الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هذا العرضُ المسرحيُّ غير الأشمّ

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
الجحيم.
الجحيم.
A+ A-

لو كانت القضيّةُ قضيّةَ مسخرةٍ وإضحاكٍ وخفّةٍ وتفريجٍ عن الكرب وهزلٍ وهجاءٍ ونقد، لقلنا إنّ المسرحيّةَ التي يتجدّد عرضها عندنا كلّ يوم، وتُضاف إليها كلّ يوم مقبِّلاتٌ ومحفِّزاتٌ وتفاصيلَ وبهارات، هي مسرحيّةٌ تنتمي إلى ما اصطُلِح على تسميته "مسرح الساعة العاشرة"، وهو نوعٌ شعبيٌّ هزليٌّ ساخر، حقّق شهرةً واسعةً، وحظي بمتابعاتٍ واسعة، لأنّه "خفيف نضيف"، يضرب على الوتر الحسّاس، ويعقص، لكنّه في الآن نفسه يُريح، وينفّس الاحتقان. وعند إسدال الستار على العرض، يذهب الجميع إلى بيوتهم سعداء، مغبوطين، آمنين، مطمئنّين.

لكنّ العرضَ المسرحيَّ اللبنانيَّ المستمرّ هذا، ليس من النوع "الفودفيليّ" الساخر والهزليّ قطعًا. إنّه مسرحٌ دنيءٌ، بشعٌ، مُقرِفٌ، مُقزِّزٌ، ومُثيرٌ للغثيان والتقيّؤ. لكنّه خصوصًا تراجيديٌّ، مأسويٌّ، كارثيٌّ، قياميٌّ، أبوكاليبتيّ، نيرونيٌّ، كاليغوليٌّ، للغاية. ولا حدود.

وإذا ثمّة سخريّةٌ فيه، فهي السوداءُ حصرًا، الحالكةُ، المدلهمّةُ، التي تنزّ، كما تنزّ الروح، بعد أنْ تُصاب بالطعنة القاتلة النجلاء.

وإذا شاء المتلقّي أو المراقب، أنْ يعرف "السبب"، أفلا يكفيه – مثلًا - أنْ يُعدّد أسماء "الأبطال" في هذه المسرحيّة، لكي يدرك أنّ المسألة ليست "لعبة"؟!

"الأبطال" هؤلاء، هم على التوالي، مع حفظ الألقاب طبعًا: وليُّ الرعبِ الرهيب، وأصحابُ الرئاسات، والزعامات، والأمانات، والولايات، وأهلُ الأحزاب والتيّارات والحركات والقيادات جمعاء، وعلى كلّ المستويات. ولا استثناء.

ليس كثيرًا، والحال هذه، أنْ يكون العرضُ المسرحيُّ اللبنانيُّ المتواصل، "بطوليًّا"، و"قياميًّا"، لأنّه من فعائل "الأبطال القياميّين"، وشيمهم، وقيمهم، ومفاهيمهم، ومعتقداتهم، وسلطاتهم، ورؤاهم الواقعيّة والغيبيّة على السواء.

للعلم والخبر، لن يتوقّف هذا العرضُ المسرحيُّ المتواصلُ، ما دام "المايسترو"، أو "المخرج"، وهو كاتبُ المسرحيّة، ومؤدلجُها، ومنفّذُها، ومروّجُها، وصاحبُ مسرحها، والساهرُ على استمرارها، طويلَ الباع، عزيزَ الجانب، وعظيمَ السؤدد.

هذا العرضُ المسرحيُّ غير الأشمّ، المتواصلُ منذ التسعينات، بنجاحٍ تصاعديٍّ باهرٍ ومطّرد، ينمو، ويزدهر، لأنّه يتغذّى بـ"الجماهير" أو "الشعوب" التي لا تتأخّر عن حضوره، وتكرار الحضور، بأمانةٍ وولاءٍ وشغفٍ، ما بعدها أمانةٌ وولاءٌ وشغف. حتّى ليبدو العرضُ هذا، أمام الناظر إليه من مسافة، "أبديًّا"، سرمديًّا، وإلى آخر الزمان، ببركاتِ إسرائيل وسوريا وإيران والسعوديّة ودول الخليج العربيّ برمّته، وموسكو، والولايات المتّحدة الأمركيّة، معًا وفي آنٍ واحد.

ملاحظة على هامش العرض. بل في متنه: ليس لهذه المسرحيّة أنْ تستمرّ، عندما يقرّر رافضو العرض، ومناهضوه، ومشرّدوه، وموجوعوه، وضحاياه، وقتلاه، أنْ ينهضوا من كبوتهم، ليغلقوا خشبة العرض، بوسائلهم وأساليبهم، التي يرونها مناسبة.

في انتظار ذلك، سيظلّ العرضُ الشنيعُ هذا مستمرًّا، وسيظلّ ثمن تذكرة الحضور مدفوعًا سلفًا. والسلام!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم