الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اليوم الدّولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء... أبٌ يستعيد مأساته في مجزرة الشياح

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
الطفلتان زينب وزهراء عبد الله.
الطفلتان زينب وزهراء عبد الله.
A+ A-

منذ 15 عامًا، فقد الأب محمود عبدالله ابنتيه زينب وزهراء وزوجته، في مجزرة الشياح التي ارتكبها العدوان الاسرائيلي على لبنان خلال حرب تموز، إلا أنه يسترجع اللحظة المأسوية كأنّها وقعت بالأمس.

 

 الطفلتان زينب (خمس سنوات) وزهراء (سنة)، هما ضحيّتان بريئتان من "ضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء"، الّذي كرّست له الأمم المتحدة يوم 4 حزيران، نظراً لما روعها من "العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء ضحايا أعمال العدوان التي ترتكبها إسرائيل"، بموجب القرار 51/77 الذي صدر منذ عشرين سنة، خلال دورتها الاستثنائية الطارئة السابعة المستأنفة، المؤرخة في 19 آب 1982.

 

 وبمفهوم الأمم المتّحدة، فإنّ هؤلاء الأطفال الضحايا إن لم يفارقوا الحياة، هم أكثر أعضاء المجتمعات ضعفاً، والأكثر تضرّرًا من عواقب الحرب، وأهمها: التجنيد، واستخدامهم في الحرب، والقتل، والعنف الجنسي، والاختطاف، والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الانسانية.

 

 وإذ تحفل الذاكرة اللبنانيّة والأحداث الفلسطينيّة المستمرّة بعدوان إسرائيلي مريع، ووصمَته الانسانية الأبشع في "ضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء"، أمسى ضحايا لبنان وفلسطين من الأطفال، رمزًا للطفولة المنتهكة عابراً للعالم وللأزمنة. وفي هذه المناسبة، نسلّط الاهتمام على كلّ طفلٍ  بريء، يدفع ولا يزال فواتير الحروب في روحه وأهله وصحته النفسية، وقد تحرمه المستقبل.

 
زينب وزهراء: وداعًا

من جروح حروب لبنان التي تنزف بأطياف الأطفال الشهداء، يروي الأب محمود عبدالله لـ"النهار" تفاصيل يوم 7 آب 2006 الذي ارتقى خلاله 56 طفلا وامرأة ورجلا، فيقول:"كنت نائمًا في البيت بمنطقة الشياح، شارع الحجّاج. ورنّ الهاتف 4 مرّات، فاستيقظت على إثره. وكانت والدتي التي تقطن في الشارع الخلفي تهاتفني، فسارعت إليها. عند خروجي من المنزل، أرادت بناتي الذهاب معي ولكنني رفضت. وفي غضون ربع ساعة من وصولي، شاهدت من بيت أهلي الواقع في الطبقة الخامسة، غارة إسرائيلية تستهدف المبنى الذي كنت وعائلتي نسكنه".

 

 وهرع الأب إلى المبنى، فرآه مدمرّاً بالكامل، وكانت الساعة السابعة وخمسين دقيقة مساء.

 

 ويتابع "سمعت أول تكبير من آذان المغرب. رحت أنادي زوجتي، فلم تجبني. صرخت لأولادي، فلم يجبني أحد. سمعت بكاءً من تحت الردم، فعلمت أنها ابنتي اسراء. اتبعت مكان الصوت وأنقذتها. كانت مصابة بجروح بالغة جدا، فلازمت العناية الفائقة خمسة أيام".

ويعزّي الأب المكلوم أن ابنته إسراء "بقيت بفضل الله على قيد الحياة، وعمرها اليوم 18 سنة".

 وعن معنى حرب يموت خلالها أطفال أبرياء، يرى عبد الله أنّه "دلالة على ضعف العدو الصهيوني، وانعدام معاييره الأخلاقية والقيم الانسانية".

 

لا براءة  في الحرب

في تعريف المعالجة النفسية الدكتورة سناء حمزة، المتخصصة في العلاج والتأهيل النفسي لضحايا الحروب والتعذيب وضحايا الصدمات بمن فيهم الاطفال، الحرب هي "تدمير للحجر والبشر".

 تقول: "خلال الحروب وفور انتهائها، تُحصى الخسائر البشرية من خلال أعداد الضحايا والجرحى، لكن ما يغفل عنه كثيرون أنّ الناجين الذين عاشوا الحرب وأهوالها، قد يكونون ضحايا أيضًا ولو كانوا على قيد الحياة. ذلك أن آثار الحرب والدمار الذي ينتج منها لا ينتهي أو يتوقّف بوقف إطلاق النار والنزاع المسلح. النزاع النفسي قد يستمر لأشهر أو سنين لدى من عاشوا هذه الحرب، لا سيّما الأطفال".

 وتتابع "رغم أنّ معظم الاطفال يتأثرون بهذه الحروب، تتباين حدة ومدة الآثار النفسية بين طفل وآخر بحسب قدرته على التأقلم ومستوى المرونة النفسية لديه والتي تختلف بحسب العمر، الجنس، القدرة على المقاومة، الدعم المعنويّ المتوافر ضمن العائلة والمحيط، وغيرها من العوامل. ومن أبرز هذه العوامل، المعنى الذي ينسبه الطفل للحدث الصادم أو الحرب وهو ما أثبتته العديد من الدراسات ومنها دراسة حديثة قارنت بين الأطفال الفلسطينيين والأطفال الإسرائيليين".

 الدراسة التي صدرت عام 2005، للباحثين سولومون ولافي،  خلصت إلى "أنّ الأطفال الفلسطينيين يتمتعون بمستوى عالٍ جداً من التأقلم والمرونة لأنهم نشأوا على معتقد يجعلهم يرون أنفسهم أطفال قضية، مشهورين بلقب اطفال الحجارة، يرمونها ليستعيدوا مفتاح القدس. بينما الأطفال الأسرائيليون في المقابل، هم أكثر عرضة لتطوير مستويات متوسطة إلى شديدة من اضطرابات ما بعد الصدمة".

 

 اضطراب ما بعد الصدمة

يُعتبَر اضطراب ما بعد الصدمة أحد الاضطرابات النفسيّة الّتي قد يعاني منها أيّ شخص تعرّض لحدث صادم، سواء كان بالغاً او طفلاً، ولكن الأعراض تختلف بين الفئات العمرية.

 وجدير بالذّكر، أنّ الاطفال قد يطوّرون هذا الاضطراب أو تظهر عليهم أعراض نفسية لا ترقى الى مستوى اضطراب. قد تضم الاعراض البكاء المتواصل، التبول اللاإرادي (أعمار سنتين إلى 5 سنوات)، التعلق الشديد بالاهل لأنهم يعانون "قلق الانفصال"، مشاعر غضب او خجل، شعور بالذنب وبأنهم المسؤولون عن الاحداث التي وقعت، فضلا عن تجنّب الأماكن والمحفزات الحسية (رائحة، ملمس، صوت، ذوق) التي قد تذكرهم بالحدث الصادم.

 

 على المستوى المعرفي، يعاني هؤلاء الأطفال صعوبة في التركيز والنسيان وتفككاً في الذاكرة وأفكاراً دخيلة تخلط بين الذاكرة والخيال الذي يقبض عليه الخوف، فتتداخل أحداث الحرب مع يومياته ويخاف حدوثها أمامه، فضلا عن اضطرابات النوم، والاستثارة الزائدة التي تترجم بالكوابيس والعودة للحظة المأساة كأنه فيديو يتكرر.

 ومن أهمّ الارتدادات السلوكية تذكر الحركة المفرطة والعدائيّة والعزلة، وانجرار المراهقين للإدمان من مخدرات وكحول، علاوة على أفكار ومحاولات انتحار.

 

وفي الحلول، توصي سناء حمزة بضرورة تدخل اختصاصيين لمساعدة الطفل على تخطي صدمة الحرب، فـ"الغضب والجرح يحملان دعوة لإمكان تمديد النزاع عبر الأجيال".

 كما توصي بمساعدة أطفال الحرب على تحويل المجرى العدواني لسلوكهم من خلال انخراطهم في أدوار قيادية في الكشاف وغيرها من المجموعات التي تشعره بالانتماء. وقد يلجأ الطفل أو أحد الأبوين الذي فقد أحد أفراد عائلته، بعد شعوره الكبير بالعجز، لمساعدة وإنقاذ الآخرين، فيتحول من ضحية إلى منقذ، حوّل مجرى الاكتئاب والعجز والسعادة لمساعدة الناس، وهذا بالفعل نوع من العلاج يساعد الضحية في تحصيل شعورها بالتقدير وعرفان الآخرين بالجميل، واحترامهم له ينعكس في احترامه لنفسه.

 

تجنيد وأزمة هوية

تربط الاختصاصية الشعور بالأمان بحاجة أساسية لدى الطفل "مدرجة في السلم الثاني من "هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية" مباشرة بعد الاحتياجات البيولوجية. وقد لا يشعر الطفل بالجوع بقدر حاجته للشعور بالأمان بعد الحرب".

 وتضيف أن على الأهل "تقع المسؤولية الأهم في إعادة رواية قصّة الحرب لأطفالهم. علينا اختيار مصطلحات مدروسة وبعيدة من العنف. فلا نقول مثلا: فلان طار رأسه، أو لم يبق من جثّته شيء".

 وتشدّد على تأمين الشعور بالطمأنينة والأمان للطفل، سواء من خلال: الإقرار باضطراباته وعدم تجاهلها، احتضانه خلال النوم، وطمأنة الطفل بأنّ "الحرب وقعت ولكنّنا بخير".

 

 على المقلب الآخر، تشدّد سناء حمزة على أنّ "فقدان الأمان يفقد الشعور بالانتماء. حينها، يصبح الطفل عرضة للتورط بالتجنيد في مجموعات مسلحة تستقطب أطفال الحروب والنزاعات، وهذا ما لمسته خلال عملي في أربيل مثلًا ولدى الأيزيديين، في سعي الجماعات المتطرفة لتحضير الأطفال في مناطق النزاع التي تحولت لبؤر تجنيد لصالح الإرهاب".

 

 وتعدّ هذه الخيارات من "الانعكاسات غير المباشرة الكارثية للحروب، والّتي تدمّر حياة الطفل والمجتمع بأكمله. فهذه الجماعات المسلحة، أو عصابات سارقين ومنحرفين، تعطي للطفل والمراهق شعورا بديلا بالأمان لم يستطع أهله تأمينه، فتستغل هذه الجماعات شعور الطفل بالنقمة على أهله وتورّطه في أعمالها".

 

وتنتج الحروب أيضًا "اضطراباً بالهوية لدى الأطفال، وقد ينقم الطفل مثلًا على أهله ووطنه غير القادرين على حمايته على كونه موجوداً ببلد الحروب والكوارث مثل لبنان فتتّسع الفجوة بينه وبين أسرته ووطنه الأم".

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم