الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المرأة "لا حرف ناقص ولا حرف زايد"

المصدر: "النهار"
الدكتورة فاديا كيوان.
الدكتورة فاديا كيوان.
A+ A-
 
 
الدكتورة فاديا كيوان
المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية.

 

يصعب عليّ اتخاذ موقف دفاعي بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن النساء الأخريات، لأحاول إبراز الدفوع والحجج وإثبات أنّ المرأة ليست حرفاً ناقصاً… بل يحضرني نصّ قرآني كريم... "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم…." وبات اليوم مسلّم به، أنّ المرأة والرجل خلقا من النفس الإنسانية الأصلية الواحدة.

لماذا إذاً ظهر هذا التمييز في حقّ المرأة تاريخيّاً، وفي كلّ الحضارات والأزمنة والأماكن؟

لماذا بنيت الأساطير حول خلق آدم أوّلا ومن ثمّ خلق حواء من ضلعه ولتسلّيه.. وإنّ آدم كان يعيش في الجنة في جوار الربّ لكنّ حواء أتت واحتالت عليه وأوقعته في النار من خلال أكل تلك التفّاحة؟...

في المجتمعات البدائية كانت القوة هي التي تحكم العلاقات بين البشر، وبالطبع كانت تلك القوة بدنية. وكانت تسود شريعة الغاب، وكانت فيها الغلبة للأقوى. ثمّ برزت الحيلة والحكمة والذكاء وقوة الشخصية وتنوّعت موارد النفوذ والغلبة.

لكنّ النقلة النوعية جاءت من خلال انتقال المجتمعات البشرية إلى الحال المدنية، حيث استندت على عقد اجتماعي استبدلت فيه القوة بالقبول الطوعي ومنطق السطوة والخضوع بمنطق الشرعية والولاء.

هل اننا نبالغ إذا قلنا انّ الحضارات الحديثة "أنسنت" المجتمعات البشرية؟ فقد عكست القوانين الوضعية

هذا المنطق الجديد في العلاقات بين الناس. وتوّج هذا المسار الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي خرجت به المجتمعات الغربية الى العالم من رحم الآلام والدمار الذين خلّفتهما الحربان العالميتان.

 

في ضوء ما تقدّم نرى من الضروري التوقّف عند الصور النمطية للرجل والمرأة، وهي صور تنتجها المجتمعات نفسها لتبرير تنظيم العلاقات بين الناس، والذي يكون عادة وليد ميزان قوى فيرجّح كفّة الأقوى ويبرّر خضوع وتبعية الأضعف. وأخطر ما في الأمر هو الطابع الميكانيكي لانتشار هذه الصور النمطية حول الأدوار الاجتماعية من خلال التربية والتعليم والإنتاج الثقافي ومن خلال الإعلام.

والصور النمطية التقليدية للرجل هي صور الشجاعة والصراحة والإقدام والنخوة والكرم وروح المسؤولية. أمّا أهمّ الصور النمطية للمرأة فهي السطحية والنفاق والثرثرة والسعي إلى الإغراء والبحث عن حماية.

كما وانّه تمّ ربط العناية بالأطفال والزوج والقيام بالتدبير المنزلي بغريزة الأمومة. فإذا بالمرأة تجد نفسها منذ الولادة موجّهة نحو هذه المهام دون سواها، فيما يتمّ توجيه الصبي نحو كلّ المهام المجتمعية التي تترافق والقدرة على التفكير واتخاذ قرارات تلزم من هم حوله، ويتحمّل هو المسؤولية في كلّ الميادين.

 

أنا أسأل القراء: هل انّ كلّ الرجال من حولكم شجعان ومقدامون وأذكياء ولديهم حسّ بالمسؤولية؟ وهل النساء من حولكم يتصفن بالنفاق والثرثرة والسطحية والسعي إلى الإغراء والبحث عن حماية؟

بأيّ سحر ساحر تمّ ربط التدبير المنزلي بغريزة الأمومة؟ ما هي العلاقة العضوية بينهما؟

بات معلوماً أنّ الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل هي من إنتاج المجتمعات نفسها، وليست وظائف طبيعية لأيّ منهما. وحدها الوظائف البيولوجية الجنسية للأنثى والذكر هي طبيعية وخارج أيّ نقاش، وهي مرتبطة بوظائف التكاثر للنوع البشري مثل كلّ أجناس الكائنات. أمّا الباقي فهو ثقافي اجتماعي وبالتالي قابل للتطوير والتغيير.

في المجتمع التقليدي، نرى الصبي يتربع تلقائيّاً على كرسي القيادة وصنع القرار، لأنّ بيئته ربّته على أنّ ذلك هو طبيعي. ونرى الفتاة تنحني وتلبس الأدوار التي خصّها بها المجتمع كأنّما هي أدوار طبيعية.

لكنّ التاريخ الاجتماعي شهد تحكّم ناس بناس واستبداد وعنف واستغلال. وشهدت الحقبة الحديثة تحرّر للإنسان، كلّ إنسان.

ويمكن أن نتحدّث عن خمس ثورات اجتماعية. خلقت منعطفات في حياة البشرية:

١- الثورة على العبودية. فالكلّ يعلم أن العبودية كانت موجودة في العصور القديمة، وانّه حتى المدن الإغريقية القديمة، حيث نستشهد دائماً بديمقراطيتها، إنّما كانت قائمة على العبودية. وكان الرجال الأحرار فقط هم الذين يشاركون في المشاورات وصنع القرارات العامة. ونتذكر أكثر العبودية الحديثة والتي مورست بحقّ شعوب كاملة. والولايات المتحدة الأميركية تحتفل سنويّاً بذكرى إلغاء العبودية وبمبادرة الرئيس أبراهام لنكولن في هذا المجال.

٢- التمييز بين البشر بحسب لون البشرة هو أيضاً ظاهرة امتدّت حتى ستينات القرن الماضي. والكلّ يذكر مبادرات المهاتما غاندي وثورته ضدّ التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية، لعقود عدّة قبل أن يطلق حركة الاستقلال الوطني في الهند. كذلك، الكلّ يتذكر حركة مارتن لوثر كينغ اللاعنفيّة في الولايات المتحدة الأميركية، بهدف إلغاء التمييز العنصري في حقّ السود والملوّنين.

٣- التحرّر من الاستعمار هو الحركة التي أطلقتها كلّ الشعوب تباعاً، وذلك منذ الحرب العالمية الأولى للتحرّر من الحكم الأجنبي وتقرّر مصيرها بنفسها. والكلّ يتذكر خطاب الرئيس ولسن في مؤتمر فرساي ودعوته الموجهة إلى كلّ الشعوب لتبادر إلى تقرير مصيرها بنفسها.

لكنّ حركة التحرّر من الاستعمار لم تكن " شربة ماي" بالنسبة إلى العديد من الشعوب…

٤- التحرّر من الاستغلال الطبقيّ، وقد انطلقت هذه الحركة من القراءة النقدية للرأسمالية التي جعلت طبقة المالكين للرساميل - وسائر وسائل الإنتاج - يستغلّون عمل الفقراء ليراكموا الثروات فيما العمّال كانوا يعيشون في الفقر والبؤس والحرمان.

أنتجت هذه الحركة فكراً اجتماعيّاً جديداً أثمر أنظمة حماية اجتماعية لكلّ المواطنين، ووسّع دائرة الخدمات التي تقدّمها الدولة للجميع، أقلّه في الدول الغنية والمتقدّمة اقتصاديّاً.

5-  تلك هي الثورة الخامسة، والتي نشهد فصولها منذ أكثر من ثلاثة عقود. إنّها ثورة مجتمعية، ثقافية في جوهرها، تتمحور حول فكرة المساواة في الإنسانية، بين الرجل والمرأة، وضرورة توفير الفرص كافّة لكلاهما.

وفي حين نلاحظ تقدّماً ملحوظاً في التشريعات، وخاصة في الدساتير، حيث هناك إقرار بالمساواة الكاملة بين المواطنين، نلاحظ تأخيراً متفاوتاً في السلوكيات الاجتماعية، لأنّ من لديه مزايا وامتيازات من الصعب عليه التخلّي عنها.

المرأة حرف ناقص؟ قل بالأحرى أنّ مجتمعاتنا تبقى عرجاء مثل السلّم الذي فقد إحدى رجليه في حال إقصاء المرأة وتهميشها.

"لا حرف زايد ولا حرف ناقص"، بل إنّها الشراكة الكاملة للرجل والمرأة والمساواة في الفرص المتاحة لكليهما، حقيقة إنسانية لا ينفع الهروب منها إلى الأمام. ونبشّر خيراً في أنّ كلّ المجتمعات البشرية باتت تعيش في صلب هذه الثورة، وأنّ بعض تلك المجتمعات باتت أقرب الى دائرة النور.

هل تتخيّلون سلّماً برجل واحدة؟ وكيف لا يهوي ويقع بمن يحاول تسلّقه؟!


 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم