بسلاح بلاستيكي حرّرت مالها لعلاج شقيقتها من السرطان... والدة سالي حافظ تكشف لـ"النهار" تفاصيل العملية

"شابّة تقتحم مصرفاً في بيروت بقوّة السلاح"، "استعرضت قوّتها لتحصيل أموالها من أجل علاج شقيقتها المريضة بالسرطان"، "مسلسل المصارف مستمرّ، والبطلة ثائرة بيروتيّة"... كلّها عناوين رافقت حادثة مصرف "لبنان والمهجر" فرع السوديكو، حيث لجأت الشابّة سالي حافظ إلى مسدّس بلاستيكي لتحصيل مبلغ معيّن بالفريش دولار من أموالها المحتجزة، بهدف إنقاذ حياة شقيقتها التي تصارع همّ العلاج المكلف من جهة، وأوجاع المرض اللعين من جهة أخرى.
 
 
سالي حافظ، ناشطة مدنية وحقوقيّة، رفعت صرختها عالياً في ساحات "انتفاضة تشرين" مطالبة بعيش كريم كغيرها من الشبّان والشابات الذين سئموا وضع البلد وفساد حكّامه. "ضرب القوى الأمنية لها" و"توقيفها" باستمرار لم يُثنها أو يجعلها تتراجع. واليوم، قرّرت سالي استرداد حقّها بيدها عبر اللجوء إلى سلاح بلاستيكيّ "ضحكت به" على الأمن والموظفين، في حركة تكشف عن هشاشة واقعنا. في أيّ حال، رواية السلاح البلاستيكي تبقى منقولة عن سالي وعائلتها و"جمعية المودعين"، فيما لم يصدر عن الأمن أيّ تعليق حتى اللحظة. 
 
دخلت الشابّة البيروتيّة المصرف بمواكبة بعض الشبّان وناشطين مدنيين، شاهرةً سلاحها في وجه الموظّف الذي رفض إعطاءها مبلغ 20 ألف دولار من حسابها، مع العلم بأنّها شرحت له وضع شقيقتها وأنّها قد تواجه خطراً حقيقيّاً يودي بحياتها ما لم تتوفّر الأموال اللازمة لدخولها المستشفى "فوراً"، وبعد أخذ وردّ خرجت الأمور عن السيطرة، وما لم توافق إدارة المصرف عليه سلميّاً، أعطته للمودعة تحت قوّة السلاح برحابة صدر، فوقّعت على الأوراق القانونية وخرجت تلوّح بيدها متوجّهة نحو المطار، حيث كان من المفترض أن تكون العاصمة التركية إسطنبول وجهتها قبل أن تصدر مذكّرة بحث وتحرّ بحقّها.
 
 
"أختها عم تتعذب قدّامها، كان المفروض تتركها وتستسلم؟ يا بنتي الواحد بيعمل أيّ شي كرمال اللي بيحبّن"... هكذا عبّرت أمّ سالي في حديث لـ"النهار" عن فعل ابنتها التي "تفتخر بها وبشجاعتها"، شارحةً "الصعوبات المعيشية التي تواجه العائلة في ظلّ وجود حالة إنسانيّة وصحيّة تصعب على الكافر، ولكنّها لم تهن على من باعوا ضمائرهم وما زالوا يسرقون الشعب وأمواله تحت شعارات فضفاضة لم نعد نصدّقها اليوم. فنحن لا نتعرّض لأيّ أحد عن قصد ولا نلجأ إلى سياسة السلاح ولسنا قاطعي طرق، ولكن سالي حاولت مرات عدّة مع البنك ليدفع لها حقّها من أجل علاج شقيقتها، حتّى إنّها أخذتها معها لتتأكّد الإدارة من صحّة حديثها، ولكنّهم رفضوا سماعها وطلبوا منها المغادرة".
 
وفي معلومة مضحكة كشفتها الوالدة لـ"النهار"، علمنا أنّ الشابّة التي تسبّبت بذعر الأمن والموظّفين لم تكن تحمل سلاحاً حقيقيّاً بل كان من البلاستيك، من أجل إتمام العملية، حتّى إنّها لم تتوقّع أن يصدّقها أحد على عكس ما حصل. "نحاول التواصل معها منذ ساعة تقريباً، فأنا لا أعلم أين هي تحديداً، ولكنّها تمكّنت من سحب نصف المبلغ الذي طلبته بالدولار أمّا الباقي فاستحصلت عليه بالليرة اللبنانيّة لتسدّده لمستشفى أوتيل ديو في الأشرفية، الذي يطالبنا بتسديد نفقات علاج ابنتي البالغة 23 عاماً".
 
 
وفي رسالة عالية النبرة، وجّهت أمّ سالي أسئلة عدّة إلى المسؤولين والجهات المعنيّة عبر "النهار" سألتهم فيها: "من الذي يحمي من لا ظهر له في بلد يموت فيه المرضى على أبواب المستشفيات ويُذلّون مقابل أوراق خضراء لا قيمة لها مقارنة بحياة أحبّائنا؟ هل المطلوب أن نقف وننتظر الفرج الذي يبدو أنّه مستحيل...؟".
 
لم يتوقف مسلسل المصارف عند سالي اليوم وحسب، بل شهدت عاليه وتحديداً "بنك ميد" حدثاً مشابهاً، حيث أقدم المواطن رامي شرف الدين على اقتحام المصرف بعدما رفض الأخير إعطاءه مبلغاً صغيراً من حسابه بالفريش دولار، لتتوقفه في وقت لاحق الأجهزة الأمنية التي تعمل على التحقيق معه في هذه الأثناء. ووفقاً لمعلومات "النهار"، فقد تمكّن الشاب من تحصيل قسم من المبلغ من المصرف ولكن لم يتمّ التأكّد من صحّة الرقم حتّى الساعة.
 
 
قانونياً، أفاد المحامي الشريف سليمان لـ"النهار" أن "موقوفَين الآن كانا مع سالي الحافظ في ثكنة الحلو قد يواجهان تهمة الجنح، وما قاما به ردّة فعل على اغتصاب أموال المودعين". أمّا النائبة حليمة القعقور فاعتبرت أن "المطلوب حلّ عادل للمودعين وعدم تمرير قوانين مشبوهة".
 
وفي سياق متّصل، أوضح رئيس جمعية المودعين حسن مغنية لـ"النهار" أنّنا "كجمعية المودعين لا ندعو إلى العنف أو اللجوء إلى السلاح بهدف تحصيل حقوقنا أو جنى أعمارنا، ولكنّنا اليوم لا نستطيع إيقاف المودع ولا سيّما إن كانت قضيّة "حياة أو موت"، أو الانتظار ريثما يتمّ تطبيق خطّة الرئيس نجيب ميقاتي التي وعدنا بها قبل أشهر، وحتى الآن لا تُطبّق"، مشيراً إلى أنّ "المصارف قد تتوجّه إلى إعلان الإضراب ردّاً على ما يحصل أخيراً كخطوة اعتراضية، كما طلبوا الاجتماع معنا ولكنّنا لم نقبل ولن نفعل ذلك ما لم تتوفر مبادرة حسن نيّة".
 
وبعيداً عن الجدل الحاصل، انقسم الشارع اللبنانيّ بين مؤيّد ومعارض. لا بدّ من الإشارة إلى الظروف القهرية التي تواجه عدداً كبيراً من المودعين العاجزين عن علاج ذويهم أو تأمين احتياجاتهم الأساسيّة من جرّاء القرارات التعسّفيّة التي تتّخذها المصارف في حقّهم، بحجّة "إفلاس القطاع"، ليرّد المودعون عليهم بطريقتهم الخاصّة تحت شعار "ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ إلّا بالقوّة".