ابن طرابلس والدرّاجة الهوائيّة!

ابن طرابلس والدرّاجة الهوائيّة!
أهالي طرابلس على الدرجات.
Smaller Bigger
بفضل خدمة التوصيل هذه التي يستخدم من خلالها الدراجات الهوائيّة داخل طرابلس، لمواجهة رياح التغيير التي تسحق يوميّاتنا بابتسامتها العارفة، يشعر المهندس الشاب، نذير حلواني، بأنه فخور بنفسه حقاً. ويستطيع بكل "راحة ضمير" أن يتباهى بهذا الفخر أمام العالم بأسره. لاسيما وأن هذه الخدمة التي ينغل بفضلها شباب البلد (الطرابلسي يُطلق على مدينته إسم البلد)، ويتنقلون في الشوارع وفي مُختلف الأمكنة ليُزخرفوا المدينة بلمسات من الأمل، قيمة مُضافة لهذا العالم من حولنا الذي يتخبّط داخل جُنينة الخيبات، و"هي خُلاصة شغفي"! كما يؤكد لنا.

فيا أهلاً بخدمة "واصل" التي بفضلها أصبحت مسألة طبيعيّة أن نُشاهد الشبان والصبايا في طرابلس الجميلة وهم "رايحين – جايين" على الدراجة الهوائيّة، يوصلون الطلبيّات بلا ملل أو تعب ويُشاركون في مختلف الأنشطة والفعاليّات التي تستمد من خلالها المدينة قوّتها. خدمة صديقة للبيئة وهي البديل الصحّي الذي لا يعتمد على المحروقات لتأمين مختلف خدمات النقل داخل طرابلس المنسيّة.
 
 
ولنذير حلواني قصّة طويلة مع الدرّاجة الهوائيّة التي يُعاملها كالصديقة المُخلصة مذ كان في الـ12 من عمره. كانت مسألة طبيعيّة في ذلك الزمان، أن يكون للأولاد درّاجتهم الهوائيّة التي سُرعان ما يستبدلونها مع الوقت، وفي لحظة انخطاف عابرة، بألعاب أخرى. ولكن نذير حافظ على قصته معها. وصارت مسألة طبيعيّة أن يستعين بها في جميع تنقلاته لاسيما وأن حالة العائلة الاقتصاديّة كانت بحسب ما يروي لنا، "تعبانة". وصحيح أنه، في البدايات، كان يشعر ببعض خجل من اتكاله عليها هو الذي يدرس الهندسة ويُريد أن يظهر بصورة جميلة أمام المجتمع، بيد أنه، مع الوقت، تعلّق بها. ولم يعد يعير النظرات الساخرة التي يرمقه البعض بها، أي اهتمام. يُعلّق ضاحكاً، "The Bicycle became My Legs". وعندما سرق أحدهم ذات يوم هذه الدرّاجة الهوائيّة التي لم يقتنع بها بدايةً، ولكنها تمكّنت من أن تسرق قلبه مع مرور الأيام، قال في قرارة نفسه، "هلّق، صرت مضطر أنا إمشي متل كل هالعالم؟". وكأنها حقيقة لم يعد قادراً على تحمّلها.
 
وهنا فهم أن قصّته معها ليست نزوة عابرة. وكانت الأيام خير دليل على أنها ستتطوّر بطريقة طبيعيّة. وهذا بالفعل ما حصل.
 
فمن خلال الدرّاجة تعلّم الكثير عن الحياة وأصولها ودروسها. ولم يعد يتحمّل الذين يعيشون بكسل أو لا يقتحمون بوّابة أحلامهم ويتعلّقون بأوهام المجهول ويتكلون على هدايا القدر. ويرى نذير حلواني الذي يُطلق عليه لقب عمدة الدرّاجة الهوائيّة في طرابلس أن ركوب الدرّاجة الهوائيّة يُعزّز في داخلنا العزيمة ويجعلنا نُدرك أهميّة الحركة. "فإذا توقفنا عن إستخدام الدوّاسات بأية لحظة، نُصبح عرضة للسقوط". كما أن هذه الرياضة، تُسعفنا بحسب هذا الشاب الطموح في الحفاظ على سلامتنا النفسيّة. "عندما أقود السيّارة أفقد أعصابي ولا تُفارقني الكلمات النابية. بينما عندما أتنقل على الدراجة الهوائيّة، أصل إلى حيث أريد وأنا سعيد".
 

أمّا لقب عمدة الدراجة الهوائيّة فهو لقب غير رسمي حصل عليه من مؤسسة اجتماعيّة في أمستردام طموحها أن تتحوّل نصف الرحلات اليوميّة في مختلف أنحاء العالم على الدراجة الهوائية مع حلول العام 2030. ومن مساعيها خلق مجتمع مؤلف من عمدة الدرّاجة الهوائية في مختلف مدن العالم، يروّجون في بلادهم لأهميّة دمج وسيلة التنقل هذه الصديقة للبيئة في حياتنا اليوميّة.

واليوم يُركّز نذير حلواني كل جهوده لإنجاح مشروعه – الحلم "واصل"، الذي يستخدم فيه الدرّاجة الهوائيّة لنقل البضاعة والمأكولات داخل طرابلس. والزبائن في هذه المرحلة هم المطاعم والمحال التجاريّة والشركات. انطلق المشروع في تشرين الأول من العام 2021، وباتت هذه الخدمة التي تزرع الفرح في قلوب أبناء "البلد" على كل الألسنة لاسيما وأن مشهد الدرّاجات الهوائيّة وهي تملأ الشوارع، من المشاهد غير الإعتياديّة التي بات الطرابلسي يُدمنها ويشعر أنها تصله إلى أماكن جديدة في حياته لا علاقة لها بالجوع والحرمان واليأس وعناصر أخرى تُحاصره وتسجن أحلامه. ويعمل نذير مع شركاء من هولندا وفرنسا وإيطاليا على دمج العديد من الأنشطة التي تتمحور على الدرّاجة الهوائيّة. فهل سيتحقق حلمه في نشر أعداد هائلة من الدرّاجات في طرابلس ومختلف المناطق اللبنانية في السنوات القليلة المقبلة؟ هل يُمكن أن تُصبح مسألة عادية أن يسرح ويمرح بيننا أكثر من 100 ألف درّاجة هوائيّة "من هلّق لـ5 سنين؟"
 

الأكيد أن الاتصالات مع الخارج لا تهدأ، ليحصل الشاب على درّاجات هوائيّة مُستعملة يتم توزيعها في لبنان ضمن آلية معينة.

بالنسبة لهذا الشاب الذي نادراً ما تُفارق وجهه ابتسامة الرضا عندما يكون في صحبة صديقته القديمة، (الدرّاجة)، فإنها الأداة الوحيدة ذات السلاسل التي تُحرّرنا!
 
 
 
 
 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/6/2025 2:49:00 PM
يقاطع التيار الصدري، أحد أكبر التيارات الشيعية في البلاد، الانتخابات ما يجعل المشهد السياسي أمام احتمالات جديدة لتوازن القوى داخل المكونات الثلاثة: الشيعية والسنّية والكردية.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل ستكون شديدة التعقيد في ظل استمرار الانقسام داخل البيت الشيعي.
العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
معركة الصناديق التي ستُفتح الثلاثاء ستفتح بدورها معركة أوسع وأشمل بعد تبيان النتائج.
العالم العربي 11/7/2025 3:10:00 AM
مواكبةً لهذه الانتخابات المفصلية في تاريخ العراق، تفتح "النهار" ملفاً عنوانه "العراق ينتخب: صراع الولاية الثانية"، تقدم فيه قراءة استشرافية لما هو متوقع في دولة تريدها طهران دائماً حديقة خلفية، وتريدها واشنطن أبداً رأس حربة.