقيقات لا تزال حتى الآن مقيّدة بخطوط حمر قانونية وسياسية. فأي أشخاص، وفق القانون، يمكن اعتبارهم مسؤولين عن الانفجار أو مسببّين له بشكل مباشر أو غير مباشر؟ 
بتاريخ 18 آب الماضي تقدّم المحامي مجد حرب بإخبار موضوعه تمنّع كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب عن ممارسة واجباتهم والتسبب بوفاة مئات الأشخاص وبإصابة آلاف المواطنين وبتدمير نصف العاصمة بيروت. ولكن الإخبار تم حفظه نظراً لإحالة الملف إلى المجلس العدلي، ما دفع حرب إلى إرسال كتاب إلى المحقق العدلي مرفقاً به الإخبار الأساسي. 
حرب الذي يأمل الاستماع إلى إفادة رئيس الجمهورية، يستند إلى أن "المعادلة القانونية اليوم بسيطة، فـ"كل من علم بوجود مواد خطرة في المرفأ قبل 4 آب ولم يعمل بكل ما أتاه القانون والدستور من حق وصلاحية لإزالتها، يعتبر مسبباً عن إهمال وعدم احتراز، بقتل العشرات وجرح المئات وتشريد الآلاف، ويخضع لأحكام المواد 190،191، 564 من قانون العقوبات اللبناني. وقد أُوقف مَن أُوقف من عسكريين ومدنيين بناء على هذه المقاربة القانونية بالذات". وبات من الواضح أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هما من ضمن من تطالهم أحكام المواد الآنفة الذكر، وحتّى الساعة لم يُتّخذ أيّ إجراء بحقّيهما، وهما متولّيا الخدمة العامة، ندفع نحن رواتبهما لإدارة شؤون البلاد وحماية شعبه وأراضيه". 
هل هذا يعني أن رئيسَي الحكومة والجمهورية تشملهما المسؤولية؟ يوضح حرب أن أحداً لم ينفِ لتاريخه علم الرئاستين بوجود مواد خطرة في المرفأ، كما أنه من الثابت لو استعملا الصلاحيات التنفيذية الممنوحة لهما لكانا جنّبا بيروت ما تعرضت له من دمار. إنما تبقى الإشكالية حول إمكان وآلية محاكمتهما. ومن هنا ضرورة التمييز بين محاكمة رئيس مجلس الوزراء ومحاكمة رئيس الجمهورية. فالأولى تجري أمام القضاء العادي، كما أكد نادي القضاة اللبناني، أما الثانية فتحصل وفقاً للدستور، وبغض النظر عن نوع الجرم، أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وتُطلَق محاكمة المحصّنين بموجب طلب اتهام بعريضة يوقّع عليها خِمس أعضاء المجلس النيابي على الأقل (مادّة 19 من قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى)". 
وإذ يشدد على "أن الكتل المعارضة تتألف اليوم على الأقل من 40 نائباً في حين أننا بحاجة إلى 26 نائباً لإطلاق عجلة العدالة ووضع باقي الكتل النيابية أمام مسؤولياتها، فإما أن يصوّت النائب لمصلحة إنشاء هيئة تحقيق تحدد مسؤوليات رئيس الجممهورية أو يكون مستنكفاً عن إحقاق الحق والعدالة أمام الرأي العام والضحايا وأهاليهم"، يضيف حرب: "اليوم تشكلت ضمن المجلس النيابي "جبهة معارضة" تؤكد على أن عدم استقالتها من البرلمان تسمح بالحد من ممارسات السلطة الحالية ومحاسبتها عبر معارضة فعّالة من الداخل. وبما أن الدستور والقوانين اللبنانية قد وضعت آليات لمحاسبة ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية، فقد باتت شعارات المعارضين أمام أهمّ اختبار". ويستغرب أن "يبقى أشرس معارضي العهد "مستّرين" على هذا الجرم الخطير دون اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقّه وطلب اتهامه، في الوقت الذي يعبّرون عن اشمئزازهم من فساد وإجرام وإهمال الطبقة الحاكمة واشمئزاز الشعب اللبناني الذي يفترض أن يمثّلوه". 
منح الدستور رئيس الجمهورية وحده حصانة شخصية خاصة تمنع محاكمته في حال ارتكابه أي جرم، أمام القضاء العادي، وتحصر هذه الصلاحية في المجلس الأعلى "عبر آلية ادعاء وتحقيق تضع قرار اتهامه بيد أكثرية موصوفة من مجلس النواب"، وفق ما يقول حرب الذي يقول: "قد نفهم، دون أن نبرر، ارتباك القضاء في اتهام كل من الرئاستين الأولى والثانية بارتكاب جرم جزائي. ولكن الآن أكثر من أي وقت مضى، يتوجب على منتخبي الرئيس الذي أثبت إهماله وتقصيره، عدم الاكتفاء بالمواقف الشعبوية والانتقال إلى مقاربة عملية، قانونية، وجدية، تسمح بإطلاق عجلة محاكمة رئيس الجمهورية. يشار إلى أن آليات المحاسبة البرلمانية قد تعطلت في السنوات الأخيرة نظراً للتركيبة السياسية التي وضعت الأفرقاء كافة ضمن السلطة الحاكمة وغيّبت المعارضة الفعلية والفعّالة، وتالياً أصبحت السلطة التنفيدية تدير شؤون البلاد دون رقيب أو حسيب". 
في المحصلة، تبقى آمال المتضررين والمفجوعين معلّقة على إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية وتحرُّك المجلس النيابي ولعب دوره البديهي في محاسبة ومراقبة السلطة التنفيذية لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المقصرين من دون الارتهان للحسابات السياسية الضيقة. ففاجعة المرفأ ليست كغيرها من الملفات اليومية ولعلها تكون لحظة تاريخية تسجل عودة المؤسسات الرقابية لممارسة دورها ما يشكل بداية وضع الوطن على سكة الخلاص.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم