الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

القنّينة والفلّينة

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
قنينة الطبقة السياسية وفلينة الحكومة، لوحة لمنصور الهبر.
قنينة الطبقة السياسية وفلينة الحكومة، لوحة لمنصور الهبر.
A+ A-
قبل أكثر من عشرين عامًا روى لي صديقٌ عزيزٌ حكايةً مسلّيةً، لكنْ معبِّرة، أنقلها بشيءٍ من التصرّف، بسبب الذاكرة المتقادمة. قال: ذهب بعضُهم لطلبِ يدِ فتاةٍ من أهلها عروسًا لابنهم. بعد طولِ لياقاتٍ ومسايراتٍ ومجاملات، شعر أحد أعضاء "الوفد" الزائر، وكان ربّ عائلةٍ كريمة وأستاذًا لامعًا للأدب العربيّ وخطيبًا مفوّهًا ومحدِّثًا لبقًا، أنّ المماطلة في كشف الغاية المرجوّة من اللقاء زادت على اللزوم، وأنّه لا بدّ من الوضوح. فوقف – طيّب اللهُ ثراه - في الموجودين ونظر إلى العروس والعريس المحتملَين وقال بالمختصر المفيد وبالكلام الفصيح، معزِّزًا خطابه بتعابير وجهه وقسماته وبلاغة يديه: هذه القنّينة (العروس) بدّها ها الفلّينة (العريس).

لماذا تذكّرتُ قصّة القنّينة والفلّينة هذه؟ أمس، اتصل بي أحد كبار الزملاء في المهنة، مهنة الصحافة، وكان قد تقاعد أخيرًا عن الكتابة بعد طول مراسٍ وخبرةٍ وحنكةٍ وجهاد، لكن بدون أنْ تتقاعد نضارة عقله وفكره، ليختصر لي المشهد السياسيّ والوطنيّ الراهن في لبنان، مستعينًا بحكاية للقنّينة والفلّينة، لكنْ في سياقٍ مختلفٍ تمامًا وبعيدٍ جدًّا عن سياق حكاية الخطوبة الآنفة الذاكرة. قال: إنّ أهل لبنان وجماعة المافيا السياسيّة اللبنانيّة، والفرنسيّين، ومعهم أهل العالم في المنطقة وفي المجتمع الدوليّ والأمميّ على السواء، يبحثون في مسألة الفلّينة (تأليف الحكومة)، في حين أنّ القضيّة هي قضيّة القنّينة (خلاص لبنان من الطبقة السياسيّة التي تحكمه)، مؤكّدًا أن الحلّ الحقيقيّ الوحيد يتمثّل في لزوم التخلّص من هذه الطبقة، التي ستنقضّ بطريقةٍ أو بأخرى على الحكومة الموعودة بعد تأليفها، وتستدرجها إلى الفخّ، وتتناتشها، وتغتال بصيص الأمل (الفرنسيّ) الضئيل والمتواضع، الكامن وراء فكرة تأليفها، وطريقة هذا التأليف، وشروطه ومعاييره.

بدون أن أسأله كيف يمكن التخلّص من هذه الطبقة السياسيّة، المتجذّرة والمتحكّمة بمفاصل الوجود اللبنانيّ، وكينونته الدستوريّة والسياسيّة، قال: التخلّص يكون بانتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكرة، وبانتخاباتٍ رئاسيّةٍ مبكّرة، مستعرضًا بمنهجيّةٍ محنّكةٍ وواعية، الكيفيّات والسبل التي تنجّح هاتَين الخطوتَين، معدِّدًا ما ينبغي أنْ يترافق معهما من خطواتٍ وإجراءاتٍ تحميهما وتحصّنهما، وتكفل في الآن نفسه إزالة كابوس هذه الطبقة السياسيّة الحاكمة إلى غير رجوع.

حكايتا القنّنية والفلّينة، بصرف النظر عن الجانب المحبَّب، الفكاهيّ والهزليّ في الأولى، والجدّيّة شبه المستحيل تطبيق حيثيّاتها للوصول إلى مفاعيلها في الثانية، بسبب موازين القوى الراهنة، الداخليّة والخارجيّة، التي ترجّح كفّة الصفقات والتسويات والحلول الممهورة برائحة البزنس وتدوير الزوايا، على كفّة الانحياز إلى تحقيق مصالح البلاد المنكوبة والناس المنكوبين، وتعزيز الأمل في الوصول إلى حياةٍ وطنيّةٍ وسياسيّةٍ، من شأنها جعل "دولة لبنان الكبير" جديرةً بولادةٍ ثانيةٍ بعد مئةِ عامٍ على الولادة الأولى.

وأنا ماذا أقول عن هاتَين الحكايتَين؟
أقول للبنانيّات واللبنانيّين ما يأتي:
نحن محكومون بالأمل.

الأمل هو القنّينة. أمّا الفلّينة فهي أنتم، وذلك بمواصلة تعرية الطبقة السياسيّة تعريةً دؤوبةً، ضاغطةً، وتصاعديّةً، بِلا توقفٍ وبدون هوادةٍ، وفضحها قولًا وفكرًا وعملًا، ومنعها بالسبل الديموقراطيّة المتاحة من تجديد قدرتها على الحكم.
تذكّروا جيّدًا حكايتَي القنّينة والفلّينة. واكتبوا برؤاكم، بأنفسكم، بأجسادكم، بأحلامكم، بعقولكم، بأفكاركم، وبخطط العمل التنفيذيّة الملائمة، حكايتكم الخاصّة بالقنّينة والفلّينة. والسلام.
[email protected]
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم