الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أنقذوا الفلسفة تنقذوا الإنسان في لبنان!

المصدر: "النهار"
Bookmark
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
مشير باسيل عونالفلسفة فنُّ الوضوح في الفكر، والتطلّب النقديّ في القرار الوجوديّ، والجرأة الإبداعيّة في ابتكار وجوهٍ جديدةٍ من الحياة الإنسانيّة الفرديّة والجماعيّة. الفلسفة حكمةُ التبصّر في معنى الوجود تنقذ الإنسان من ضلال الآراء السياسيّة والاجتماعيّة المنحرفة، وتحرّره من سلطان الإيديولوجيات المهيمنة على وعي المجتمع. إذا شاء المرء أن يقيس مستوى التحضّر والتقدّم والرقيّ في الاجتماع الإنسانيّ، نظر في مضامين التربية الفلسفيّة التي تبثّها المدارس والمعاهد والجامعات في وعي التلامذة والطلّاب. أمّا إذا أراد أن يقارن المجتمعات الإنسانيّة بعضها ببعض، فله أن يعاين الرقيّ الإنسانيّ يرافق تطوّر الوعي الفلسفيّ. ذلك بأنّ المجتمعات المعاصرة التي اختبرت ضروبًا شتّى من التحرّر السياسيّ، والانفتاح الثقافيّ، والوعي الاجتماعيّ النقديّ، والتقدّم الفكريّ والعلميّ، هي عينها المجتمعات التي استدخلت التفكير الفلسفيّ في صلب برامج التنشئة، منذ نعومة الأظفار حتّى زمن البلوغ. أنظروا وقارنوا واستخرجوا الخلاصة الواضحة!أمّا في لبنان، فكانت الفلسفة، منذ عصر النهضة، عماد المسعى التنويريّ الذي انخرطت فيه المؤسّساتُ التربويّة في المدارس والجامعات الناشئة آنذاك. وما برحت التربية الفلسفيّة تتعزّز وتترسّخ حتّى زمن اندلاع الحرب اللبنانيّة الآثمة التي شنّجت الأعصاب، وسدّت الخلايا، وشلّت الوعي، وعطّلت التفكير النقديّ البنّاء السليم. منذ منتصف السبعينيّات من القرن المنصرم حتّى اليوم تعاقب على وزارة التربية اللبنانيّة رهطٌ من المسؤولين لم يصُن معظمُهم مقامَ الفلسفة في البرامج التربويّة. وحدها أقسام الفلسفة في مختلف الجامعات اللبنانيّة واظبت على استنقاذ التفكير الفلسفيّ بفضل سياسة التحفيز والتنشيط والحثّ على المشاركة في الندوات والمؤتمرات وتعزيز البحث والنشر. غير أنّ المنحى المأسَويّ الذي أخذت تنحوه السياسة التربويّة اللبنانيّة في الأزمنة الأخيرة جعل الفلسفة في مهبّ الريح، إذ حصرها المسؤولون في زاوية الموادّ الاختياريّة التي يستطيع التلميذ أن يصرف النظر عنها من أجل الفوز بأفضل العلامات في الموادّ العلميّة الذائعة المديح. نسي المسؤولون أو تناسَوا أنّ العلم لا يفكّر، ولا يهذّب، ولا يبني الوعي النقديّ، ولا يصون الاتّزان النفسيّ الداخليّ، ولا يرشد الإنسان إلى سواء السبيل في القرارات الوجوديّة المصيريّة. ولكَم من عالم عبقريّ في حقل اختصاصه سقط سقوطًا مدوّيًا في ميادين القرارات الشخصيّة التي مهرت وجوده الفرديّ والزواجيّ والعيليّ والاجتماعيّ والسياسيّ! ليست العلوم بقادرةٍ وحدها على انتشال الإنسان اللبنانيّ من محَن العصبيّات القوميّة والدِّينيّة والمذهبيّة وتجارب الولاءات الإيديولوجيّة السياسيّة. كم من طبيبٍ ومهندسٍ ومخترعٍ لبنانيٍّ استطاع أن يعاند بعلمه التقنيّ المحض إغواءات السلطة السياسيّة والدِّينيّة، فينعتق من انحرافات الطبقات الطائفيّة الحاكمة في المستنقع اللبنانيّ الآسن! وحدهم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم