الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

محمد قدّورة "رسّام النور"... أبحر إلى أبعد من "عين المريسة"

المصدر: "النهار"
من أعمال قدورة.
من أعمال قدورة.
A+ A-
زياد سامي عيتاني/ باحث في التراث الشعبي
 
محمد قدّورة.. الفنّان التشكيلي، الجار، صديق العائلة، المثقف، المحدّث اللبق، الذي يجمع في تعابير القسوة واللين، ابن منطقة "عين المريسة" أباً عن جدّ، عذب كماء عينها، ومتقلب كبحرها، صلب كصخورها، وطيّب كأبنائها، بقي مسكوناً حتى أيّامه الأخيرة بعشقه وشغفه لمنطقته التي وُلد فيها سنة 1941، ونشأ وترعرع على ربى تلّتها المرتفعة قليلاً والمطلّة على بحرها...
 


إنّه ابن طبيب، وهو الوحيد بين اخوته الذي لم يسر على خطى الوالد، بل قصد إيطاليا ليدرس الفنون الجميلة، ليعود إلى "قريته القرميدية"، وليجعل من مسقط رأسه نموذجاً لقضيّة جمالية وانتمائية حقيقية.

المكان لم يحوّله إلى رسّامٍ عادي يختبر الألوان، بل إنّ ما فعلتْه "عين المريسة" بابنِها، الذي ربّته على الأبيضِ النقيّ والأزرق المخبّأ في جرار البحر، أعمق من ذلك بكثير.
 
وهذا ما جعل قدّورة يلتقط في لوحاته إيقاع الأمكنة في منطقته، من البيوت المغطاة بالقرميد الأحمر ونوافذها المزيّنة بالزهور وشطآنها الحافلة بمراكب الصيّادين الراسية والمتحرّكة، إضافة إلى مدى الكورنيش الذي يحدّها لجهة البحر، فكانت في أغلبها بمثابة قصائد حُبّ في أعماله.
 


ولعلّ أبرز ما ترسَّخ في ذاكرة الفنّان وانعكس في لوحاته هو البحر بأمواجه العاتية وسيمفونية أصواته وألوانه المتدرِّجة في زرقتها خلال اعتكاره وهدوئه وصفائه، بصيفه وخريفه وشتائه. فظهر هذا البحر في لوحات قدّورة بتشكيلات مختلفة تربط المدى مع الشاطئ وما يخفى بينهما من أسرار...

لُقّب بـ"رسّام النور" الذي عُرف به. فالبياض بالنسبة لقدورة، لغة جمالية وأسلوب وميزة في محاكاة المنظر المائي بعيداً من تقاليد المنظر الانطباعي في التشكيل اللبناني، حتى أضحى توقيعاً ثانياً للفنّان في مغامرة المحو المتعمّدة لبعض أشكال الواقع، ما أعطى مفهوماً جديداً لعلاقة اللون بالفراغ والضوء بانكساراته الظلية.

عندما نشاهد أعمال قدّورة، نتبيّن أنّ الفنّان لم يبتغ أن يشخّص أو يرسم فقط الشكل الزاخر بالتخيّلات الخلّاقة، والرقة اللونية، وإيقاع الشفافية، وإنّما أراد أن يؤكد أن هذه الشخصية التي تحدد بواسطة المعالجة لحركة المنظور المختلف والظلّ المتنوّع والألوان التي تملك خصائصها الأساسية...

****
بقي فن محمد قدّورة شاهداً على ما كانت عليه منطقته التي قضت سنوات الحرب الأهلية وحركة الحداثة والعصرنة على كثير من المعالم العمرانية التقليدية فيها.
لكنه عندما كان يقف على شرفته يشاهد بأسى ومرارة منطقته التي تختصر وتختزل مدنية العاصمة بأكملها، تنال منها الأمواج العاتية -المدمرة، لم يقوَ على البقاء، فقرّر أن يبحر بمركبه إلى أبعد من "عين المريسة"!!!
 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم