الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

علاقات غرامية ضحيّة الأزمة في لبنان... "تركني لأنّني أقوى منه ولأنه لا يملك المال"

المصدر: "النهار"
ايسامار لطيف
ايسامار لطيف
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
"تستحقين شخصاً أفضل منّي"، "أنت رائعة ولكنّني لست مستعدّاً لذلك"، "لم أعد أحبّك"... هذه عيّنة مصغّرة عن واقع حال النساء اليوم، فما بين قصص العشق والهيام، باتت "نوستالجيا" الغرام موضة قديمة لا نستذكرها إلّا بالأغاني الرومانسية أو المسلسلات!

يؤمن عدد من النساء بأنّه ليس أمراً بسيطاً التحدّث عن الحبّ أو الكتابة عنه، ليس لأنّه معقد، بل لأن المشاعر الحقيقية لا يمكن التعبير عنها، فلا الأبجدية أو معاجم اللغة تكفي للتعبير عن حبّنا لشخص ما، أليس الحب شيئاً كهذا؟ عند النظر إلى محيطنا الاجتماعي الغارق في الديون والنفاق والفراق، سنجد وصفات جاهزة لكيفية خوض "علاقة غرامية"، وسيتبرّع 20 شخصاً على الأقل بتقديم نصائح للحفاظ على "عشّ الزوجية" وإرضاء حماتك وبناتها، حتّى إنّنا قد نجد من ضاق صدره بالعلاقات الغرامية، فلكلّ علاقة استثنائيتها وغرابتها، وجزء منها لا يُنسى ولا يُحكى بل يبقى ذكرى مدفونة في زاوية من القلب بانتظار يوم القيامة.

ما أكثرها قصص الحب على مرّ التاريخ، فمنها الصادق الذي بقي وتحدّى الصعاب، ومنها العابر الذي لم يدم طويلاً إلّا أنّ إثره لا يزال مطبوعاً على ملامح الأحبّة. فهل غيّرت الأزمات الاقتصادية معالم الحب والزواج؟

رشا (29 عاماً)، دكتورة محاضرة في إحدى الجامعات في بيروت، لم تكن يوماً على توافق مع الحبّ، والأمر لا يعني أنّها ترفض الحبّ أو تتجاهل محبّيها، لكن حظّها قليل في هذه الأمور ومعقد نوعاً ما، ففي كلّ مرّة تواعد أحدهم ينتهي الأمر بعبارة "تستحقين من هو أفضل منّي" أو "أنتِ حقاً رائعة ولكنني لست مستعداً".

أمّا المهندسة ليال (35 عاماً)، فوضعها لم يكن أفضل من غيرها بكثير، فخطبت أربع مرات، وفي كلّ مرّة كان يتركها الفارس الموعود لأسباب مختلفة تجتمع جميعها "تحت خانة الشخصية القويّة أو الظروف الماديّة".

وفاطمة (28 عاماً)، ظنّت أن الحبّ حالفها في فترة معيّنة إلّا أنّها اكتشفت بعد الزواج أنها لم تكن يوماً على توافق مع زوجها، فبعد رحلة عذاب طويلة، اختارت نفسها ورحلت مع طفلين.

وتقول فاطمة لـ"النهار" إن "ما حصل معها لم يمنعها من الإيمان بالحبّ أو الزواج، لكن اختيارها الخاطئ هو السبب في كلّ ما حدث"، مضيفةً "الاختيار الصحيح يجعلنا نحن النساء نزهر، وليس الحبّ أو الزواج كما يعتقد البعض، لأن هذا يمكن أن يحدث بشكل تقليديّ، لكن الاختيار الصحيح نادر لا بل كاد ينقرض"، مستشهدةً بقول الراحلة أمل حمادة "انقرضوا!".

في السياق، يقول مدرّب الحياة عماد أبو خليل لـ"النهار" أنّ "نسبة الانفصال والطلاق ارتفعت في الفترة الأخيرة، انطلاقاً من عوامل عدة، أبرزها التدهور الاقتصادي، إضافة إلى العوامل النفسيّة التي تترتبّ بسببه".

فهل تربح الظروف المعيشية على الحبّ في ميزان العلاقة؟ يُشير أبو خليل إلى أنّ "ثمة أساسيات معيّنة لا يمكن تجاوزها في أيّ علاقة"، مشبّهاً إيّاها بـ"طاولة مستديرة يُسند إليها"، غير أنّ تلك الطاولة تقع وتهترئ مع السنوات ما لم يتمّ الاهتمام بها وصيانتها من وقت لآخر، وهي تقع في حالة واحدة، إذا فقدت أحد أطرافها. ويرى أبو خليل أنّه "إذا فقدنا الركائز الأساسية في العلاقة حتماً ستنهار، ليس بسبب الضغوط كما يعتقد البعض بل نتيجة سوء اختيار أو عدم توافق لم يُكتشف مسبقاً"، فما الحبّ إلّا وفاق للتخفيف من معاناة الإنسان وتأمين راحته، وإن لم يحقّق هذه الغاية وسبّب التعاسة للأحبّة فهو ليس حقيقياً ولا بدّ من اتخاذ القرار المناسب وإن كان موجعاً.

لماذا يفشل كثير من العلاقات الغرامية في مجتمعنا اليوم؟ سؤال لطالما تردّد في ذهن الأكثرية منّا، فالنساء لا يقتنعن بالأسباب أو الدوافع ويتخيّلن أن "الفارس" عليه تحمّل الصعوبات وإثبات وجوده رغماً عنهنّ. يرى أبو خليل أن "ما يحصل في لبنان ما بعد الـ2019 خاصّة، هو وليد عوامل مختلفة تندرج في خانات عدّة، أبرزها: الأزمة المعيشية، الانفتاح الثقافي أو ما يُعرف بثقافة المجتمع، أو التوقع الزائد وغالباً الخاطئ في العلاقة".

ويُضيف: "المال جزء هام في أيّ علاقة إلّا أنّه ليس الأهم، وهذا ليس كلاماً شاعرياً بل حقيقة يجهلها البعض، وتركيبة الارتباط أو الزواج في لبنان تقوم على فكرة تأسيس بيت وعائلة، وهذه سنّة الحياة، التي تقع على عاتق الزوج وفقاً للعادات والتقاليد، وهذه النظرية الخاطئة لا تزال راسخة في ذهون الأكثرية ولا سيّما في المناطق النائية، وبالتالي من الصعب على أيّ رجل أو شاب في ظل الأزمات الراهنة تحمّل نفقات أيّ علاقة أو حتّى التفكير في الزواج لأن الهمّ الأساسي هو الاستمرار في العيش وليس البحث عن الحب أو الارتباط، أي بمعنى آخر، مسألة أولويات معيشية".
ماذا عن التوقعات والأحلام "الوردية"؟ يقول المدرب إن "التوقعات التي تبنيها الفتاة في رأسها تتسبّب بهدمها لاحقاً وتحطيم قلبها إن لم يشاركها الطرف المقابل إيّاها، وفي المقابل، التوقعات التي ينتظرها أهل الفتاة في بعض الأحيان من "العريس" تجعله ينفر من العلاقة أو يُعيد حساباته"، لافتاً إلى أنّه في مثل هذه الحالات "يحاول المدرّب المشرف تقريب وجهات النظر وجعل الشخص التعرّف إلى نفسه وتحديد أولوياته وخياراته، فأحياناً يشعر أحدهم كأنه غير مستعدّ ويحاول الهروب، إلّا أن الحقيقة أنّه خائف ليس إلّا، فمهمّة المدرب لا تعني عودة الثنائي لبعضهما، بل هي رحلة اكتشاف ذاتي للفرد لمعرفة ماذا يُريد، وبناءً عليه يختار القرار المناسب".

يُقسّم أبو خليل الضغوط إلى قسمين، الأولى "بيولوجية" عند النساء وأخرى اقتصادية لدى الرجال، موضحاً أن "كثيراً من النساء يبحثن في عمق الأمور ويُحلّلن باستمرار، على عكس الرجال".

يبقى جرح "الرحيل" كبيراً في نفوس كثير من النساء، وهنا تشرح الاختصاصية النفسية ساندي الشعّار لـ"النهار" أن "الشبّان غالباً ما يهربون من العلاقات التي يشعرون بأنّها حقيقية أو أن الفتاة أكثر قوّة منهم، فهذا الأمر يخيفهم ويجعلهم في اللاوعي ينفرون منها وإن لم تكن تمارس قوّتها عليهم. إجمالاً الشابة المستقلّة مادياً أيضاً ينفر الشبّان منها لأنّهم يعرفون أنها لن تخضع لهم تحت أيّ ظرف، وبالتالي لن يتمكّنوا من ممارسة ذكوريتهم عليها".

وتقول الشعّار إن "هرمية ماسلو خير دليل على حاجات الإنسان عموماً، فنحن نبحث في عمقنا عن الأمان، وفي وضعنا اليوم الأمان يتجلّى من خلال الاستقرار المادّي أو النفسيّ، وإن وُجدا، نبحث عندها عن الحب ونفكّر في الارتباط، ولكن للأسف هذه الأمور ضائعة في زحمة حياتنا اليومية والمشاكل المحيطة بنا، وهذا ما يُفسّر خوف البعض أو هروبه".

وترى الاختصاصيّة أنّه "من الطبيعي أن يؤجّل الشاب فكرة ارتباطه بفتاة أو يبتعد عنها حتّى إن كان يُفكّر فيها جدّياً، فهذا لا يعني أنّها أخطأت في مكان معيّن أو حظّها سيّئ، غير أن التوقيت الزمنيّ للقائهما لم يكن مناسباً فقط".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم