عنوان هذه المداخلة نستلهمه من المفكر الفرنسي المعروف باسم "ألان"، وهو بكلامه المشهور عن ضرورة "أن نكمل مرحلة ما، قبل أن نبدأ مرحلة جديدة" يسلّط الضوء على معابر مفصلية في تاريخ دولة أو في تنظيم جماعة، ويشير إلى تأمين الشروط المطلوبة لأي إصلاح كي يتأمّن له النجاح، فلا يتعرّض لنكسات تؤدي به إلى ضياع الغايات المنشودة من ورائه وإلى تحويل الوسائل المتاحة في سبيله إلى معوقات جديدة. وليس من الصعوبة بمكان أن نتأكّد من هذا الامر، إذا ما عدنا في تاريخ لبنان الى التسويات الكبرى التي عرفتها البلاد، منذ تأسيس المتصرّفية في أواسط القرن التاسع عشر، مروراً بإعلان دولة لبنان الكبير منذ مئة عام بالتحديد، ووصولاً إلى اتفاق الطائف الذي لم يمر على عقده أكثر من ثلاثين سنة إلى الآن، فإن كل هذه التسويات قد صيغت في أعقاب حروب ونكسات، محلية كانت أم ذات امتدادات عالمية ومن جرّاء تأثيرات متنوعة في مسارها واضحة الصور والمعالم.أمّا في الظرف الراهن، فإنّ أية مبادرة إصلاحية عميقة في لبنان وفي خضم الأزمة الخانقة التي نعاني منها، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وحتى سياسيًّا. فإنّها لن تأتي في وقتها الملائم ولا في زمانها الصحيح، وهي لن يكتب لها أي نجاح ما دامت النار مشتعلة في بيتنا الوطني وتهدّده بتحويل محتوياته كلها إلى رماد. بل المطلوب اليوم، وبكل إلحاح، هو اطفاء الحريق بالأولوية لكي يبقى لنا بيت نسكن فيه ووطن نصوغ من أجله أنظمة وتسويات، وإلاّ فعلى الدنيا السلام.وتبيانًا لهذه المعادلة نذكر على سبيل المثال لا الحصر، بعض الأخطار القاتلة التي يتعرّض لها اللبنانيون حاليًّا والتي تتطلب معالجة سريعة قبل الولوج في أي اصلاح بنيوي للنظام، لا يمكن الوصول إلى خواتيمه السعيدة قبل عملٍ مضنٍ قد يدوم سنوات. الخطر الأول الذي يهدد مستقبل لبنان واللبنانيين ينجم عن ضياع أموال المودعين التي تبخّرت في المصارف بسحر ساحر وبشكل لم يعرف العالم له مثيلاً من ذي قبل، وهي تمثل لأصحابها جنى العمر ووسيلة ضمان الحياة الكريمة في يومهم وفي غدهم، لهم ولعيالهم على السواء. إنّ هذه النكسة السوداء في حاضر لبنان والرامية بثقلها على مستقبلهم بالذات، لا يتحمّل ضحاياها أية مسؤولية في حصولها. فلا ذنب عليهم اقترفوه وصولاً إلى هذه الحال ولا طاقة لهم بحملها، ولا سيما أن هذه الاموال اذا ما فُقدت نهائيًّا لا سمح الله، ستحوّل...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول