الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

ميشال المر... الداعي الى الحوار وصحوة ضمير قبل الانهيار

المصدر: "النهار"
ميشال المر.
ميشال المر.
A+ A-
ليس عادياً أن يمضي سياسي خمسين سنة من عمره في العمل السياسي الناجح، ويستمر يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، في الحفاظ على قاعدته الشعبية التي تواصلت من جيل الى جيل، وما زالت تقوى وتتنامى، لأنه يتعايش معها يومياً، فهو الحاضر دائماً، ليلا ونهاراً، في أفراحها وأحزانها، وفي تأمين متطلباتها والخدمات لها، من أي نوع كان، طبية أو اجتماعية، وتوفير فرص العمل للشباب في القطاعين الخاص والعام.
أما على الصعيد السياسي فالرئيس ميشال المر كان من السياسيين القلائل القادرين على التعامل مع الأزمات الصعبة، محاولاً إيجاد الحلول لها، مهما كانت معقدة، لأنه حواري بامتياز، ولم يقطع صلته بأحد.
 
في الآتي، ولمناسبة رحيله، نعيد نشر حوار أجرته الزميلة مي عبود أبي عقل بتاريخ 2013-01-06 مع النائب ميشال المر، وفيه تأكيد على ضرورة الحوار ومنع الانهيار. 
 
 
 
¶ الى اين الوضع في رأيك وسط هذا المشهد المتأزم والصراع بين فريقي 8 و 14 آذار؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟
 
- الوطن في حال الخطر، إن لم نقل في غرفة العناية الفائقة. فالمواطن يواجه يومياً أخطاراً أمنية من كل الانواع، بحيث إنه اذا ترك بيته الى مقر عمله، لا يعرف إن كان سيعود حياً أو ميتاً أو مخطوفاً. كذلك وصلت الأوضاع المعيشية، عند فئة كبيرة من اللبنانيين، الى حال الفقر والتفتيش عن لقمة العيش، لأن الشلل والجمود أصابا كل القطاعات الإقتصادية والتجارية والصناعية والسياحية والزراعية. فرص العمل شبه معدومة أمام الشباب حاملي الشهادات، مما أدى الى هجرة عشرات الآلاف منهم شهرياً، سعيا وراء لقمة العيش خارج لبنان. وصل الشعب اللبناني الى حالة الكفر بالدولة وبالسياسيين كافة، موالاة أو معارضة، ويزداد هذا الكفر يوماً بعد يوم، بحيث دبّ اليأس في نفوس الناس والمواطنين، وفقدوا الثقة بمستقبل وطنهم، وهم اليوم يواجهون المصير المجهول.
 
إلى أين نحن ذاهبون؟ إذا لم نتحسّب جيداً الى ما هو آتٍ علينا، فإن الوضع القائم أخطر بكثير مما يتوقع بعضهم، ولبنان يمرّ في مخاض عسير وخطير اليوم، الأمر الذي يتطلب من كل الفرقاء والقيادات على تنوعها وقفة تتسم بروح المسؤولية والتضامن والوحدة في وجه العاصفة المقبلة علينا، نريد وقفة تتجلى فيها الوطنية في بعدها الأمني والإنساني والاخلاقي، لحماية ما تبقى من هذا الوطن، وتكون هذه الوقفة المتجردة بمثابة صحوة ضمير، كي ننقذ ما تبقى من الوطن، قبل الوصول الى الإنهيار الكبير حيث لا ينفع بعدها الندم.

السلاح والحكومة
 
¶ ما هي الأسباب التي أدت الى وصولنا الى هذه الأوضاع؟
 
- الأسباب متعددة منها: اقليمية ودولية، ومنها داخلية.
 
اقليمياً ودولياً: التداعيات والإرتباطات العائدة الى ما يجري في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الدول العربية المجاورة للبنان، وأهمها ما يجري في سوريا وانعكاساتها، ثم في القضية الفلسطينية، الإضافة الى ما يجري في العراق وإيران ومصر وسواها. التطورات المتسارعة للأوضاع في سوريا، إنعكست سلباً على الساحة اللبنانية، لأن الإنقسام السياسي الحالي في لبنان أدى الى استنفار شعبي مسلح دائم ومستمر بين الأفرقاء، ومن الممكن أن يؤدي في أي لحظة الى التصادم والإقتتال والفتنة، إضافة الى مشكلة النازحين.
 
داخلياً هناك 3 أسباب:
 
1- الإحتقان الطائفي والمذهبي الذي يتمادى على الساحة اللبنانية، وتحول مع الوقت الى حرب باردة، يعرّض الوطن كل يوم الى ما يشبه فتنة طائفية متنقلة تهدد كيانه في أي لحظة.
 
2- السلاح، وهو يشكل المشكلة الكبرى التي يجب إيجاد الحلول لها، لأنها الأداة الفاعلة التي تشكل الخطر اليومي والدائم الذي يهدد الأوضاع الأمنية، وبالتالي الإستقرار في البلاد.
 
وفي جلسة الحوار في أوائل حزيران 2012، وضع فخامة رئيس الجمهورية جدول أعمال لمعالجة مشكلة السلاح، وكانت عناوينه كما يلي:
 
أ- سلاح المقاومة، وكيفية الإستفادة منه إيجابياً للدفاع عن لبنان، والإجابة عن الأسئلة التالية: لماذا يستعمل؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟
 
ب- السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وسبل إنهائه، والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات وطرق معالجته، تنفيذاً لمقررات مؤتمر الحوار الوطني.
 
ج - نزع السلاح المنتشر داخل المدن وخارجها.
 
انتهت جلسة الحوار الى صدور "إعلان بعبدا" الذي وافق عليه الجميع، وجاء في خلاصته: "اعتبار هذا البيان بمثابة "اعلان بعبدا"، يلتزمه جميع الأطراف، وتبلغ نسخة منه الى جامعة الدول العربية، وإلى منظمة الأمم المتحدة، ويشكل وثيقة ميثاقية". ويتضمن هذا البيان طريقة معالجة مشكلة السلاح وسواها من المشكلات التي يعاني منها لبنان. لكن ويالأسف، لم تستكمل الخطوات التنفيذية " لإعلان بعبدا " حتى اليوم. كذلك لم يتم طرح إستراتيجية دفاعية ومناقشتها، واتخاذ قرار في شأنها بعد.
 
3- الوضع الحكومي: جاءت هذه الحكومة الى الحكم جراء مخالفة الإتفاق الميثاقي الذي تم في الدوحة في أيار 2008 وتم توقيعه والموافقة عليه من جميع الافرقاء السياسيين في لبنان، والذي جاء فيه: "تتعهد الأطراف كافة بمقتضى هذا الإتفاق، بعدم الإستقالة أو إعاقة عمل الحكومة". لكن الواقع أن هذه الحكومة جاءت نتيجة استقالة الوزراء الممنوعة استقالتهم حسب إتفاق الدوحة، فيكون رافق ولادتها اشكال كبير وصدمة سياسية داخلية لفريق كبير على الساحة اللبنانية، كما كانت له ارتدادات إقليمية على بعض الدول العربية المعنية بالأزمة اللبنانية، وكان المفترض معالجة هذه المسألة عند تأليف الحكومة، وذلك بإشراك أكثرية الأفرقاء على الساحة لكي تصبح حكومة تمثل أكثرية الأفرقاء في حال تعذر الوصول الى حكومة وحدة وطنية شاملة، ويكون تم التعويض جزئيا على الإشكال الدستوري الذي قضى بالاستقالة.
 
لكن ما جرى عندما تم تشكيل هذه الحكومة، هو استبعاد فئة كبيرة من اللبنانيين منها، مما أدى الى الشعور الدائم لدى هذه الشريحة بأنها مهمشة ومستبعدة عن المشاركة في الحكم وفي القرارات التي تعني جميع اللبنانيين. هذه الحكومة عندما تألفت كانت تمثل فريقاً سياسياً من لون واحد محلي وإقليمي، لكن الأوضاع في لبنان اليوم تتطلب قرارات مصيرية تعني جميع اللبنانيين، ولا يمكن لهذه الحكومة التي هي بلون واحد أن تتخذها. 
 
 
¶ ما هو الحل لمشكلة الحكومة في رأيك؟ هل تؤيد سقوطها أو تغييرها أو بقاءها؟
 
هذه الحكومة عليها أن تستقيل للأسباب الآتية:
 
1- إن بقاءها يبقي الأزمة السياسية والإقتصادية والمعيشية على حالها، ويعرض لبنان للأزمات السياسية المستمرة وللمشاكل الأمنية يوميا، وفي حال طرأ أي تطور إقليمي، من الممكن أن ينعكس على الساحة اللبنانية، ونصل بالتالي الى فتنة أهلية تؤدي الى كارثة في البلد، كل ذلك بسبب الإبقاء على حكومة من لون واحد معروفة بارتباطاتها الإقليمية.
 
2- ستبقى الأزمة الإقتصادية والسياحية والمعيشية تراوح مكانها، بل ستزداد، لأن الدول العربية الصديقة، والتي كانت دائما تدعم لبنان، ستبقي على مقاطعتها، وتمنع رعاياها من المجيء الى لبنان، مادامت هذه الحكومة باقية.
 
3- أصبحت هذه الحكومة هي العقبة أمام انعقاد طاولة الحوار، لأن الفريق الذي يقاطع طاولة الحوار يعلن السبب وهو بقاء الحكومة. 
 
4- كذلك أصبحت هذه الحكومة هي السبب في مقاطعة سير العمل في اللجان النيابية وشلل العمل في مجلس النواب، مما أدى الى عدم اقرار قانون للإنتخابات وغيره من القوانين الضرورية والملحة. لكن دولة الرئيس بري يحاول كعادته إنقاذ الدور التشريعي للمجلس النيابي، ونتمنى على الجميع معاونته للوصول الى النجاح بدوره الوطني الإنقاذي.
 
5- ان فترة الستة أشهر التي تسبق الإنتخابات هي فترة تحضيرية للعملية الإنتخابية، ومنها إعلان لوائح الشطب في كل القرى اللبنانية، وأعمال لجان القيد وسواها والتي تشكل جزءا من العملية الإنتخابية، وهذا الجزء من العملية الإنتخابية يبدأ قانوناً في العاشر من شباط وينتهي في أواخر آذار من كل سنة، فلا يجوز أن تجري التحضيرات للإنتخابات من قبل حكومة غير حيادية ولها لون واتجاه معين، رغم حيادية وزير الداخلية ونواياه الطيبة.
 
6- لا يمكن التذرع بالفراغ الحكومي، لأن الحكومة إذا استقالت تستمر بتصريف الأعمال حتى تتألف حكومة جديدة، أي أن الخوف من الفراغ ليس في محله، كما أن الأوضاع الأمنية يعالجها الجيش وقوى الأمن الداخلي، وليس الحكومة.
 
 
¶ ما هي الحكومة التي ترى وجوب تأليفها في هذه المرحلة؟
 
- يجب أن تكون الحكومة حيادية برئيسها ووزرائها، وأن لا يكون أي منهم مرشح الى الإنتخابات النيابية المقبلة، وان يتصرفوا على أنهم جاؤوا لمهمة محددة هي الإشراف على العملية الإنتخابية.
 
 
مع الطاشناق
 
¶ ما هو الحل لأزمة قانون الإنتخاب في ظل الإجماع على رفض قانون الستين وعدم الإتفاق على قانون جديد؟ وهل من خوف على تأجيل موعد الإنتخاب؟
 
- لا أرى أن هناك اجماعاً على رفض قانون الستين، لأن هناك عدداً كبيراً من النواب، وربما الغالبية منهم مع قانون الستين، وفقاً للمعلومات المتوفرة لديّ. ولست مع تأجيل الإنتخابات لأي سبب كان، يجب أن تجرى الإنتخابات في الوقت المحدد لها أي أوائل حزيران عام 2013، وعلينا الإتكال على دور الرئيس بري الإنقاذي للوصول الى قانون إنتخاب يتم بالتوافق أو بالغالبية الكبرى من الفرقاء، وبالتالي من النواب. 
 
أما على الصعيد الشخصي فلا فرق عندي بين القانون النسبي أو القانون الأكثري أو قانون الوزير فؤاد بطرس أي النصف أكثري والنصف نسبي، وإلاّ فليكن قانون الستين معدلاً. المهم أن تجري الإنتخابات ولا تتأجل لأي سبب كان.
 
¶ أين سيكون موضعك في ظل معركة مفصلية في المتن على ما يبدو وأنت بيضة القبان فيها؟ 
 
- لا يمكن أحداً الإدعاء أنه ستكون هناك معركة مفصلية في المتن قبل معرفة التحالفات التي ستتم قبل شهرين أو ثلاثة من تاريخ الإنتخابات. لماذا تريدون أن نتقاتل ونتصادم على الساحة المتنية عندما يمكننا التوصل الى اعطاء كل فريق حصته في التمثيل النيابي المتني، وذلك بالحوار والتفاوض بين القوى الفاعلة في المتن؟ نشكر الله لأن المتن لم تصل إليه المعارك والصدامات التي طاولت مناطق عدة في لبنان، فهل نجلبها اليه اليوم بسبب معارك إنتخابية ربما تؤدي الى التصادم والإقتتال؟
 
أما إذا كنت أنا بيضة القبان فأقول لكم ان لدي قاعدة إنتخابية كبيرة من المستقلين، ومعروفة قوتها من الجميع، وهي تشكل بيضة القبان، ولكن سنستعملها للتوصل الى التوافق.
 
 
¶ كيف هي علاقاتك بالكتائب والطاشناق؟
 
- علاقاتي مع الكتائب مستمرة بشخص الشيخ سامي الجميل، ولدينا وجهات نظر متقاربة، ومن خلاله نسمع رأي التيار الذي يمثله. أما بالنسبة الى الطاشناق فعلاقاتي التاريخية بهذا الحزب عمرها أكثر من خمسين عاما، وكنا طيلة هذه المدة متحالفين في الإنتخابات، باستثناء عام 2009 حيث كانت له ظروف خاصة أدت الى عدم التحالف معنا. ولكن العلاقة الطبيعية عادت بعد الإنتخابات الأخيرة الى ما كانت عليه منذ الستينيات، أي علاقة صداقة وتنسيق دائمين في المواقف. وفي آذار 2013 أي قبل الإنتخابات بشهرين، نبدأ درس إمكانية التحالف النهائي، في ضوء موقع كل منا في حينه، وإن شاء الله سنشكل مع الطاشناق محورا أساسيا للمستقلين في المتن، يؤدي الى التوافق مع جميع الأفرقاء.
 
لذلك، لا أرى أننا مقبلون على معركة مفصلية في المتن، بل على تفاهم ربما يشمل كل القوى السياسية الموجودة فيه. 

لا بديل من الحوار
 
¶ بعد جلسات الحوار التي حضرتها هل ترى انها ذات جدوى، أم يجب تغيير الصيغة؟
 
- هذا القرار متروك لفخامة الرئيس. فإذا قرر تأجيلها فالأمر يعود اليه والى المعطيات التي يملكها. أما على صعيد الذين يعلنون مقاطعة جلسات الحوار بسبب بقاء الحكومة، فإنني لا أوافقهم الرأي. فخامة الرئيس هو قائد السفينة، والمواقف التي صدرت عنه أخيراً تدل بوضوح على أن ما يقرره هو لمصلحة إنقاذ لبنان من هذه الأزمة التي يتخبط فيها، وقراراته نابعة من قناعاته الوطنية الثابتة، ونحن نؤيد رأيه في أن الحوار ضروري ولا نرى بديلا منه.
 
¶ يحكى عن تيار الوسطية في البلاد هل أنت فيه؟
 
- أنا مع تيار المستقلين، لأن القاعدة الشعبية التي تدعمني في المتن من المستقلين، وهم يمثلون شريحة كبيرة من الناخبين. أما الوسطية فهي تسمية طرحت أخيراً في الإعلام، وعندما نعلم ما هي الوسطية وبرنامجها، ومن هي قياداتها، وما هي أهدافها، سيكون في امكاننا اعطاء رأي فيها. أما اذا كان الطرح الوسطي في خلفياته هو دعم بقاء الحكومة القائمة، فإننا لا نشاركهم الرأي، لأن مصلحة لبنان العليا تقضي بألا تبقى هذه الحكومة كما ذكرنا.
 
¶ كيف ترى الوضع في سوريا في ظل ما يتردد عن خواتيمها؟
 
ا- هذا السؤال يجب توجيهه الى الأميركيين والأوروبيين والروس والصينيين، لأنهم يعرفون ماذا يفعلون ويخططون في هذا الموضوع. وبما أنني لا أحب التنظير والإفتراضات، ليس لدي جواب عن هذا السؤال. فأنا لا أعرف.
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم