الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس: لماذا خسرت"الثورة"؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
المهندسون- تعبيرية.
المهندسون- تعبيرية.
A+ A-

بفوز بهاء حرب نقيبًا للمهندسين في طرابلس والشمال على رأس لائحة "نقابة 2024" المدعومة من أحزاب السلطة مع تسجيل خرق واحد من لائحة "الانقاذ النقابي" التي رأسها النقيب السابق فؤاد ضاهر- شكّلت هذه النتيجة خسارة غير مفاجئة لرهانات ضئيلة، كان المهندسون المستقلون وما يعرف بقوى الثورة عقدها على انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس والشمال، الّتي تشكل دون شك مؤشّرًا وصورة مصغّرة للاستحقاقين النّيابي والبلدي 2022.

وفي التفاصيل، كانت القوى السياسية انتظمت ضمن ثلاث لوائح متنافسة نجحت نهاية المطاف في اكتساح منصب النقيب والمقاعد الثمانية الأخرى، فيما انسحب قبل أيام من الاستحقاق لائحة "انتفض" ومرشحون مستقلون عن الهيئة العامة تحت شعار "انتفاضة في النقابة" بعد فشلهم في التوحد ضمن لائحة معارضة واحدة. وبرز ليلة الانتخابات حضور خجول لمستقلين ثلاثة ضمن لائحة برئاسة مارسيل منصور، منيت بخسارة كل الأعضاء.

لكن خسارة المستقلين ليست وليدة الأمس. فبعد اتفاقهم على توحيد البرنامج بين نقابتي بيروت وطرابلس وتشكيل لائحة برئاسة المهندس رياض غزالة، توفي المرشّح جرّاء كورونا في كانون الثاني الماضي. وبوفاته، يمكن رصد العد التنازلي لشرذمة المحاولة التغييرية، إلى أن دوّى سقوطها الحرّ بالنجاح الكامل لقوى السلطة.

وليست انتخابات المهندسين الاخفاق الأول للإرادة التغييرية في طرابلس، وقد سبقتها في أيار الماضي انتخابات نقابة الأطباء في طرابلس التي قبضت عليها أحزاب السلطة، إلى جانب انهيارات معنوية يعانيها كلّ لبناني إزاء انهيار الليرة والاقتصاد وفقدان الأدوية والمحروقات وإعادة قبض السلطة على المشهد العام، والأفواه، وتمييع ملف انفجار 4 آب.

أمام هذا الواقع القاتم، كيف يفسّر مطّلعون نتائج نقابة المهندسين في طرابلس؟ وهل أطلقت "رصاصة الرحمة" على الحركة التغييرية؟ وما فرص القوى البديلة للسلطة في اسنتهاض ثقة المواطنين في الاستحقاقات المقبلة؟

أسباب فشل المستقلين

الناشط السياسي والمحامي فهمي كرامي، يقوّم الانتخابات منطلقًا من ضرورة ملاحظة عوامل مشتركة متعلّقة بأداء الحركة التغييرية المعروفة بـ"الثورة"، وخصوصيّة ملازمة للانتخابات النقابية، فيؤطر المشهد العام في "غياب ما يعرّف باصطفاف سلطة/معارضة. الأحرى أننا كنا أمام معركة بين كتل السلطة، خاضتها ثلاث لوائح من خلال تحالفات استغربها كثيرون واعتبرها "غير متجانسة"، لكنها في حقيقة الأمر مرتبطة بطبيعة الانتخابات النقابية، لأن ما يهم السلطة هنا هو انتزاع مواقع قوة وتسجيل انتصارات من خلال إيصال ممثليها لا المقاتلة لأجل مبادئ سياسية".

وفي الأسباب العضوية لفشل "الثورة" في انتخابات المهندسين، يرصد كرامي أولّا تشتّتًا في مفهوم "قوى معارضة"، فهي تضمّ ثلاثة مكوّنات:  مهندسون نشطاء انخرطوا في ثورة 17 تشرين الأول، مهندسون مستقلون يرفضون الهيمنة السياسية بداخل النقابات، ومهندسون لم تضمّهم السلطة إلى لوائحها، فشكّلوا أجسامًا هجينة صعّبت تكتيلها.

من هنا، يكمن في قوى الثورة شرذمة تتضح معالمها يومًا بعد يوم، مردّه عدم الاتفاق، حتى اللحظة، على مبادئ "الثورة" نفسها والإيمان بها، لأنّ المرشحين "لو كانوا اتفقوا على المبادئ نفسها لما اختلفوا على من سيمثّلها"، ممّا يضعف الثقة بين المرشحين المستقلين، ويدفع كلّ مستقل للاعتقاد أنه الممثل الأفضل للثورة.

ثانيًا- ظلت التربية الفردية الطاغية في المجتمع اللبناني مهيمنة على قوى الثورة، وانعكست في أقصى تجلياتها بعدم قدرة الكثيرين على الانسحاب لأجل تكتيل لائحة واحدة.

ثالثا- يتعاطى المستقلون بالانتخابات تمامًا بنفس الدينامية والروحية التي تسلكها أحزاب السلطة. ويشرح الناشط السياسي في السياق، أن "مرشحين مستقلين نجحوا في الانتخابات الفرعية، وهلّلوا لهم. إلا أنه في انتخابات أمس، تعرض هؤلاء لمحاولات تلطيخ سيرة وإخضاعهم لـ"فحص دم" استنبش ميول أو مواقف هامشية تعود لما قبل الثورة. يذكرنا هذا التفكير بأسلوب الإلغائية والتخوين التي تنتهجها بعض الأحزاب التقليدية.

