الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الذكوريّة تتصدّر بنود جلسة مجلس النوّاب… تحرّش "يؤبش" يكرّس الانحطاط

المصدر: "النهار"
من جلسة مجلس النواب (نبيل إسماعيل).
من جلسة مجلس النواب (نبيل إسماعيل).
A+ A-
فؤاد بو غادر
 
"اقعدي واسكتي"، "إجت صراصير"، هي عيّنة ممّا دار اليوم في جلسة مجلس النوّاب بحضور ديبلوماسيّ رفيع المستوى. تخلّل الجلسة التشريعيّة هرج ومرج بين مختلف الأفرقاء، وهو أمرٌ طبيعيّ في بلدٍ "ديموقراطي" تُستباح فيه الكرامات بنكهة ذكوريّة مقيتة. ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها النساء الناشطات في المجال السياسيّ إلى استخفاف، ولعلّ فترة ما قبل الانتخابات أكبر دليل على ذلك. هذا المشهد وصل إلى إحدى ذرواته اليوم.
 
قرّرت النائبة سينتيا زرازير الخروج عن صمتها بعد تعرّضها لمجموعة إهانات في يومٍ واحد. فعند وصولها إلى مجلس النواب لم تجد مكانًا لتركن سيّارتها، وأوقفتها شرطة المجلس لأنّها حملت لافتةً عليها صور ضحايا 4 آب، "ممنوع تفوتي على المجلس قبل تسليم اللافتة".
ومع دخولها القاعة استقبلها أحد نوّاب كتلة "التنمية والتحرير" بعبارة "يؤبش"، وفق روايتها لـ"النهار".
 
"عندما استلمت مكتبي وجدت فيه مجلّات "بورنو" وعلب "كوندوم"، أنا متأكّدة أنّهم وضعوها عن قصد"، تقول زرازير. حتّى اليوم لم تستلم موقف السيّارة الخاصّ بها، وهذا ما يمنعها من المجيء بسيّارتها. في جلسات اللجان، كان يُطلَب من زرازير أوراقها للتأكّد منها، حيث قال لها بعض النوّاب: "إنتِ مش نائب". وفي إحدى الجلسات تهجّم النائب علي خريس عليها قائلًا: "إنتِ ولد بدّي ربّيكِ"، وفق قولها.
 
لم يغفَلِ المجلس اليوم عن عبارات وحركات تبدو "مدبّرة" تستخدمها أحزاب السلطة "مستوطيةً حيط" النائبات. فالعبارات الذكورية بالأسلوب الفوقيّ ما هي إلّا استراتيجيّة يحاولون من خلالها إضعاف النساء بشكل عام، والتغييريات بشكل خاص. لذلك نرى المخفيّ وراء هذا الخطاب، أكبر ممّا قيل لهنّ. وهذا ما شهدناه في مرّات سابقة، خصوصًا عندما ردّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي على النائب بولا يعقوبيان: "رح نسكت كرمال زوجها صاحبنا".
 
من جهتها، رفعت النائب حليمة قعقور الصوت ليكون جواب برّي "إنت اقعدي واسكتي" بالمرصاد لها. وردّت قعقور أنّ "الناس الذين أوصلوها إلى هنا هم فقط من يمكنهم إخراجها".  

"لو بيقدروا يضربوني بيعملوها. سأكون بالمرصاد له في كلّ مرّة يتكلّم معي بهذه الطريقة، وصلاحيّاته لا تكفل له إسكات النوّاب"، وتعتقد قعقور في حديث لـ"النهار" أنّ ما حصل اليوم يعود لتصويتها بعبارة "العدالة لضحايا المرفأ" في جلسة انتخاب رئيس المجلس النوّاب. يرتبط هذا الموضوع بالنظام الأبويّ الذي يتعرّض للرجال أيضًا، ويضغط عليهم ليكون الرجل "وقحاً وقويّاً وشجاعاً"، تختم قعقور.
 
ما حصل اليوم يقع تحت مسمّى "العنف السياسيّ ضدّ المرأة". 86 في المئة هي نسبة النوّاب النساء في العالم اللّواتي تعرّضن لهذا النوع من العنف اللفظي والنفسي، وفق الخبيرة في الشؤون الجندرية عبير شبارو التي ترى في حديث ل"النهار" أنّ ما حصل يعود إلى "النظام البطريركي وأشدّد على البطريركيّ"، بحسب وصفها. وهو نظام فوقي يعطي الرجل إمكانيّة أعلى من المرأة ما يؤدّي إلى اضطهاد النساء وتهميشهنّ.
 
وفي رأيها، "عندما ترفع المرأة الصوت يهتزّ هذا النظام الذي يحصر المرأة بالشؤون المنزليّة والإنجاب…". العنف ضدّ المرأة في السياسة يبدأ بمزحة، وهذا التحرّش اللفظي قد يتطوّر إلى تهديد كما حصل مع المرشّحة جوزفين زغيب. وتقول شبارو أنّ الذين يتعرّضن للعنف لسن نساء المنظومة أو الّلواتي أتينَ من عائلات تقليدية، بل من "لا ظهر لهنّ".
 
لعلّ وصول المرأة 27 مرّة إلى المجلس النيابي من خلال 12 سيّدة فقط منذ العام 1952، ومشاركة 18 وزيرة فقط في 76 حكومة تمّ تأليفها منذ الاستقلال، هو خير دليل على العنف السياسي الذي يمارس على المرأة. النظام اليوم، بدأ يهتزّ وما شهدناه ستكون وتيرته أكبر في كلّ مرّة يزداد فيها حضور المرأة على المنابر السياسية، تخلص شبارو.
 
تتنوّع أشكال العنف ضدّ المرأة في الحياة السياسية، ومنه العنف النفسيّ والجنسيّ الذي تعرّضت له سينتيا زرازير وحليمة قعقور اليوم. هذه الأفعال التي طغت على الجلسة النيابيّة لا تمثّل إهانة للنائبتين فقط، ولا لكتلة نوّاب التغيير، بل لكلّ من يريد أن يخرج من عباءة هذا النظام الأبويّ. يبدو أنّ الواقع اللبناني يزداد سوءًا مع كلّ تسديدة ذكوريّة يطلقها المسؤولون، فإلى متى سيظلّ التهميش متربّصًا في هذا النوع من القضايا؟
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم