الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

لعنةُ لبنان

عقل العويط
عقل العويط
منمنمة من القرن السابع عشر تمثل أبرهة الأشرم قائد جيش الحبشة وقد جاء ليهدم الكعبة مصحوباً بفيلة كبيرة
منمنمة من القرن السابع عشر تمثل أبرهة الأشرم قائد جيش الحبشة وقد جاء ليهدم الكعبة مصحوباً بفيلة كبيرة
A+ A-
 
 
أُحِبُّهُ أكثر، وأتعلّقُ به أكثر، كلّما تراكمتْ همومُهُ، وانهالتْ عليه، من كلِّ فجٍ عميقٍ، ومن كلِّ حدبٍ وصوبٍ، المشقّاتُ، والأهوالُ، والكوارثُ، والويلات، وسُدَّتْ في وجهِهِ سبلُ النجاة.
بَدَلَ اليأسِ منه، لا أرى فيه إلّا الأمل.
بَدَلَ الكفرِ به، لا ألمحُ إلّا الإيمان.
 
أنا اليائسُ من كلِّ شيءٍ، والمشكِّكُ في كلِّ شيءٍ، لا أرى في لبنانَ إلّا الأملَ، ولا ألمحُ فيه إلّا الإيمان.
تنهالُ عليَّ (وعلى كثيراتٍ وكثيرين) أوجاعُ لبنان، فأكادُ أقعُ تحت أثقالها. بل أقع. بل أقع. لكنّي، بدلَ أنْ أركعَ وأُطأطئ، أجدُني أزدادُ رسوخًا في العاصفة، وأجدُني أزدادُ يقينًا بأنّ هذا كلَّه ليس إلّا ثمنًا بخسًا في امتحانِ استحقاقِ لبنان الاستحقاقَ المتواصلَ وغيرَ القابلِ للانتهاء.
ليُستَحَقَّ لبنان، لا بدّ من البذلِ في سبيله، ومن القبولِ به، والانتماءِ إليه، مجّانًا، وفي أحواله كلّها، وخصوصًا هذه الأحوال.
بخلافِ كلِّ الذين يتَعلّقون به، باعتبارِهِ – فحسب - أرضَ هناءٍ وطمأنينةٍ وبحبوحةٍ وغنًى وكَرَمٍ وفرحٍ وجمالٍ وسعادةٍ وحرّيّةٍ، وبخلاف كلِّ مَن يتخلّى عنه، ويتركه يرزح وحيدًا تحت الضيق، وبخلاف كلِّ مَن يجعله – كما الآن - أرضَ شقاءٍ وقلقٍ وشظفٍ وفقرٍ وبُخْلٍ وحزنٍ وبشاعةٍ وتعاسةٍ وظلمٍ واستبداد، ازدادُ (على غرار كثيراتٍ وكثيرين) انتماءً إليه، باعتباره حاجةً عقليّةً وواقعيّةً، لا فحسب حاجةً وجدانيّةً وشعريّةً.
أكرّر: باعتباره حاجةً عقليّةً وواقعيّةً.
 
سحقًا لهؤلاء. سحقًا لهؤلاء.
وملعونٌ في مشارقِ الأرض والمغارب، كلُّ مَن ينتظر ربحًا من "انتمائه" الفرّيسيِّ الانتهازيِّ اللئيمِ الرخيصِ الكاذبِ الخبيثِ الماكرِ النذلِ الخسيسِ إلى لبنان. 
وملعونٌ كلُّ مَن يطلب حصّةً فيه. 
وملعونٌ كلُّ مَن يحاول أنْ يصادره، أو أنْ ينال منه، أو أنْ يستولي غصبًا – وطمعًا ووصايةً واحتلالًا - على قطعة أرضٍ، ومنطقةٍ، وحبّةِ ترابٍ فيه. 
سحقًا. سحقًا.
إذا لم "تفهم" السياسةُ هذا اللبنانَ، باعتباره حاجةً – عقليّةً وواقعيّةً وإنسانيّةً – مطلقةً لذاته، ولمنطقته، وللعالم، وإذا لم "تفهمه" باعتباره اختبارًا لامتناهيًا للعقل والحكمة أوّلًا وأخيرًا وبين بين، واستحقاقًا غيرَ قابلٍ للمساومة، وإذا - من ثَمَّ – لم "تفهمه" باعتباره ما شاء الشعراءُ والكتّابُ والفلاسفةُ والعقّالُ أن يعثروا عليه فيه من المعاني، ويطلقوا عليه من الأوصاف، فلتذهب السياسةُ والسياسيّون إلى الجحيم السابعة، وليذهب إلى هذه الجحيم، في المعيّة، أهلُ الطوائف والمذاهب والمناطق والعشائر والعصابات، والأحزابُ والتيّارات والميليشيات، وكلُّ مَن يلفُّ لفَّ هؤلاء، سرًّا وعلنًا، وبين بين، في الداخل وفي الخارجَين الإقليميّ والعالميّ على السواء.
 
ثأرًا للبنان، فلتلاحق اللعنةُ الحارقةُ الباهرةُ الماحقةُ هؤلاء، كلَّ هؤلاء، ولتلاحق أولادهم، وذرّيّاتهم، والسلالات، إلى أقاصي المعمورة.
... وبعد،
 
ومن أجل أنْ يكون لهذا المقال مغزًى مباشرٌ، وفوريٌّ، فليفهم الذين يساهمون في اغتيال فرصة الخلاص (السياسيّة، وعلى علّاتها) المتواضعة، الضئيلة، لكن المتاحة الآن، أنّ هذه اللعنة ستحلّ عليهم طيرًا أبابيل: "ألمْ تَرَ كيف فعل رَبُّكَ بأصحاب الفيل. أَلَمْ يجعلْ كيدهم في تضليلٍ. وأرسل عليهم طيرًا أبابيلَ. ترميهم بحجارةٍ من سِجِّيلٍ. فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ" (قرآن كريم).

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم