السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

سيدات أجبرتهن الظروف الاقتصادية على الاستغناء عن العاملة المنزلية... ضغوط نفسية هائلة

المصدر: "النهار"
أسرار شبارو
أسرار شبارو
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
A+ A-
أزمة الدولار وغلاء الأسعار وتأكّل قيمة الرواتب، انعكست ليس فقط على القدرة الشرائية للمواطنين، بل حتى على علاقاتهم الاجتماعية، لا سيما بين الأزواج، إذ إن مشاكل عدة "اندلعت" بسبب عدم قدرة ربّ المنزل على تأمين راتب العاملة المنزلية، واضطراره إلى ترحيلها بعدما أصبح بدل خدماتها يعادل راتبه أو يكاد. 
 
إذا كان استخدام العاملات المنزليات في السابق من قبل عدد كبير من العائلات من باب الترف، فإن هذا الأمر بات اليوم من الماضي، والمرأة المضطرة إلى عاملة تساعدها في تدبير أمور المنزل والانتباه للأولاد لا سيما إن كانت موظفة، اضطرتها الظروف الاقتصادية إما إلى الاستغناء عنها، أو التفكير طويلاً في كيفية الإقدام على هذه الخطوة، وهي تعلم أن استمرار الوضع على هذا النحو يعني أنه في المسقبل القريب لن يكون لديها خيار آخر سوى الاتكال على نفسها في تدبير كل أمورها. 
 
ضغطٌ وصل إلى طلب الانفصال 
 
ليس مبالغاً إن قلنا إنّ بعض الأزواج وصل الأمر بينهما إلى الطلاق، بعد ترحيل العاملة المنزلية، فالضغط النفسي الذي وجدت المرأة فيه نفسها، عندما أصبحت مجبرة على تنظيف المنزل والاعتناء بالأولاد، كبير، إذ إنها اعتادت على تأدية قسم صغير منه عندما كان هناك من يعاونها، وعلى الرغم من أن ظروف كل امرأة تختلف عن الأخرى، إلا أن النتيجة واحدة، تعب وإرهاق، والسير في طريق صعب. 
 
ميرفت واحدة ممن يعانين من تسريح العاملة الأثيوبية، فهي والدة لثلاثة أبناء، أكبرهم يبلغ من العمر 9 سنوات، وهي موظفة بإحدى الشركات، وبحسب ما قالته لـ"النهار": "منذ أن وضعت مولودي الأول استعنت بعاملة منزلية لكي تساعدني بتنظيف المنزل، حينها كنت أضع صغيري لدى والدتي للاعتناء به لحين عودتي من العمل، كنت أصل إلى منزلي فأجد أنه مرتب ونظيف، وعندما أُعدّ الطعام كان هناك من ينظف خلفي، ومع مرور الاشهر والسنوات اعتدت عليها فبدأت تساعدني بالاهتمام بالأولاد، وفجأة انقلبت الأمور رأساً على عقب، ارتفع سعر صرف الدولار، راتبي الذي كان يعادل في السابق ألف دولار أصبح الآن بحدود المئتي دولار، ما يعني أنه يعادل راتب العاملة المنزلية، وزوجي الذي كان يدفع لها أصبح من دون عمل، فكيف لنا أن نستمر على النحو القديم؟ هل أعطي كل ما أجنيه للعاملة؟ فمن أين نعيش إذاً؟ من هنا لم يكن عندي خيار آخر سوى ترحيلها، لتبدأ المعاناة". لم تعد تحتمل ميرفت كل الضغط النفسي الذي تمر به، وقالت: "منذ نحو شهرين والخلافات مع زوجي لا تنتهي، لا ألومه على عجزه في تأمين حاجات المنزل، إلا أنه وعلى الرغم من كونه من دون عمل، لا يساعدني بشيء، ما اضطرني إلى أن أغادر البيت لنحو ثلاثة أيام، وعدت إلى كنف أهلي، ووصل الأمر إلى حد طلبي الانفصال، وبعد تدخل الأقارب عدت أدراجي، وها أنا أحاول التأقلم مع الوضع الجديد، إنما من الصعب ذلك، لا سيما أنه لا مدارس هذه السنة على ما يبدو، الاولاد سيبقون في البيت، لذلك لا راحة على الاطلاق."
 
"لا يمكنني الاستمرار على هذا النحو"
 
حتى من ليس لديها وظيفة، وجدت الاستغناء عن العاملة المنزلية أمراً أشبه بعقوبة الأشغال الشاقة، فكما قالت سعاد: "لا أصدق أننا وصلنا إلى وقت لا يمكننا دفع راتب عاملة منزلية، وضعنا الاقتصادي تدحرج بسرعة، فراتب زوجي لم يعد يكفينا لمصروف نصف الشهر، استغنيت عن العاملة المنزلية على مضض، حاولت بداية أن أتقبل الأمر، وأن أنظف، أطبخ، أغسل، وأهتم بتربية أولادي الأربعة، إنما وصلت إلى مرحلة عجزت أن أكمل، طلبت من زوجي البحث عن وظيفة ثانية علّ وضعنا يتحسن قليلاً وأستطيع جلب من تساعدني وإن كان بشكل يومي، أو من خلال مكتب يجلب عاملات موجودات في لبنان، لا أضطر إلى دفع إقامة وإجازة عمل، فقط 150 دولاراً بالشهر، فأجابني ألّا وظائف في السوق (ما شايفي كيف الوضع)"؟ وأكدت سعاد على أنه لا يمكنها الاستمرار من دون وجود عاملة معها، وقالت: "لا يعرف الانسان قيمة اي شيء في الحياة حتى يفقده، وقد علمت الآن كيف أن الجزء الاكبر من راحتي كان بسبب العاملة المنزلية"، وأضافت: "آمل أن تمر هذه الظروف السيئة بسرعة ونعود إلى وضعنا السابق".
 
نظرة علم النفس للوضع "الطارئ"
 "عندما تغادر عاملة منزلية فإن كيفية تصرف ربة عملها يتوقف على شخصيتها وقدراتها ومهاراتها وتركيبتها ونظرتها للأمور"، بحسب ما قالته أخصائية علم النفس هيفاء السيد لـ"النهار"، شارحة: "أفكارنا تنعكس من خلال مشاعرنا وتصرفاتنا وسلوكنا، فالشخصية المرنة والواثقة بنفسها تشعر بالرضى والسرور وينعكس عليها الأمر بالقوة، حيث تشعر بالقيمة والإنجاز، ما يساهم في تحسين الصحة النفسية نظراً لإيجابيات العمل المتعلقة بتحقيق الذات والاستمرارية والنجاح، فالمعروف أن العضو الذي لا يعمل يصاب بالضمور والضعف".
 
وأضافت: "أما الشخصية الاعتمادية فتبقى مستسلمة وتضخم من تأثير الضغوط الحياتية والاجتماعية، ما قد يكون من العوامل المهيئة للاكتئاب وزيادة القلق والتوتر والإحباط وسوء التكيف والشكاوي الجسدية والنفسية كونها تجد صعوبة في اتخاذ القرارات". وفي ما يتعلق بالمرأة العاملة التي اعتادت أن تقوم العاملة المنزلية بمهماتها في المنزل نظراً لتعقيدات الحياة، علّقت السيد: "أفرزَ غياب العاملة المنزلية الكثير من الصراعات لربة المنزل العاملة، خاصة حين تخفق الجمع بين العمل خارج المنزل والاهتمام ببيتها، لا سيما في ظل الواجبات والمسؤوليات المتداخلة والمنوطة بالمرأة مع ما يستتبع ذلك من صعوبات التوافق بين ما يفرضه كل دور"، وأضافت: "تتأجج الضغوط ما يجعل حماسها ونشاطها ضعيفاً، هنا عليها البحث عن حل، من خلال تنظيم الوقت وتقاسم الادوار والمشاركة والتعاون بين أفراد الأسرة والزوجين، إضافة إلى ضرورة تقديم الدعم الكافي المعنوي والعملي وتوفير الظروف للوصول إلى حلول إيجابية". وأشارت السيد إلى أن "الدور التقليدي الذي كانت تقوم به المرأة كرعاية الزوج والاطفال وأعباء المنزل، والدور الجديد المتمثل في العمل خارج المنزل تجعل المرأة تعيش في حالة من صراع الأدوار".
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم