لكي تكون مشاركة المرأة في القرار فعليةً لا صُوَرية

لمياء المبيّض بساط*
 
 
نَموذج اقتصادي افتراضي بسيط يُظهر أنه حين تتوزّع المواهب عشوائيّاً بين السكان، يؤدّي تجاهل نصفهم إلى خسائر هائلة في المواهب (كوبرس وتيغنير 2014). الدلائل العلميّة تُظهر اختلافات مَنهجيّة بين الرجال والنساء في مُقارباتهم السياسيّة وسلوكهم السياسي (خان 2017، فيليبس 1995) خصوصًا في الأنظمة الديموقراطيّة. كذلك، تُظهر الأبحاث أن النساء في مواقع القرار غالبا ما يَمِلنَ إلى تفضيل المساواة بين الجنسين في الخدمات العامة (بارنز وكاسي 2017)، والتوزيع العادل للثروة (إيفيرسين وروزنبلوث 2006)، فضلًا عن تَخصيص الموارد لبرامج الرِعاية الصُحيّة والاجتماعية بما فيها برامج التخفيف من حدّة الفقر ونوعيّة التعليم (دفلو 2012).

في الولايات المتحدة مثلا، انعكس وجود المرأة في مواقع القرار ارتفاعًا في زيادة الإنفاق على الرعاية الصحيّة الأوليّة، فانخفضت نسبة وفيات الرُضّع (ميلر 2008). وفي أوروبا، هناك معادلة عُضويّة بين نسبة مشاركة النساء في البرلمان وزيادة معدّلات التلقيح، ونوعيّة حياة الأطفال، وارتفاع الموازنات المخصّصة للصِحّة (سويسرا وفالون وبورغوس 2012، وميتشكوفا وكارليتز 2019). هذه نتائج حقيقيّة وليست شعارات. لهذه الأسباب تُصمّم المصارف الإنمائيّة برامج قروض تستهدف النساء تحديدًا، على أمل معالجة قضايا التنمية. وتَنشط المؤسّسات الدوليّة لتمكين المرأة اقتصاديًّا وسياسيًّا في محاولة لتحقيق أجندة الأمل 2030.

في أدبيات بناء السلام وتعزيز الأمن، الدلائل واضحة أيضًا: مشاركة النساء الفعليّة في مباحثات السلام تزيد من احتمال نجاحها وديمومتها وحسن تنفيذها. هناك إذا حول العالم ما يكفي من بيّنات على أن تمكين المرأة سياسيًّا يؤدي في المدَيَين المتوسّط والبعيد إلى نتائج إيجابيّة يَشعر بها المجتمع ككلّ.

لكن، بالرّغم من تغيُّر الاتجاهات، لا تزال النساء أقلّ نُفوذًا من الرجال، ويشغلن مناصِب سياسيّة رفيعة أقلّ بكثير. ففي العام 2019، لم تتعدَّ نسبة البرلمانيّات 24.3٪ في كلّ أنحاء العالم، وشَغلت 20.7٪ منهن فقط مناصب وزاريّة. وفي 195 بلدًا كان هناك بالضبط 10 رئيسات دول و10 رئيسات حكومات (الاتحاد البرلماني الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة 2019).
إذا كان السؤال اليوم هو كيف نزيد من مُشاركة المرأة في صُنع القرار، فبَعض الأدلّة تُشير إلى ضرورة طَرح سؤال آخر موازٍ، هو كيف نَزيد من استقلاليّة المرأة عند مشاركتها في صُنع القرار فتكون شريكة بالفعل، وليست "خيالًا" في الـ"صورة".

دراسات جديدة بيّنت أن المشاركة السياسيّة للنساء قد تكون صوَريّة في البلدان حيث الديموقراطيّة هشّة، تستغلّها الأحزاب التقليديّة والقيادات المحليّة لتبييض صفحاتها، فيما القرار الحقيقي يبقى خَلف الستارة، في يَد مَن يُمسك الخيوط، فتُفَرّغ مشاركة النساء من مضمونها الحقيقي، وتُسلب منها قُدراتها التغييريّة الحقيقيّة.

أيُّ خيارٍ تريدُ نساء لبنان؟

سؤالٌ بِرَسم اللبنانيّات الطامحات إلى خَوض الانتخابات النيابيّة والبلديّة والنقابيّة، أو إلى مَنصبٍ وزاريٍّ من هنا أو هناك.

سؤالٌ بِرَسم النساء في أحزاب السُلطة. عَليهنّ طَرحه على أنفسهِنّ أوّلًا، وعلى أحزابِهنّ ثانيّةً.
سؤالٌ بِرَسم من مَشين يدًا بيدْ يوماً في "شارع كلّ الناس"، شارع الشياح - عين الرِمانة، صارخات مِن قَلب ذاكرة الحرب: "عين الرِمانة الشياح - ثَوب الطوايف شلاح" !
 
 


*رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي
نائبة رئيسة لجنة الأمم المتحدة للخدمة العامة