كلّ هذا التفكّك، وفق كرامي، أعطى للناخب المتردد انطباعًا بأنّ "الثورة" خاسرة سلفًا، فلجأ لانتخاب لوائح السلطة أملًا بخدمة تقنية أو بجدوى صوته.

رابعًا- وفي العوامل المهددة، يلفت كرامي إلى "خرق الثورة من قبل أحزاب السلطة باتت تعتبر نفسها من أعمدة التغيير، بما فيها القوات والكتائب التي تشكّل جبهة معارضة ضمن انتخابات المهندسين في بيروت".

ويختم بأنّ تأجيل الانتخابات، كاد يشكّل فرصة ذهبيّة لحشد الجهود وتوحيد الصفوف ضمن المستقلين، مستغربًا معارضة الكثيرين منهم لتأجيلها في حين كانوا ليستطيعوا استغلال الوقت لبلورة أقوى التحالفات، مستنتجًا "استفادت السلطة من هذا التأجيل فجهدت في تنظيم أوراقها وانزلق من يعارضهم بمزيد من التشتيت والخلافات".

لماذا انسحب مستقلون؟

وفي إطار النتائج، كان ملفتًا حيازة المهندس المستقل الدكتور وائل زمرلي على 335 صوتًا من أصل 2527 مقترعًا برغم انسحابه من الانتخابات ضمن لائحة "انتفض".

ويرى المهندس أنّ هذه الأصوات "دليل نوعيّ على ابداء ناخبين اعتراضهم على ما تنتهجه الأحزاب في النقابة باختيارها أشخاصاً غير كفوئين لرئاسة الفروع".

وإذ تعطي هذه الأصوات برهانًا على احتمالات عالية بفوز هذا المرشح المستقل لو لم ينسحب قبل بضعة أيام من الاستحقاق، يقول لـ"النهار": "تأجيل الانتخابات لشهور طويلة وتعقيد وتغير ظروف كثير من المهندسين ساهم في إحباط حماسهم ولم تعد الانتخابات من أولوياتهم. وبالنسبة للتوقيت أيضًا، فوجئنا بتحديده أخيرًا بتاريخ 13 حزيران فيما الجميع كان يتوقّع أن شهرًا لا يزال أمامنا لإجراء الانتخابات بالتوازي مع نقابة بيروت"، مشيرًا إلى ضعف في التحضير لحملتهم الانتخابية.

أما السبب الأهم الذي دفع اللائحة للانسحاب، هو "محاولات حثيثة وصادقة للتوحد ضمن لائحة، لأنّنا نعلم أن تشتيت المعارضين للسلطة ضمن لائحتين أو ثلاث سيحول دون فوزها في مقابل لائحة للسلطة حشدت كل إمكاناتها للنجاح برغم الاختلاف. وبعد كلّ هذه الجهود، لم يشأ أحد من المستقلين التنازل لغيره، فانسحبت اللائحة".

ويضيف "تأكد لنا أن خوض الانتخابات في هذا الجو من الانقسام الحاد بين المرشحين الثوريين، سيؤدي الى خسارة الجميع أمام لائحة السلطة. ولا زلنا نؤمن بأنّ الانتصار الحقيقي يتحقق بخوض المعركة ضمن لائحة واحدة تضمّ كل مكونات الثورة وممثلين مستقلين، ففضلنا أن نكون سباقين في انسحاب مجموعتنا من الاستحقاق. البعض يترجم الانسحاب بخوف أو تراجع، لكن أمام الخسارة، أملنا على الأقل أن نكون مثلا عن التنازل وجمع الكلمة".

في المقابل، يرى زمرلي في هذه التجربة درسًا للقوى الثورية في استنهاض الحالة الشعبية وثقتها في الاستحقاقات القادمة. وبات لزامًا على "الثورة" أن يعرف ممثلوها بعضهم، ويرسون عامل الثقة في ما بينهم ليثق الناخب بهم، وهذا ما ينبغي الحرص عليه في الانتخابات اللاحقة، ليصار إلى تشكيل لوائح قويّة مكونة من أصحاب الكفاءة والنزاهة والشجاعة والاستقلالية.  

فائزون بالأرقام


ويذكر أن النقيب حرب المدعوم من القوات اللبنانية، فاز بـ 1136 صوتًا من أصل 2527 مقترعًا. وفاز من اللائحة كل من المهندسين: زكريا عقل عن فرع الميكانيك بـ1542 صوتًا، هيثم مولوي عن الهيئة العامّة بـ999 صوتًا، خضر حسين عن الهيئة العامّة بـ943 صوتًا، ريما منصور عن الهيئة العامّة بـ892 صوتًا، محمد شيخ النجارين عن فرع الكهرباء بـ891 صوتًا، نقولا سليمان عن الهيئة العامّة بـ890 صوتًا، وصولانج الحويك عن الهيئة العامّة بـ844 صوتًا. وسجل بشار الحسن من لائحة "الانقاذ النقابي" خرقًا بـ868 صوتًا عن الهيئة العامّة.

إدارة النقابة

وضمّت الانتخابات النقابية منافسة على بعض المواقع الإدارية، أفضت الى فوز: المهندس صلاح شعراوي، والمهندس مروان صابونجي في إدارة الصندوق التقاعدي، العضوين الأصيلين المهندس محمد عبد الواحد والمهندس زياد حموضة، والمهندسين حسن الكلل ومحمد برغل عضوين رديفين في المجلس التأديبي. وفاز المهندسون يمن محمد الراوي، رضوان سعيد الراسي ووسيم منقارة في مراقبة حسابات الصندوق التقاعدي.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم