الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لا للإفلات من العقاب... الصحافة الحرّة تقاوم القمع حتى آخر نقطة حبر ودم

جودي الأسمر
جودي الأسمر
لا للإفلات من العقاب.
لا للإفلات من العقاب.
A+ A-

الصحافة ليست جريمة يُعاقب عليها ممارسوها. وبرغم من جلاء وبداهة هذه الحقيقة، ثمن باهظ يلازم الصحافة ورأسمالها الإنساني الحرّ، يذكّر به "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم بحقّ الصحفيين". وهو تاريخ كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اختارته في جلستها الثامنة والستين عام 2013، في ذكرى اغتيال الصحافيين الفرنسيين في مالي يوم 2 تشرين الثاني 2013.

حسب الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، قُتل في السنوات الأربع عشرة الماضية (2006 - 2019)، ما يقرب من 1200 صحافي في أثناء أداء واجبهم الإعلامي وإيصال المعلومة إلى الجمهور العام. وفي تسع حالات من كل عشر، يُفلت القتلة من العقاب. هذا، وقُتل 495 صحافيًا بين عامي 2014 و 2018، بزيادة قدرها 18في المئة عن السنوات الخمس السابقة لذلك.

حاليا، وفي وقت يضيع العالم بوصلة الحريّة، بين استنسابية حرية الرأي وإثارة العصبيات وتفشي خطاب الكراهية وأفعالها، يبقى التفاني لإظهار الحقيقة ونقل المعلومة الثّابت غير القابل للطّعن وهو ما يستحقّ الوقوف عنده وتكريم شهدائه. ويشجّع التراخي في محاسبة المجرمين على القول بأنّ كل صحافي هو مشروع شهيد، تعرّض أو سيتعرض لجريمة قتل أو اعتداءات غير مميتة كالتعذيب والإختفاء القسري والإعتقال والترهيب والتنمر، من دون إغفال مخاطر خاصة تتعرض لها الصحافيات كالاعتداءات الجنسية وتلطيخ السمعة في المجتمعات المحافظة.

 

لبنان: تضييق مستفحل

يعيش لبنان تدهوراً متنامياً في حصانة الصحافيين ضد الاعتداءات الجسدية والمعنوية. وتكثّفت وتيرة الاعتداءات في مناخات انتفاضة تشرين، حيث تعرّضوا لاعتداءات جسدية ولفظية خلال تغطيتهم التطورات الميدانية من قبل قوى الأمن ومجموعات حزبية، وتلتهاها تظاهرة 8 آب التي تخللها عنف مفرط من شرطة المجلس، فيما تستمر استدعاءات للتحقيق مع صحافيين ومدونين بتهم لا تتكافأ مع مبادىء الحريات العامة في بلد ديموقراطي.

مناخ رصدته مؤسسة "#مهارات" ضمن تقرير صدر هذا الشهر تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة 17 تشرين بعنوان "حرية التعبير والإعلام خلال احتجاجات لبنان، والأزمات المتعاقبة: تنامي النمط القمعي للسلطة السياسية والأمنية وغياب الشفافية". وإذ يفند التقرير حالات القمع والاعتداء والاستدعاءات ضمن مفاصل انتفاضة تشرين وانفجار بيروت، يلفت الى أن القمع كرسته عشية الانتفاضة تصريحات المسؤولين التي انتقدت الاعلام.  

 

وحلّ لبنان هذا العام في المرتبة 102 من أصل 180 دولة ضمن التصنيف السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، مستمرا في مساره الانحداري في مجال حرية الإعلام، ويقرّ هذا التصنيف بـ"أنّ هناك حرية حقيقية في التعبيرفي وسائل الإعلام اللبنانية، ولكن هذه الأخيرة تظلّ مسيّسة للغاية ومستقطبة الى حدّ بعيد"، كما يلاحظ "استخدام جهاز القضاء كأداة لملاحقة وسائل الإعلام والصحفيين الذين يتابعون الشخصيات السياسية أو الدينية ذات النفوذ"، ويسجّل خلال انتفاضة تشرين كيف "تستخدم الشرطة القوة استخدامًا غير متناسب وتهاجم الصحفيين بعنف، حتى وإن أدلوا بما يثبت أنهم يمارسون عملهم الإعلامي"، ولا يستثنى المدونون من هذه القاعدة، إذ "يمكن أن تكلفهم منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي استدعاءً من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية".

 

محاسبة المجرمين

ضمن فعاليات هذا اليوم، أطلقت صرخة "لا للإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين في المنطقة العربية" من بيروت ضمن ندوة عقدت في فندق "راديسون بلو"، بالتزامن مع "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم بحقّ الصحافيين"، بدعوة من "مركز الخليج لحقوق الإنسان" وعدد من المنظمات. وتحدث في الندوة كل من رولا مخائيل (مؤسسة مهارات)، جورج عواد (مكتب بيروت لليونيسكو)، نضال سلمان (مركز البحرين لحقوق الانسان وآيفكس)، والصحافية اليمنية عبير بدر ياسين. وأدار الندوة المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الانسان خالد ابرهيم، وتلاها معرض يتضمن صورا لصحافيين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قتلوا في السنين السابقة وبضمنها سنة 2020.

وصدر في المناسبة تقرير باللغتين العربية والانكليزية أعطيت الندوة عنوانه، ويشير في مقدمته أن "بلدانا متل سوريا، ليبيا، العراق، واليمن تصنف بكونها من أخطر الأماكن للصحافيين" حيث يستمر الصحافيون في هذه البلدان وفي المنطقة العربية عموما في  مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم المدنية والإنسانية ومن ضمنها القتل من قبل الحكومات أو المجموعات المسلحة، مع الإفلات التام من العقاب عادةً".

 

يعتبر خالد ابرهيم أنّ "لبنان  لا يزال يتمتع بحيز من الحرية أفضل من ذلك الموجود في بلدان عربية أخرى حيث لا نستطيع عقد ندوة حول محاسبة جرائم مرتكبة بحق الصحفيين"، منوها في حديث لـ "النهار" بأنّ "هذه الجرائم والانتهاكات نابعة من سبب وجود الصحافة في كونها صوت من لا صوت له وسلطة رقابية تتعرض للاسكات من قبل السلطة في بلدان قد تبدو راسخة ديموقراطيا". واعتبر الندوة بمثابة "تحية الى كل الصحافيين في منطقتنا الذين يستمرون في أداء عملهم بالرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعونه كل يوم. فعلينا العمل معاً من أجل إنهاء الحصانة وترسيخ أسس المساءلة وإنصاف الضحايا والتأكد من مواجهة القتلة للعدالة".

 

ولبنان الذي تقوضه أحلك العهود في تاريخ الصحافة، لم تكتب وتصن هويته الحرة سوى دماء فاضت على مذبح الكلمة ولم يعاقب من أزهقها. نسيب المتني، كامل مروة، إدوار صعب، رياض طه، حسين مروة، سمير قصير، جبران تويني وقبلهم قوافل أعدموا في ساحة البرج، أصحاب الرسالة والدماء، وهم حين قرروا خوض ذلك المشوار الشائك والمضني، في "مهنة البحث على المتاعب" لـ"طباعة ما لا يريد أحدهم له أن يطبع"، كانوا يعرفون أنّ صوتهم الحرّ سيجعلهم عرضة لجرائم إنسانية من تضييق واعتقال وتنكيل حتى الموت.

 

إنه يوم الذكرى وتجديد الالتزام برسالة من رحلوا لأجلهم ولأجل من بقوا. هؤلاء مؤتمنون على المساهمة في "إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم بحقّ الصحافيين" عبر مضمون الصحافة واستمرارية نفسها الذي يرهق كل جبان قاتل وقامع.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم