السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

فرصة لمحاسبة "سلطة القمع والفشل"... لبنان "محرَج" أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
مجلس حقوق الإنسان (أ ف ب).
مجلس حقوق الإنسان (أ ف ب).
A+ A-

يمثل لبنان في الـ18 من الشهر الجاري أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، من ضمن الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، التي ستتناول وفاء الدول الأعضاء للأمم المتحدة بواجباتها تجاه المواطن والإنسان.

 وليس سراً ما تواجهه الحقوق والحريات في لبنان من ممارسات طافحة بالخرق والقمع، يعمّقها ارتباط الحقوق والقوانين ذات الصلة بكتلة الأزمات الاقتصادية والصحّية والمالية التي تسحق البلاد، إضافة إلى انفجار مرفأ بيروت، الذي بلور فشل إدارة السلطة وفسادها ولا مبالاتها بأرواح الناس، وحرصها على الإفلات من المحاسبة، وحرمان المواطنين من الوصول للعدالة، من خلال تمييع نتائج التحقيقات المرتقبة منذ نحو خمسة أشهر على وقوع الكارثة.

 

فرصة للمحاسبة؟

وفي ظل تقويض دور القضاء ومؤسساته، ثمة ما يضع النقاط على الحروف أمام هذه "الفرصة" الدولية. فهذا الانهيار المتعدّد المستويات وثّقه "التقرير المرافق للجولة الثالثة للعرض الدوري الشامل (UPR)  للبنان" الذي أعدّه ائتلاف يضمّ 56 منظمة وجهة من المجتمع المدني الفاعل، من خلال 12 تقريراً تناول المحاور التالية: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي، الحقوق والحريات السياسية، استقلالية القضاء والحق في محاكمة عادلة، نظام العدالة للأحداث، الحقوق البيئية، حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حقوق المرأة، حقوق الطفل، حقوق اللاجئين السوريين، حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ومجتمع الميم في لبنان.

 

وأطلق ائتلاف منظمات المجتمع المدني هذا التقرير في مؤتمر افتراضي مباشر بعنوان "في لبنان، حقوق الإنسان في مأزق" من تنظيم شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ANND.

 

يتحدث المدير التنفيذي لشبكة ANND، زياد عبد الصمد، لـ"النهار" بشأن أهمية هذا التقرير في "كونه جزءاً من مسار ينظمه مجلس حقوق الإنسان في جنيف واسمه "مسار المراجعة الدورية الشاملة"، الذي يشمل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، الملزمة بتقديم مراجعة دورية شاملة عن حقوق الإنسان كل أربع سنوات ونصف السنة، وانطلقت في دورتها الأولى عام 2010. ضمن عملية المراجعة، ترفع الحكومة اللبنانية تقريراً عن كيفية تطبيقها الالتزامات الدولية بحقوق الإنسان. هذه السنة، أعدّت وزارة الخارجية تقريراً بالتنسيق مع كل الوزراء المعنيين، وسيمثلون بعد أيام قليلة في 18 كانون الثاني أمام مجلس حقوق الإنسان لمناقشته".

 

ويتابع: "يمنح هذا المسار الأطراف ذات المصلحة المتمثلة بهيئات المجتمع المدني، الحق في تقديم تقرير خاص. فمجلس حقوق الإنسان يحتاج إلى الاستناد إلى مراجع أخرى للتأكد من دقة المعلومات الواردة في تقرير الحكومة. لذلك، رفعنا هذا التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان الذي يدرسه ليصار إلى مقارنته بتقرير الدولة اللبنانية. وكذلك يلجأ المجلس إلى مصدر ثالث تمثله منظمات الأمم المتحدة العاملة في البلد، التي ترفع مراجعتها المتخصصة في كل مجال تدخله".

في خطوة موازية، "تشكل فريق من ثلاث دول يعرف باسم "ترويكا"، يضمّ إندونيسيا وبوليفيا وبلغاريا، وهو بمثابة محكمة معنية بدراسة التقارير ورفع التوصيات للدولة اللبنانية".

 

تمتلك هذه التقارير من الأهمية ما يجعلها باباً لمحاسبة الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً لجهة الوفاء بالتزاماتها الواردة ضمن المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقّع لبنان عليها.

ويضيف عبد الصمد: "نضع اليوم هذه المعطيات بمتناول الرأي العام والجهات المحلية الفاعلة، التي قد ترجع إليها للتحرك وفقاً لأولوياتها وتخصصها وتكتيكاتها أو حتى إبرازها في الإعلام. نسعى لأن تتحول مناسبة المراجعة الدورية الشاملة إلى مناسبة للانطلاق بالخطة الإصلاحية على كافة الصعد وإنقاذ لبنان من مصيره الأسود واستعادة حقوق الإنسان وحمايتها".

 

القمع وكورونا

دار المؤتمر ضمن أربع جلسات، ضمت مداخلات لممثلين عن منظمات مساهمة في التقرير، وخبراء في القانون والتنمية.

 

الجلسة الافتتاحية بعنوان "تراجع مستوى الحقوق والحريات من جراء الأزمات المتعددة"، تولّتها الإعلامية ديانا مقلد، وضمّت مداخلات لنجاة رشدي/ نائبة المنسق الخاص للأم المتحدة في لبنان والمنسقة المقيمة، رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى، رويدا الحاج/ مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وزياد عبد الصمد/ شبكة المنظمات العربية غير الحكومية.

الجلسة الأولى بعنوان "انهيار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي" تولّاها الإعلامي جاد غصن مع مداخلات ماري-نويل أبي ياغي/ دعم لبنان، وخبير التنمية أديب نعمة.

 

وجاءت الجلسة الثانية بعنوان "قمع الحريات السياسية والمدنية في ظل الأزمات"، تولّتها الإعلامية صبحية نجار وتحدث خلالها نزار صاغية/ المفكرة القانونية، جورج حداد/ منظمة ألف وتحرك من أجل حقوق الإنسان، وفضل فقيه/ المركز اللبناني لحقوق الإنسان.

 

وطرحت الجلسة الثالثة سؤالاً: أين نحن من مبدأ "عدم استثناء أحد؟"، تولّتها الإعلامية دلال معوض، وتحدثت خلالها غيدا عناني/ منظمة أبعاد، وسيلفانا اللقيس/ الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً.

 

أما الجلسة الرابعة، فشددت على "ضرورة حماية حقوق الفئات المستضعفة"، وأدارتها الإعلامية مها حطيط من خلال مداخلة ليلى العلي/ جمعية النجدة الاجتماعية، وربيع بنا/ المركز السوري لبحوث السياسات.

 

التقرير الذي يعيد تأكيد كلّية وشمول حقوق الإنسان التي لا تجتزأ ولا تستنسَب وهي غير مشروطة، يضع في خلاصة ما يقدم حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة واستقلال القضاء في قلب المعضلة، وعلى رأس سلّم الأولويات التي ينبغي التدخل لأجلها، لأن صون الحريات يهيئ المناخ الديموقراطي والفعّال ليؤدي المجتمع المدني دوره في النضال لأجل كلّ الحقوق الإنسانية، من خلال مختلف أدوات ومنصات التعبير والتحشيد والضغط والمناصرة والعمل الميداني.

 

وليست محاولات السلطة قمع المتظاهرين الوحشي العام الماضي خلال احتجاج 8 آب، والتوقيفات التعسفية للناشطين وإلحاق التعذيب بنحو 6000 موقوف، وممارسة الضغط والقمع والترهيب بحق 100 إعلامي في العام الماضي، الذي بدأ بفكفكة خيم المعتصمين في وسط بيروت بحجة ضبط انتشار كورونا في لبنان، ليست هذه الأمثلة سوى بضعة مؤشرات من شواهد مخيفة على انهيار الدولة المدنية.

 

قد يحلّ هذا التقرير بمثابة فرصة ذهبية لإحراج لبنان أمام المجتمع الدولي، لكن الأمر لا يتوقف عند توثيق إسكات المعارضين وبداية ترسيخ النظام البوليسي، بل تبرز الحاجة الملحّة إليه وضرورة استثماره في هذا التوقيت بالذات، لحماية حقوق الفقراء (55% من الشعب اللبناني)، والمهمشين، والفئات الأكثر عرضة لخطر الجوع والموت وغياب الرعاية الصحّية لحمايتهم من خطر فيروس كورونا، ولا يجد هؤلاء من يأخذ معاناتهم المعيشية اليومية على محمل الجد.

(للاطلاع على التقرير، الضغط هنا)

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم