الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كيف تأكل الطائفية الأحلام المدنيّة في لبنان؟ ​

المصدر: النهار
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
الطائفية تأكل الأحلام المدنية.
الطائفية تأكل الأحلام المدنية.
A+ A-

منذ تشرين 2019، وتزامناً مع بدء الانهيار الاقتصادي والتحرّكات الشعبيّة الضخمة في لبنان، لوحظ انخفاض مستوى الخطاب الطائفي، وجمع الشارع بين المختلفين طائفياً، الذين توحّدوا تحت راية الحقوق والمطالب الاجتماعية، والذين جاؤوا من مُختلف الطوائف والمناطق والانتماءات السياسية والاجتماعية في وجهِ الطّبقة الحاكمة، الّتي استفحلت فيها أشكال المحسوبيّة والفساد على مدى عقود طويلة.

 

بدت هذه التحرّكات كأنّها تمسّ الطبقة السياسية المتجذّرة في النظام السياسي الذي تكرّس باتّفاق الطائف، والذي ساعدَ الأحزاب السياسية الحاكمة على احتكار الاقتصاد وإحكامِ سيطرتها على الحكومة والمؤسسات العامّة؛ هذه الأحزاب التي أقامت تحالفاً بين الدين والسياسة من خلال عقود اجتماعية تنحاز إلى حقوق الطوائف على حساب المواطنة والمواطنين، ما جعل  الطوائف ممرّاً إلزاميّاً للّبنانيين.

وبَنَت معظم الأحزاب السياسية شعبيّتها على الدفاع عن حقوق طوائفها في مؤسّسات الدولة ومواردها العامة؛ وعبر إنشاء شبكات ضمن هذه المرافق تضمن بقاءها، وتُعلّق الناس بها، وأقرّت قوانين انتخابية تكرّس لها استمراريّتها.

 

التحالف المتجذّر

 

هذا التجذّر في الحياة السياسية والعامة، وهذا التحالف بين المؤسّسات السياسية والدينية، أثبت أنّه ليس من السهل اختراقه، فردّ على الحركة الشعبية عبر إعادة تخويف الطوائف من بعضها بافتعال أحداث عنفيّة ذات أبعاد طائفيّة لإثبات أن أيّ محاولة للمساس بالنظام او بأحزابه الحاكمة قد تؤثر في الاستقرار والتعدّدية، وهذا ما بدا مؤخّراً بإظهار أيّ تحرّك شعبيّ موجّهاً ضدّ طائفة محدّدة، أو يرتبط بدول تريد استهداف طائفة. وما يجري في قضيّة المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت أعطى دليلاً واضحاً على كيفية تحويل الأحزاب قضية تتعلّق بكارثة حلّت ببلد إلى قضيّة تستهدف طائفة، وتُوجّهها بوجه طائفة أخرى.

 

الطائفية... أداة

 

وفي هذا الإطار، يعتبر الباحث في معهد كارنيغي مهنّد الحاج علي أن "الطائفيّة أداة بيد السياسيين"، مستشهداً بالمعركة التي تخاض بوجه المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي البيطار.

ويرى أنّه تمّت هندسة مظاهرة معيّنة لتنتهي بتصادم طائفي، من أجل جرّ ردود فعل معيّنة، وهذا ما جرى بالفعل، وأطلق معركة جديدة استخدمها "حزب الله" في حربه ضدّ البيطار. فالطائفيّة من أسهل الأدوات، التي تستعملها الأحزاب الحاكمة، من أجل التخويف والتخوين، وشدّ عصب جمهورها من منطلق الخوف على الطائفة.

 

فشل "التيار المدني"

 

ويردّ الحاج علي ضعف أو فشل التيار المدنيّ اللبناني إلى العامل الذاتي الذي فشل في الخروج من قوقعته، ولم يستطع التوسّع نحو مختلف أطياف المجتمع اللبناني؛ بمعنى آخر لم يستطع الخروج من الطبقات الوسطى وخلق قاعدة له في باقي الطبقات، خصوصاً الفقيرة. أضف الى أنّ التيّار لم يستطع بناء خطاب سياسيّ موحّد، يتوجّه به إلى الناس، في مقابل قدرات هائلة عند الأطراف السياسية التي تمتلك جميع الأدوات الدينية والمادية الهائلة والإعلاميّة.

ويستدرك الباحث بأن همّ الناس حالياً أصبح تأمين أساسيّات العيش، ولم يعودوا يملكون ترف العمل السياسيّ، في وقت نجحت القوى الحاكمة في جرّ النّاس نحو التيئيس والسّعي للبقاء فقط، مشدّداً على أنّ القوى السياسية الحاكمة انتقلت إلى مرحلة جديدة، وهي استعمال سياسة العصا والعنف الذي تراه ضرورة حالياً، بعدما كانت تستعمل سياسة الجزرة عبر الرّشى والتوظيف.

ويُشبّه الحاج علي الوضع القائم حالياً بما يجري على المستوى الاقتصادي في لبنان، حيث هناك سوق شرعيّة ضعيفة وواهنة تمثّل الناس والتيّار المدنيّ في داخله، وسوق سوداء قويّة ومقتدرة تمثّلها النخب الحاكمة، وهي تتحكّم بالسوق بشكل عام.

 

الكذبة الأكبر

 

ويستبعد أن تؤدّي الانتخابات النيابية المقبلة إلى أيّ تغيير حقيقيّ في الوقت الراهن، فليس هناك فرص متكافئة بين الطرفين؛ فهناك من يملك المؤسّسات الدينية، ولديه شبكة هائلة في المؤسسات العامة، إضافة إلى الإعلام والتمويل الهائل، في مقابل فئة لا تمتلك أيّ شيئ من هؤلاء، مُشيراً إلى أن الكذبة الأكبر التي تطلقها السلطة الحاكمة هي تمويل المنظمات المدنية من الخارج في حين أنّها هي التي ضربت الاقتصاد، وسرقت أموال الدولة والناس لإعادة استعمالها في الانتخابات.

 

تغيير على المدى الطويل

 

ولكنّه في المقابل يرى أن التغيير سيحصل على المدى الطويل، رادّاً الأمر إلى أسباب عدّة، منها أن الاقتصاد الريعيّ المعتمد على التوظيف والإنفاق، والذي أدّى إلى السيطرة على جميع مفاصل الدولة بدأ بالانهيار، ما ينتهي إلى تراجع هذه السيطرة. ومن المؤكّد أنّه سيتمّ التأسيس لاقتصاد بديل مكانه، لن يوفّر الحماية لهذه الطبقة، ولن يؤمّن لها التمويل اللازم.

 

من جهة أخرى، يبدو أن التوريث السياسيّ لم ينجح، خصوصاً أن الوقائع الحالية أثبتت أن الورثة لم ينجحوا في إكمال مسيرة الآباء، وبالتالي سيكون هناك ثغرة تتسلّل منها النخب الجديدة التي تملك طروحات جديدة وواقعيّة ومنطقيّة. لكنّ هناك خشيته من أزمة الكفاءات بعد موجات الهجرة وإفراغ البلاد. أما إعادة النظر في النظام السياسيّ القائم حاليّاً فهي "حتمية".

 

الشّارع ليس ملكاً لأحد

 

إلى ذلك، يرى الأستاذ الجامعي والناشط السياسي علي مراد أن الطائفية تشكّل تحدّياً جدّياً في المجتمع اللبناني، خصوصاً في أوقات الأزمات والانهيارات، واضمحلال الدولة، إذ تقوم النّاس عادةً بردّة إلى الاصطفافات البدائيّة بسبب الخوف وطلب الحماية.

 

ويعتبر في حديث لـ"النهار" أن التيار المدنيّ في لبنان جمع حوله رأياً عامّاً كبيراً، بالرغم من التهديد بالعنف والسلاح، وهو لا يزال ثابتاً ولم يتغيّر، وصحيح أنه قد لا يُمكن "تقريشه" في المرحلة المقبلة أصواتاً انتخابيّة نتيجة عوامل عديدة أهمّها الخوف.

 

ويضيف مراد أن الأيّام التي سبقت أثبتت أنّ الشّارع ليس ملكاً لأحد، وهناك تعقيدات كبيرة في المجتمع اللبناني تحتاج إلى وقت أطول لتجاوزها؛ فمثلاً هناك إمكانية لإسقاط حكومة، وهذا قد جرى بالفعل عبر إسقاط حكومتين في الشارع، لكنّه في المقابل لم يملك الشارع الأدوات اللازمة أو القوّة لتشكيل حكومة بديلة.

وفي رأي مراد، هناك بعض التيارات قد استعجلت الحكم، وأخطأت عندما اعتبرت نفسها جاهزة لتولّي السلطة، في وقت لم تكن جاهزة بالفعل لذلك، ما دفع الناس إلى اليأس بعض الشيئ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم