الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تعفير الزيتون لا تعفير الجباه والكرامات

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
تعفير الزيتون لا تعفير الجباه والكرامات
تعفير الزيتون لا تعفير الجباه والكرامات
A+ A-

سأُمضي نهاية هذا الأسبوع في "تعفير الزيتون".

لمَن لا يعرف معنى هذه الكلمة، وأقصد "تعفير الزيتون" - وهي عبارةٌ شعبيّةٌ متدَاوَلةٌ بين الناس في أنحاء بلاد الزيتون - البحث عن كلّ حبّةٍ لم تطلها "الشبابيط" الفارطة، ولا أيدي القاطفين واللمّامين.

لماذا "التعفير"؟ أوّلًا لأنّ حبّة الزيتون ابنة أصل، ويجب ألّا يُستخَفّ بمكانتها، ويجب ألّا تُهمَل أو تُرمى. وثانيًا لأنّها تُغني عن جوع، وخصوصًا لأنّها تُغني عن "تعفير" الجباه.

يا للمفارقة بين المعنيَين!
 
نهار أمس الجمعة، واليوم السبت، وصبيحة غدٍ الأحد، مخصّصةٌ كلّها لعملية "التعفير" هذه.
 
 
نسيتُ أنْ أذكر سببًا ثالثًا جوهريًّا يمثل وراء رغبتي القويّة في مطاردة هذه الحبّة المبارَكة، بل المقدّسة، ويحضّني على "إشهار" هذا الفعل ببعدَيه المادّيّ الواقعيّ والمعنويّ الرمزيّ.
إنّي أبتغي من هذا الفعل، تجديد ثقتي الروحيّة بالأرض، بالتراب، بالجوهر، وإعلان ولائي المطلق لها، وخصوصًا في هذا الشقاء اللبنانيّ الهائل غير المسبوق، وفي غمرة ما يعتري حياتنا اللبنانيّة من تشويهاتٍ خطيرةٍ، وطنيّةٍ وسياسيّةٍ ومجتمعيّةٍ وإنسانويّةٍ على السواء. حيث يصل "تعفير" القيم والمعايير والأصول والقوانين والدساتير والأخلاق و... الجباه والكرامات، على مستوى الطبقة السياسيّة وممارسة السلطة والحكم، إلى قعر القعر، هوانًا وانحطاطًا وذلًّا وفسادًا وعهرًا وتكالبًا، و... إمعانًا لا صنو له في الإمعان، ولا مثيل!
ومن أجل ماذا؟ أمن أجل حفنة، بل أقلّ من حفنة، حفنة دولاراتٍ ومراكز ومناصب وصفقات؟!  
 
 
التنزّه بين أشجار الزيتون، وتأمّل هذه الثمرة الميمونة (بحجّة التعفير)، والاختلاء بالأرض، والالتصاق بالتراب، وإنْ لوقتٍ قليلٍ، لكن دفين ومليء، يجعلني من خلال عمليّة "التعفير" الحسّيّة والمادّيّة هذه، "أرى" جيّدًا، وأفكّر جيّدًا، و"أجوجل" الأمور، فأطرد الغثّ لأحفظ السمين، وأُزيل ما قد يكون تغلغل في أكياس القمح من زؤان. 
 
لكنّ هذا الاجتهاد (الصوفيّ) يجعلني أنقّي ذاتي، روحي، نفسي، وقيمي، وأجدّد ثقتي بها، ويمنحني القوّة الداخليّة لأكون أكثر تصميمًا على عدم التهاون حيال القضايا الجوهريّة، وكيفيّات الدفاع عنها. بل غير مكتفٍ بعدم التهاون فحسب، وإنّما الحضّ على مواجهة كلّ ظواهر "تعفير الجباه والكرامات". وما أكثرها في "دولة لبنان الكبير" المهدّدة بالزوال والاندثار. 
 
ها أنا ذاهبٌ الآن إلى "تعفير" ما بقي من زيتون في "صار البير"، في مسقطي، بزيزا، الكورة، داعيًا مواطِناتي ومواطنيَّ إلى أنْ ينضمّوا معي في هذا الاجتهاد المتواضع والرمزيّ، الذي يُقصَد به قبل كلّ شيء، وبعد كلّ شيء، لا التمرّس بتعفير الزيتون، بل منع تعفير الجباه والكرامات في هذه البلاد الجديرة بالجباه العاليات والكرامات.
 
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم