الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خلاصة ومحطات 2020: أين هي انتفاضة 17 تشرين؟

جودي الأسمر
جودي الأسمر
من احتفالات الثورة برأس السنة عام 2020. (تصوير نبيل اسماعيل).
من احتفالات الثورة برأس السنة عام 2020. (تصوير نبيل اسماعيل).
A+ A-

يدخل اللبنانيون سنة 2021 مثقلين بالأزمات وتعب التأقلم القسري. الخسائر عميقة ومتدحرجة، أخضعت آمالاً عظيمة عقدها الكثيرون على انتفاضة 17 تشرين. ففيما تتوالى النكسات بوتيرة وأحجام فاقت كلّ تصور، يسأل الرأي العام عن أثر هذه الانتفاضة التي اختفت من الشوارع، برغم محاولات لاستنهاضها خلال لحظات مأسوية، وخصوصاً بعد 4 آب، قيل إنها أتت بفرص مواتية للتخلص من المنظومة السياسية الجشعة والمجرمة.

 

"أين أصبحت الانتفاضة؟"، سؤال يغلف الرغبة والحاجة لإنتاج تغيير لطالما آمن به وتداعى لأجله آلاف اللبنانيين. في فلك هذا السؤال، تستمزج "النهار" آراء نشطاء سياسيين، لم يتخلوا عن بذل الجهود وتجديد الثقة بالانتفاضة. وعلى ضوء أبرز خلاصات سنة 2020 نخوض معهم جولة حصاد وأفق.

 

توسعة أفق التغيير

 
 

يرى المحامي والناشط السياسي واصف الحركة أنّ "الشارع هو أحد أوجه المواجهة، لكنه يتخذ شكلاً ظاهراً وإعلامياً من الخطأ اعتماده وحده لقياس تطور الانتفاضة. ليس التغيير باصاً نلتحق به أو قراراً ميكانيكياً يطبق بكبسة زر، هو عمل يومي نراكم خلاله الوعي. نعمل اليوم على إعداد الشارع، ليكون مهيأً لمواجهة السلطة لحظة انفجاره، ويستثمر طاقته في الاتجاه الصحيح. لأن الطاقة الشعبية تواجه تحدياً في حال وقوع أيّ انفجار اجتماعي، بسبب التدهور الاقتصادي، نتوقع أن تستغله السلطة لتكريس حضورها من خلال أدوات التجهيل والتعمية. لبنان لا يملك تراثاً ديموقراطياً، و17 تشرين ليست ثورة أحزاب تخرج من جعبتها تجاربها. هدفنا الاستراتيجي القائم والمتواصل هو التشبيك وخلق مساحات وعي انطلاقاً من قضايا الناس المباشرة، كملفات المودعين والدولار الطلابي والاحتكارات القطاعية".

 

قطفنا خلال الشهور الأخيرة أولى ثمار التغيير في "المستويين الطلابي والنقابي، من خلال نتائج الانتخابات الطالبية، وتأجيل انتخابات نقابة المهندسين. مسألة التغيير تحتاج إلى وقت ونقد مستمر للتجربة، فـ"حتى الصحيح يصحح"، وفي هذا المجال علينا خلق عملية تنسيق أقوى وتحديد رؤية للمواجهة، وطرح مشروع سياسي أوضح وهذا ما بدأناه بالفعل".

 

خارج الأحزاب التقليدية

 
 

 

يرى الناشط السياسي جيلبر ضومط، أنّ "أناساً كثيرين فقدوا حماستهم لأنّ التغيير طريقه طويل. أضف إلى ذلك تفشي كورونا وأولويات الضائقة المعيشية. أعتقد أن انفجار المرفأ ذكّر الناس بصواب وضرورة التغيير، الذي لا نستطيع تقييم حضوره في الشارع فقط سواء في تظاهرة 8 آب أو سواها".

أبرز إنجازات الثورة تُرجمت في "انتخابات نقابة المحامين وانتخابات الجامعات. أعطتنا مؤشرات على أنّ المؤمنين بالثورة لم ييأسوا من المطالبة بالتغيير، وأنهم بدأوا بالانتظام خارج الأحزاب التقليدية وتحت أطر مختلفة وبأدوار متكاملة".

ويورد مثالاً آخر عن منجزات السنة: "من خلال تجربتي، لاحظت كماً إنتاجياً لافتاً في البحث العلمي في المالية والاقتصاد. شاركت على الأقل في أربعة أوراق حول قضايا مختلفة، وآخرها طرحت للمرة الأولى مسألة الحماية الاجتماعية في مؤسسات الدولة".

ويلخص نقاط ضعف 17 تشرين في "لا مركزيتها التي تجعل من الصعب تشكيل جبهة موحدة، وفي الوقت نفسه تشهد اختلافات جميلة ومشروعة وهي جزء من الدينامية الديموقراطية. كذلك علينا الترفع عن الصغائر والحسابات الشخصية. أرى الثورة أمام شوط جديد لإنضاج عمرها السياسي. أتمنى ألا تكون سنتها القادمة محفوفة بالأثمان الباهظة".

 

توحيد النفس الثوري

 
 

 

يذكر الأستاذ الجامعي والناشط السياسي ميشال الدويهي، أنّ الانتفاضة بدأت تتلقى ضربات الإحباط والترهيب منذ المواجهات الأمنية التي استهدفت الثوار في وسط بيروت، في كانون الأول 2019.

ويسلسل الأحداث التي عاقت الانتفاضة عام 2020 كالتالي:

- 11 شباط: عقدت جلسة إعطاء الثقة لحكومة دياب وهي حكومة "الوجه الناعم" للسلطة. عشنا مستويات عالية من العنف الذي صوّبه الأمن ضدنا، انتهت بتمرير حكومة دياب من خلال هرطقة سياسية في جلسة لم يحضرها أكثر من 64 نائباً. أعتقد أنه تاريخ مفصلي أحبط جداً جهود الثوار. فاستخدام السلاح ضدنا برهان على أنّ منظومة الحكم مستعدة للبقاء في السلطة مهما كلّف الأمر.

- 6 حزيران: نزلنا إلى الشارع في ذكرى الاجتياح ونظمنا عدة تظاهرات حاولت تزخيم النبض، وكنا نواجه القمع والتخوين المستمرّين.

- تظاهرة 8 آب: جولة عنف كبيرة شهدتها التظاهرة المطالبة بإسقاط المسؤولين عن انهيارات لبنان، التي بلغت ذروتها في انفجار المرفأ. ومن تداعياته أيضاً انشغال الناس بلملمة جروحهم وبيوتهم.

- 10 آب: استقالة حكومة دياب ظاهرياً لتلبية مطلب الشارع. إلّا أنها أدخلت السلطة في لعبة شراء الوقت، من خلال مسرحية مصطفى أديب، واليوم حكومة الحريري للتستر على العجز والفساد بخداع غير منطقي.

من جهة أخرى، تستمر الانتفاضة في شقّ المسار، عبر "مراكمة الوعي السياسي الذي عرّى السلطة وكشف "أبوية" حزب الله في رعاية المنظومة. استمررنا في تعطيل جلسات مجلس النواب ومحاصرة النواب في الأماكن العامّة، وهي مؤشرات فقدان شرعية سياسية وشعبية مؤكدة في تاريخ الثورات".

ويراهن دويهي هذه السنة على "بلورة الرؤية السياسية، لأننا أمام انتخابات محتملة خلال سنة وشهرين. ولّدت الانتفاضة أكثر من نفس سياسي لا بد من توحيدها قبل التفكير بالانتخابات".

 

 مسؤولية الطبقة الوسطى

 

 

يعتقد المحامي والناشط الحقوقي فهمي كرامي أنه "قبل مطالبة الثوار بالتغيير، لم يحاولوا تغيير نفوسهم. كل اللقاءات التنسيقية انتهت بالمشاحنات ومجموعات الواتساب فُضّت، لأننا لم نتخل عن الأنا ونزعة الزعامة اللبنانية. نحن ننتقد الطبقة السياسية ونحذو حذوها. نكرر تجربة الزعيم ونهتف ضده بدون أن نتنازل وننصهر للمصلحة العامة".

ويتابع: "حين يؤمن الزعيم اللبناني للفقير الذي تفاقم فقره، المستشفى والدواء وكرتونة الطعام وبعض الأساسيات، كيف أقنعه بالنزول للشارع؟ لا أعتقد أنه حتى 4 آب كان قادراً على تزخيم الحضور الشعبي، لأنّ مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الطبقة الوسطى، التي لم تنجح في "التبشير" بأفكار الانتفاضة وتقديم البدائل. علينا أن نأتي إلى الطبقة الفقيرة ولا ننتظر أن تأتي إلينا. أن نستنهض طاقاتنا لنؤمن لها سبل التكافل الاجتماعي لتثق بنا وتنضم إلينا".

ويضيف أنه في سنة 2020، "استمرت "ساحة ومساحة" في زرع بذور التغيير، من خلال عقد ندوات تثقيف سياسي ومدني على منصتها الافتراضية. وكذلك أسهم في "مركز المعونة القضائية"، الذي أسسناه في نقابة المحامين لتقديم المدافعة والمرافعة بالمجان. التوعية القانونية هي أيضاً توعية بالحقوق لتأمين موارد الاستقلال من الزعيم. فالناس لا تزال تحتاج إلى التمييز بين "الحق" و"الهدية"، التي يوهمهم رموز السلطة بمنحهم إياها".

ويتخوف كرامي من "غرق نقابة المحامين في البروباغندا واللعبة السياسية بينما يعاني المحامون مشاكل كثيرة، منها تعطّل الأشغال وتأثيرات سعر صرف الدولار في خدمات التأمين. نحتاج إلى إعادة توجيه البوصلة في النقابة، لأنّ انتخابات النقابة جسّدت أولى ثمار الانتفاضة".

في سياق النجاحات، يقول بأن "الثورة نجحت أولاً في تشكيل مجتمع "نقيض" واسع الانتشار ضد السلطة، ومتضرر منها. وبدأ في 2020 ببلورة ورقة مشتركة. حصدت الثورة كذلك أول جهودها في الانتخابات الطلابية الأخيرة، وهي أملنا. وعليها يجب أن نصبّ الجهود للبناء على التجربة. لا ننسى أن كثيراً من هؤلاء الشباب نزلوا الساحات معنا، وبعضهم سيحقّ له الترشح للانتخابات النيابية المقبلة".

 

الثورة والثورة المضادّة

 
 

يميز الأستاذ الجامعي جاد شعبان، الذي يواصل جهوده ضمن المجموعات الشبابية، بين ما اندلع في عام 2019 ويسميه "ثورة شعبية عابرة للمناطق والطوائف"، وبين "ثورة مضادة" تمظهرت عام 2020 من خلال عدة مكونات، "أهمها العنف الذي استخدمته الطبقة الحاكمة والقوى العسكرية، وأيضاً المواجهات مع الثنائي الشيعي، التي تركت أثراً سلبياً كبيراً لدى المتظاهرين وخصوصاً في المناطق التي تحكم عليها قبضتها. دون الحديث عن الانهيار الاقتصادي وكورونا و"حكومة الدمى" التي تاجرت بآمال الناس، وصولاً إلى انفجار 4 آب الذي شكّل ضربة عظيمة للثورة، إذ كرّس الناس ما بقي من طاقتهم لترميم جروحاتهم وبيوتهم".

من جهة أخرى، "ربحت الثورة حرب الرأي والأفكار، لأنها عرّت السلطة وكشفت أفلامها المضللة، لكنها لم تكسب الشارع بسبب هذه الحرب المضادّة. ولا تزال تطبق على أنفاس السياسيين غير القادرين اليوم على التجوّل بحرية في الشوارع. كسرت الثورة هيبة السياسيين وهذا يعدّ إنجازاً في بلد يحكمه كارتيل الطوائف بقوى مليشياوية ومالية. وأضيفُ لإنجازات السنة مزيداً من التنظيم في الحركات الشبابية والنسوية".

ويستنتج: "هذه ليست ثورة أحزاب أو قوى عسكرية منظمة. إنها حركة اعتراض تحولت إلى ثورة مجتمعية وطنية. لا تزال طاولات الحوار ولجان التنسيق قائمة برغم فرملتها بسبب الظروف الصحّية. وما زلنا نحاول بلورة الجهود الفكرية للخروج بتحالفات وائتلافات جاهزة للمواجهة في المرحلة القادمة، سواء في الشارع أو الاستحقاقات الديموقراطية. وأرى أنّ "النادي العلماني" وشبكة "مدى" اللذين خاضا الصفوف الأمامية في الثورة تمكنا في الجامعات من تحقيق نتائج تعطينا جرعة تفاؤل حقيقية للمضيّ قدماً وتجديد الإيمان بانتفاضة تشرين".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم