الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"كيف أنقذ طفلتي المريضة حين تنقطع الكهرباء؟"... معاناة طرابلسيين مع شبح العتمة

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
A+ A-

لجأت ربى إلى بيت الأقارب، بعد منتصف الليل من الأسبوع الماضي، لتتمكن من تشغيل الجهاز الكهربائي الذي ينقذ ابنتها لين (4 سنوات) من نوبة الربو.

"كيف أنقذها حين سينقطع التيار الكهربائي طوال الوقت؟ القادم أسوأ"!

ربى خياطة وأم مطلّقة، تعيش في بيت أهلها في محلّة المهاترة، حيث استمر انقطاع التيار الكهربائي أغلب ساعات اليوم، نتيجة تقنين الدّولة، وعمد صاحب المولّد على تخفيض ساعات إمداد الكهرباء، بسبب ارتفاع سعر المازوت الذي بلغ 30 ألف ليرة للتنكة الواحدة.

كان الحي يقبع في الظلام حين تطوّرت نوبة السعال مع ابنتها. انقطعت بها سبل العلاج، فاتصلت ربى بابنة عمها التي تقطن في أبي سمراء، تسألها اذا توافر التيار لديها.

"أتى زوجها في سيارته ليقلّنا. أخبرني أنّ الكهرباء انقطعت طوال اليوم تقريبًا، وأنّ إشتراك المولد الخاص كان يمدّهم بالكهرباء. كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل. خفت أن تختنق لين. حملت الجهاز معي وشغلته، فارتاح صدر ابنتي".

ومع كل أزمة في لبنان، يظهر شبح العتمة مجددًا.  يقاسي اللبنانيون المرّ في يومياتهم، مع قدرة شرائية شبه معدومة، بسبب انهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار بـنسبة 80%.


واليوم، يرتقب اللبنانيون موعدًا مع العتمة التامة في نهاية شهر آذار، في حال لم يوافق الرؤساء على طلب وزير الطاقة ريمون غجر، قرض طارىء لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار لبنانية لشراء المزيد من الوقود.

في طرابلس، يحدث أن تكون المعاناة هي دومًا الأبرز. حرمان مزمن، في مدينة يفترض أنها العاصمة الثانية لكنها أفقر المناطق، وحيث البطالة تطغى على الانتاج. أكثر من نصف سكان طرابلس من المياومين. يعتاش غالبيتهم من حرف تنازع بقاءها، وخدمات سياحية متمثلة في خصوصية هذه المنطقة، بانتشار مطاعم أغلقت أبوابها، وكذلك الأمر في الأسواق، حيث أظهرت إحصاءات جمعية تجار طرابلس أن أكثر من 52% من محال شارع المنلا استسلمت للإفلاس.


وأمام غياب ما يوحي بانحسار الأزمات، ومنها أزمة سلفة الكهرباء، وشعور طاغٍ في أجواء طرابلس بعدم جدوى تحركات الشارع، التي تبدو هنا شديدة الخجل مقارنة ببقية المناطق الغاضبة، ومقارنة بطرابلس نفسها منذ اندلاع ثورة تشرين، يتّجه مواطنون لتكييف أنفسهم مع واقع مستعصٍ على وقع أزمة الكهرباء.

ساندي (29 سنة) مربية في مرحلة الروضة ومتعهّدة احتفالات. وإذ تسعى لتتأقلم مع الأونلاين، بـ"شق النفس"، شأن كلّ المعلمين والتلامذة، شُلّت الاحتفالات منذ شهور، فسدّت إحدى أبواب رزقها. تقول: "أستعدّ مع أهلي لاستقبال العتمة. أسارع بشراء الشمع كلّما قرأت خبراً عن انقطاع الكهرباء. لا مناسبات أتعهّدها، فصرت أجمع الشموع التي كنت أعتمدها للزينة جميعها: الطويل، العريض، المستدير، وأخبئها لأستعملها في الأيام القادمة. إنه لأمر مضحك حقًا".

أما عمر (27 سنة)، من سكان باب التبانة، يتّبع مع عائلته طقوساً خاصة "في أيام متفرقة، نعمد لإطفاء أنوار البيت، خلال ساعات التغذية الكهربائية النادرة، ونشعل الشمع. شقيقتي مثلاً، تتابع دروسها الجامعية على ضوء الشمعة. نحاول التأقلم منذ الآن حتى لا نشعر بالفارق. وأحيانًا لا نضيء الشموع، لأننا نعلم بأنّ التجار سيرفعون سعر الشمع ولن يكون بمستطاعنا شراؤه لأن المأكل والمشرب أولوية".

يعمل عمر في جمعية محلية، ويصف وضع عائلته بـ"المقبول" ماديًا. لكن، "ثمة أموراً أهم من الماديات. نحن نعيش جسدًا بدون روح. كورونا. قطع طرقات. خوف من النشالين. بتنا نخاف المشي في الشارع. في كلّ ليلة، نتفقد باب البناية لنتأكد من أنه مقفل. ثم أوصد باب بيتنا بإحكام. نشعر بانعدام الأمان".

أما ليلى (52 سنة)، أم وربة منزل، أتعبها الهمّ "في عيني دمعة أحاول أن أخبئها. وصلت لحائط مسدود. اليوم مثلاً، حلمت أنّني نزلت الى الدكان واشتريت ثلاث شمعات، لكننا منذ عشرين سنة، لم نشتر شمعًا"، تصمت قليلا ثم تردف "ممكن أن ترمز هذه الشمعات الثلاث لأولادي؟". تلمع عيناها من جديد.

تحاول هذه السيدة أن تتدبر شؤون الأسرة من معاش تقاعد الزوج الذي استفحلت في جسمه الأمراض المزمنة، ومن معاش ابنها. لكن الشاب (25 سنة) فقد وظيفته الشهر الماضي، في وكالة لمستحضرات التجميل بسبب انحدار المبيعات.

تتابع "رسوم اشتراك المولد الخاص 5 أمبير ارتفعت الى 180 ألف ليرة. واليوم، أخبرني صاحب المولد أنه سيرفع التعرفة بداية الشهر القادم. رمضان على الأبواب، وإن انقطعت الكهرباء ستفسد اللحوم والخضر التي أخبئها في الفريزر حين أعلم أنّ هذه السّلع شملها الدّعم".

في الأيام الأخيرة، غرقت ليلى بالتفكير كيف تتصدى للأسوأ، في حال عجزت عن دفع فاتورة الاشتراك الجديدة "لم يبقَ أمامنا سوى حلّ واحد. قررت مع صديقتي أن نحوّل اللّحوم إلى قاورما".

لا شكّ في أن  طرابلس حرمت التنمية لأكثر من أربعة عقود، تخللتها 20 معركة أمنية بين التبانة وجبل محسن، وأمن  مكشوف حتى الساعة، وصولًا الى سقوط حرّ في كلّ مقومات العيش منذ عام 2019، وعودة الهجرة غير الشرعية من شواطئها. وإذ يشتدّ حزام البؤس حول رقبة هذه المدينة، يسأل مراقبون متى ستنفجر طرابلس، والأهم، كيف؟   
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم