الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

خاص "النهار"- طرابلس... التعليم بين مطرقة كورونا وسندان الغلاء القاهر

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تهاوي القدرة المعيشية ينهك القدرة على تعليم جيّد.
تهاوي القدرة المعيشية ينهك القدرة على تعليم جيّد.
A+ A-

حاولت سميّة محفوض، الأمّ لثلاثة أطفال، أن تتأقلم مع الأزمة الاقتصادية التي تقضي بالتنازل عن معايير كثيرة لم تعد تلائم واقع الحال، فنقلت ابنيها سميح (10 سنوات) وجمال (9 سنوات) من مدرسة خاصة في طرابلس الى مدرسة رسمية. لكن الأم تصف نفسها بـ"مقهورة" لأنّ ولديها "كانا متفوقين بمعدل جيد جداً" ونقلهما الى مدرسة رسمية تعدّه "حلّاً مجبرة عليه".

سميح وجمال اللذان يعمل والدهما "سائق تاكسي بالكاد يستطيع تأمين ثمن الطعام" بحسب الأم، هما حالتان ضمن 6500 تلميذ انتقلوا من التعليم الخاص للرسمي، حتى تاريخ 21 أيلول، على ما تكشف لـ"النهار" رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلا حاماتي نعمة، مضيفة أنّ "عدد المسجلين حتى صفّ البروفيه يحصى بـ 91182 تلميذًا، وسنعلم العدد النهائي بحلول مهلة التسجيل في 10 تشرين الأول التي مددها وزير التربية طارق مجذوب بعدما كانت مقررة في 17 أيلول الماضي"، استجابة للإقبال الضاري نحو المدرسة الرسمية.

 

 فالوزير الذي أعلن أخيراً عن تأجيل عودة الطلاب الحضورية للمدارس الى 12 تشرين الأول، كان "أوعز بتسهيل أمور التلامذة المنتقلين للرسمي، لأنّه من غير المقبول أن يحرموا التعليم بسبب عجز الأهالي عن تسديد الأقساط. لذلك يسرّنا دراسة هذه الملفات من خلال أحكام قضائية تستغرق عشرة أيام لصدورها، ينتقل التلميذ بموجبها الى مدرسة رسمية"، تشير حاماتي.

 

"لا" للتعليم عن بعد

وسواء يتلقى أبناؤهم التعليم في مدرسة خاصة أو رسمية، كسائر الأهالي اللبنانيين، تعتبر الأم سميّة أنّ "التعليم عن بعد بدون نتيجة. أولادي في الشهور الأخيرة من السنة الماضية لم يتعلموا".

ويسكن سميّة هاجسان هما "الكهرباء وشبكة الانترنت"، بعدما عانت الأمرّين وهي اليوم لا تتوقع الأفضل، حيث أنها تقطن في محلّة باب الرمل- الخناق التي تعاني انقطاعات طويلة للتيار الكهربائي.

وتبرز لديها مشكلة وسيلة التعليم، فـ"لا نملك سوى هاتفي الخليوي، ووالدهم خلال ساعات التعليم يكون خارج البيت"، وهي بالطبع لا تمتلك ترف شراء حواسيب أو شاشات tablet.

 

جهود الوزارة تندرج في  تأمين الحواسيب في المدارس، بحيث يشرح الأستاذ الدرس "حضورياً وأونلاين في اليوم نفسه. وينقسم الصف الى نصفين، فيحضر لمدة أسبوع النصف الأول أونلاين من خلال تطبيقي زوم ومايكروسوفت والآخر حضورياً، ويتبدل الحضور في الأسبوع التالي" تشرح نهلا حاماتي.

لناحية الأهالي، "سنوزّع استمارة للأهالي تظهر الأدوات الإلكترونية التي بحوزتهم، وستستقطب الوزارة مساعدات من الأمم المتحدة. فيما يعمل المركز التربوي على تقليص المنهج وستصدر نسختها الجديدة إبان العودة للمدارس. أما الآن فالتكثيف يصب في تدريب الأساتذة على استخدام تطبيقات الأونلاين"، تتابع حاماتي.  

 

(تصوير اسبر ملحم)

 

كورونا والاكتظاظ

لقد بدّل "كورونا" أسلوب المراجعات في المنطقة التربويّة، جاعلًا التعاطي مع ملفات التلامذة وشهاداتهم أيضا "عن بُعد". أسفل المبنى، المدخل مُغلق. استعيض عنه بفتحتين مع زجاج "بلكسي" العازل، شباك للتسلم وآخر للتسليم. في الخارج، ينتظر المواطنون دورهم وكثيرًا منهم لاذ تحت شمسيتين كحليتين، نصبتا لحجب أشعة الشمس. تحوّل المدخل الفسيح الى مكتب لأكداس الأوراق، "يستلمها أصحابها بعد 48 ساعة من بدء المعاملة. وأحيانا نستعين بعناصر الدرك لفرض المسافات الآمنة. ولا يحقّ للمراجعات الاستثنائية بأكثر من ثلاثة أشخاص"، تشير نهلا حاماتي، في مكتبها الهادىء الذي ضم ورشة صاخبة بالأوراق والجداول، وكمامة على الوجه.

وتضيف "التحدي الأول هو عدوى كورونا التي لا يأخذها كثيرون على محمل الجد فيما طرابلس تسجل أعلى مستوى إصابات. ضغط استقبال التلامذة الجدد هو برأيي تحدٍّ قادرون على تذليله".

(تصوير اسبر ملحم)

 

وتشرح أنّ "ثمّة عقبة نواجهها مع الأهالي أحيانًا في إقناعهم بأنّ هذه المدرسة مناسبة لأنّ كثيرين يريدون تسجيل أبنائهم في مدارس محددة لا تمتلك القدرة الاستيعابية. استطعنا فتح شعب جديدة في بعض المدارس. لكن المعضلة تكمن في تأمين معلمين. نستعين حاليًا بالاساتذة المتعاقدين وفق الأصول، وسنزيد ساعات التعاقد. أما الأساتذة الملاك، فسيغطّون كامل ساعات نصابهم. وإن لاحت حاجة إضافية، فسنفتح بابًا للتعاقد نغطي نفقاته من خلال حساب مجلس الأهل أو صندوق المدرسة أو حتى وزارة التربية".

بالنسبة للوقاية من كورونا، "تقوم الدائرة بتعقيم المدارس، مع فرض شراء سوائل التعقيم والكمامات. وفي حال وجود إصابة، تخضع الحالة الى فحص PCR ونفرض الحجر 14 يوماً ونعقم المدرسة، وهناك ثلاث حالات حتى اليوم جرى تعاطينا معها وفق هذه التدابير"، وهي تجري بالتنسيق مع "مديرية الارشاد والتوجيه في الوزارة التي تدرّب المرشدين الصحيين في المدارس من أجل تزويدهم بتفاصيل الوقاية".

(تصوير اسبر ملحم)

 

توصي نهلا حاماتي مديري المدارس دائمًا "بأن يعتبروا كلّ شخص يتعاطون معه مصاب بـ"كورونا" فنتخذ الوقاية الواعية من حيث المسافة الآمنة وغسيل الايدين وتعقيمها ووضع الكمامات".

لكن، في حال تعاطت الادارات والاهالي والتلامذة مثاليًا مع الفيروس داخل المدارس، تبرز المواصلات كتهديد يخرق دائرة الأمان هذه "خصوصًا في الباصات التي تقلّ التلامذة من وإلى البيت"، تستدرك حاماتي. وعن دور المنطقة التربوية، تجيب أن "التلامذة في المناطق النائية من أقضية عكار والكورة والضنية سيقلّهم 25 باصًا هبة من مشروع "كتابي" للوزارة، وسنراعي فيها المسافات الآمنة. لكن من الصعب جدا ضبط هذه المعايير في الباصات الخاصة وسيارات الأهالي".

غلاء الكتب والقرطاسية

ويكشف تقرير نشرته "النهار" حول "عيّنات لتكاليف دخول التلميذ إلى المدرسة"، أنّها تقدّر بنحو "250,000 ليرة، من دون حقيبة المدرسة وحافظة الأقلام". أرقام تثقل كاهل كل لبناني لا سيما أصحاب الدخل المحدود والمتدني الأكثر اختناقًا في السلم المعيشي.

هذا التضخم غير المسبوق، تعمل "منظمة اليونيسف وبعض الجمعيات المحلية على احتوائه من خلال تقديم القرطاسية والدفاتر"، لكنها "بالطبع قاصرة على تغطية كامل الحاجات"، بحسب حاماتي.

ويعمل "المركز التربوي للبحوث والانماء" على "توزيع الكتب مجاناً للمدارس الرسمية في الحلقتين الأولى والثانية. فيما تعتمد الحلقة الثالثة على مبدأ وهب الكتب فتترك كل دفعة كتبها في المدرسة لتهبها الى الدفعة التي تليها. المشكلة هنا في كتب المرحلة الثانوية".

 

أمام إلحاح الحاجة وتضاعفها، تبنّت "رابطة طلاب لبنان" للسنة الرابعة على التوالي حملة "بكتابي تعلم" لدعم التلامذة في وضع اقتصادي "تعتير" على ما يصفه مسؤول النشاطات يوسف إدلبي.

يقف يوسف مع زملائه تحت خيم نصبوها في ساحة جمال عبد الناصر قبالة ساعة التل، عرضوا فيها مئات الكتب المدرسية. إنها ساعة الذروة، التي حددها المتطوعون ما بين "العاشرة صباحا والـ 12 ظهرًا" حيث نادرًا ما نجد الخيمة خالية من الأهالي.

 يشرح يوسف أنه "خلال 12 يومًا، أمّنا نحو 200 حصة كتب كاملة. قمنا بتجميعها من خلال نداءات أطلقناها في فايسبوك، فقصدنا بيوت المتبرعين. كما أمّنا قرطاسية من خلال تبرعات خاصة وزعناها على شكل 150 حصة".

اليوم، تنتقل الخيمة الى المنية ومن بعدها الضنية وعكار. وتقام الحملة بالتدرج في بيروت وصيدا ومناطق البقاع، فالمعاناة تصدح على أبواب مدارس وعتبات كلّ بيوت لبنان، من هنا "يساعد تكافلنا الاجتماعي في تلطيف هذا الواقع"، يختم يوسف.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم