الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

عيد الاستقلال في عيون الحالمين بالتغيير... خيبة أمل ومكنسة!

المصدر: "النهار"
علي عواضة
علي عواضة
تصوير نبيل اسماعيل.
تصوير نبيل اسماعيل.
A+ A-
اليوم نفسه من العام الماضي، كانت المشهدية مختلفة رغم تراكم الأزمات وتضافر استعصاء التغيير في ظل نظام طائفي فاسد عنيد. هل تذكرون، أقله، عرض عيد الاستقلال المدني الذي أقيمت فعالياته في ساحة الشهداء وشاركت فيه قطاعات مختلفة من المجتمع تطالب بالتغيير. هل تذكرون الأطباء والمهندسين والفنانين والمعلمين والطلاب والمحامين في احتفائية الألوان الوطنية المبهرة... يومها كثر كتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي: "انها المرة الأولى التي أشعر فيها بالاستقلال". 
اليوم، تحافظ الساحة على خوائها، تحتضن خيبة وفراغاً وهيمنة الجائحة والمتسلطين والفاسدين والمتغطرسين... 
 
الاستقلال والعبور الى الدولة 
 
100 عام على نشأة دولة لبنان الكبير، 77 عاماً على نيل لبنان استقلاله، وعبوره نحو دولة مستقلة ذات سيادة لم تكتمل بعد، وحدود لم ترسّم لا بالأمس ولا اليوم، ولا يبدو أنها سترسّم قريباً.
 
وككل عام، يحتفل لبنان بهذه الفترة من السنة باستقلاله، ولكن سنة 2020، لها نكهتها الخاصة على الصعيد العالمي جراء جائحة كورونا وتأثيراتها على الأنشطة البشرية، وعلى لبنان بشكل خاص نتيجة تراكم سلسلة مشاكل، يمكن لأصغرها إسقاط أنظمة ومحو ديكتاتوريات، ولكن الحياة تستكمل بشكلٍ طبيعي. 
 
كان يفترض، لو أننا في بلد طبيعي، أن يحتفل ما تبقى من الشعب اللبناني على هذه البقعة الجغرافية باستقلاله بطريقة مختلفه، أقله هذا العام، فتراكم الأحداث التي انطبعت في ذاكرتنا منذ الحرب الأهلية وحتى انفجار المرفأ وما رافقهما من أزمات وحروب واغتيالات وضحايا وتظاهرات وأزمات سياسية واقتصادية وشحّ الدولار وتحكم المافيات بلقمة العيش، جميعها عوامل يمكن أن تدفع أي مخلوق على وجه الأرض للغضب ورفض واقعه، إلا في لبنان، حيث الشعب شبه مخدر، بانتظار المخلص. 
 
يحتفل كل بلد باستقلاله على طريقته: كلُّ له قصته الخاصة التي امتزجت بالدم والصبر والتضحية والوفاء. ثورات عدّة رسّخت إرادة الشعوب بنيل حريتها واستقلالها وفرض كلمتها على الحكام، أمّا في لبنان، فالأمور تأخذ طابعاً مختلفاً. التحركات خفّ وهجها، وأصبح اللبناني لاعباً ماهراً بدور المتفرج على الأحداث الأقليمية والعالمية. 
 
عندما تطرح سؤال: "ماذا يعني لك الاستقلال؟"، لأشخاص شاركوا في التظاهرات المطلبية، يُجمع قسم كبير منهم على أنه حلم صعب المنال في الوقت الحالي. باتت أكبر الأحلام حالياً عدم الإصابة بكورونا والهجرة بعيداً عن لبنان ومشاكله، أو إيجاد عمل بالعملة الصعبة. 
تعليق أكاليل من الآس (الريحان) والمكانس على المؤسسات العامة (تصوير نبيل اسماعيل).
خيبة أمل 
 
سهى، شابة لبنانية قررت المشاركة في تحركات 17 تشرين. لم تترك الساحة، كانت تنهي عملها، تركن سيارتها بعيداً من التحركات وسط العاصمة، وترسم علمها على جبينها وتصرخ من قلبها أملاً بالتغيير. كل ما كانت تحلم به هو التغيير والحياة الكريمة والبقاء في بلدها بالقرب من عائلتها، رغم العروض المغرية التي قُدّمت لها في الخارج. تخبر سهى كيف كانت بداية التحركات حلماً يراودها رغم الخوف من الإخفاق، فهي سبق وشاركت في تحركات إسقاط النظام الطائفي عام 2011 وتظاهرات أزمة النفايات عام 2015 ولمست خيبة الأمل حينها، إلّا أنّ 17 تشرين أعاد إحياء حلم البقاء في بلدها قبل أن يتلاشى سريعاً بعد انفجار المرفأ. 
 
انفجار بيروت شكّل علامة فارقة لها، إثر إصابتها في وجهها وكتفها. تلك الحادثة حوّلت سهى من شابة متحمسة وطموحة إلى حالمة فقط بالهجرة وتأسيس عائلة بعيداً من لبنان. 
 
ترفض سهى اتهام السلطة بتسييس التحركات، وتضع اللوم على المتظاهرين أنفسهم، فلا أهداف مشتركة لهم، وعند شتم أي زعيم ينقسم التحرك، هذا عدا عن حب الظهور أمام الكاميرات واستغلال الحالة العامة للسيطرة وفرض البعض أنفسهم كقادة للثورة، وهم أبعد ما يكون عن ذلك. جميعها عوامل أدت إلى استغلال الأحزاب الحاكمة للثغرات الموجودة وتفريغ التحرك من مضمونه، بخاصة أنّ البعض يريدها ثورة بيضاء والآخر ثورة حمراء. 
 
خيبة الأمل نفسها تتكرر عند عدد من المشاركين. جلال ابن العاصمة بيروت شارك في الأسابيع الأولى للتحركات قبل أن يقرر الانسحاب نتيجة نصائح والده المتكررة بأنّ لبنان يبقى كما هو ولا يتغير مهما حاول الشعب. بنظر أبو جلال، والذي عايش تفاصيل الحرب الأهلية اليومية والاجتياح الإسرائيلي وتقلبات الدولار، فإنّ لبنان بلد التسويات و"ما بتروح إلا على الشعب". نصح ولده بالتركيز على عائلته والابتعاد عن أي تحرك مطلبي رغم اقتناعه بالمطالب، ولكنّ مستقبل عائلته والحفاظ عليها أولوية بالنسبة لهم. 
 
خيبات الأمل بتحقيق الاستقلال الحقيقي تسيطر على فئة لا بأس بها من المشاركين أو الحالمين بالتغيير. يرى حسن أنّه برغم قوة أحزاب السلطة وشعبويتها الراسخة منذ عقود، إلّا أنّ الاستقلال الحقيقي يكمن بتطهير السلطة القضائية من الفاسدين، بالتزامن مع تحركات حقيقية على الأرض ومستمرة وفي أماكن الفساد. 
 
تظاهرات 17 تشرين يرى مارسل أنّها تحوّلت إلى تظاهرات مسيّسة، وتحركات مطلبية مع تدخلات سياسية، وما يهمه من الاستقلال حالياً هو الإجازة مع الأهل في القرية بعيداً من ضغوطات العمل والحياة اليومية، رغم اقتناعه بأحقية المطالب، ولكن بنظره لبنان بلد التسويات الإقليمية وما يحدث بالداخل مرتبط بالخارج، وبلعبة المحاور.
 
يرى البعض أنّ فكرة 17 تشرين انطلقت وسعر صرف الدولار كان 1500 ليرة، بينما اليوم وفي ظل موجة كورونا وارتفاع الصرف إلى 8400 ليرة، وفقدان الدواء وانفجار المرفأ وما خلّفه من دمار نفسي وجسدي، جميعها عوامل يمكن أن تشعل ثورة حقيقية وبطريقة مختلفة تجبر من في السلطة على إجراء تغييرات تحت ضغط الشارع، ولكن الأمور في الوقت الحالي تبقى مؤجلة بعد الموجة الثانية من كورونا وارتفاع نسبة الإصابات، والتي كان أحد أبرز أسبابها الرئيسية انفجار المرفأ المفترض إنهاء التحقيقات بأسبابه بعد 5 أيام من وقوعه في الرابع من آب، بينما نحتفل اليوم بذكرى الاستقلال ونحن أبعد ما نكون عنه.
 
وقام اليوم أفراد منتمون الى مجموعات مختلفة من الثورة بوضع أكاليل من المكانس على أبواب مقرات رسمية، تعبيراَ عن دعوتهم لأركان السلطة في الرحيل. 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم