الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أين "الثورة"؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
جدارية تعبيرية تحكي خوف المدينة. (نبيل اسماعيل)
جدارية تعبيرية تحكي خوف المدينة. (نبيل اسماعيل)
A+ A-

لم تفرز الثّورة تدخّلات محوريّة لكفّ انحلال الدّولة، فيما تتصلّب وتتسلّط أركان النظام اللبناني بالرغم من تأسيس الثورة على إسقاطهم "كلّن يعني كلّن". تغرقنا المنظومة بمآسٍ صحية واقتصادية وأمنية طردت الثورة من مزاج مئات آلاف اللبنانيين، وكنّست ساحات الاحتجاج، كأنّ إرادة بالتغيير لم تكن. غير أنّ العبر ضروريّة وتغيير المسار ممكن.

في هذا السياق نستحضر مقالاً للكاتب السياسي جهاد الزين الذي طرح في كانون الأول 2019 سؤالاً ليس من صراحته بدّ: "هل هي قوة النظام السياسي الذي اعتبره البعض رغم تبعيته وتفككه "أقوى نظام سياسيّ في العالم العربي"، من حيث القدرة على الاستمرار أم هو ضعف الثورة؟"

بعد عامين على اندلاعها، ننتقل إلى هذا المستوى من التقييم مع باحثين وفاعلين في قوى التغيير لنتناول "لا قوّة الثورة وحدها بل ضعفها أيضاً، وأساساً".

(نبيل اسماعيل)

 

أمين عيسى- عضو مجلس حزب الكتلة الوطنية: "المشروع السياسي تأخّر"

الخطأ الأكبر بدأ أولاً في تسميتها بـ"ثورة"، لأنّ الثورة في علم السياسة عادة ما تهدف الى إطاحة النظام وطبقة بمكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على نحو الثورة الفرنسية، التي أسقطت النظام الملكي وأودت بالاقطاع والاكليروس كطبقة، أو ما انجزته الثورة البولشيفية بتحويل النظام من ملكي تسيطر فيه، وقضت على طبقة البورجوازية لصالح طبقة البلوريتاريا. نحن نريد أن نطبّق النظام البرلماني وتطويره وتطهيره من الشوائب وتغيير أركان السلطة، لأنّ النظام اللبناني في تأسيسه منذ العام 1943 كان نظاماً علمانياً، وميثاق الطوائف كان يفترض أن يطبّق لفترة موقّتة الأمر الذي لم يحدث، وهذا ما تطالب به الانتفاضة على الواقع القائم.

 

وعلينا ألّا نتجاهل الأثر الملموس الذي حققته هذه الانتفاضة في انتخابات نقابة المحامين والمهندسين والطلاب، فيما هي آخذة بإرباك السلطة منذ سنتين، وتزخيم رفض الشارع لممارستها. ونتذكّر في السياق أنّ الانتفاضة تنقسم الى مرحلتين، مرحلة الرفض الواضح الذي عكسته الساحات، ومرحلة طرح البدائل، وبدونها من الصعب تغيير خيارات الشارع. فلبنان على امتداده لم يلحظ مشروعاً سياسياً يقنع كبديل عن أحزاب السلطة الحالية، وأعتقد أنّنا تأخّرنا في بلورة هذا البديل أو طرح برنامج عابر للمناطق إلّا بحدود الاستثناءات. ففي العملية الانتخابية يجسّد خيار الناخب ردّ فعل تعوّد عليه، فإمّا ينتخب نفس الوجوه أو ينكفىء في بيته إن لم نقدّم له البديل المقنع.

 

في سياق متصل، نحن نحرص في "الكتلة الوطنية" على التحضير لهذه الحالة البديلة ضمن نطاقنا، فدأبنا منذ نحو 5 شهور على طرح برنامجنا عبر المناطق ضمن لقاءات مع المواطنين والتواصل إلكترونياً لاستقطاب الآراء حول الورقة المنشورة على منصّاتنا.

 

من الضروري عدم تناول الانتخابات النيابية كمفصل، إنّما محطّة دستوريّة قادرة على خلق ديناميكية جديدة بداخل مجلس النواب من خلال ممثلين تغييريين. ولا نعتقد أنهم سيشكلون بالضرورة الأكثريّة لكنهم سينجحون باختبار أداء التغييري والمحاسبة وإحراج السلطة، ومن شأن هذه الديناميكية الجديدة أن تبرهن وجود البديل وتمتين رهانات اللبنانيين على هذا البديل.

من احتجاجات الشارع. (الصورة عن "أ.ف.ب").

 

نوال المعوشي- ناشطة : "تحدّيات النفس الثوري والانتخابات"

ثمّة عوامل خارجية تداعت ضدّ الثورة: أوّلاً، انتشار "كورونا" والحجر المفروض من الدولة، ما منع التجمّع وحتى الاجتماع. ثانياً، التردّي الاقتصادي الّذي أعاق استقطاب وفود المناطق اللبنانية ضمن تظاهرات كبرى. ثالثاً، خرق مجموعات ومراسلات الثورة لتسريب معلومات وخطوات للسلطة فتنجح في تفشيلها أو التحسّب لها.

وثمّة عامل لم نحتَط له إذ لم نولِ جهوداً كبيرة لتوعية الرأي العام الذي يظنّ أنّ الثورة التي اندلعت في 17 تشرين الأول 2019، ستقلب موازين الحكم في 3 كانون الأول 2019 كحدّ أقصى. الناس غير محصّنة ضدّ الإحباط، لأنّ الغالبية تفتقر للنضج التاريخي، مما يحول دون النفس التغييري الطويل والطبيعي، الذي نقرأه في الثورات السابقة كالثورة التشيكوسلوفاكية والثورة السوفييتية اللتين استغرقتا 8 سنوات، والثورة الفرنسية التي سالت لها الدماء لـ10 سنوات وحصدت مليون شهيد، وتغيّر المسار بانقلاب بونابرت، استتبع بحقبات ثورة متجدّدة طيلة 100 سنة تقريباً. نحن أردناها منذ البداية ثورة سلمية، وهذا ما سيلغي فصلاً كاملاً من "الانتصارات" إن صحّ الاسم.

 
 

داخلياً، تشتّتت الثورة في عشرات المجموعات خلال الشهور الأولى، وكانت كلّ منها تقف بمفردها تحت شعار "أنا الثورة". وحين انضوت ضمن 6 تجمعات كبرى، زادت المبارزات على حساب القضية.

علاوة على ذلك، تنقسم "الثورة" ضمن رأيين يدوران حول المشاركة في الانتخابات أو عدمها. في حال انكفأ قسم عن خوضها، سيضعف تمثيل القوى التغييرية، وتشتيت هذه الأخيرة من الداخل سيمنيها بضربة إضافية، الأمر الّذي عاشته قوى 14 آذار في انتخابات عام 2009. حتى لا نغوص في التشاؤم، ثمّة رهان على لحظة الوعي، التي جدّدت تظاهرة 4 آب هذه السنة، وحقّقت انتصارنا في نقابة المهندسين وكنا ظننّاها في قبضة السلطة، وفوز المستقلين في الانتخابات الطلابية في الجامعة الأميركية ببيروت.

بالنتيجة والأهمّ، لم نقدّم خطّة بديلة؛ وإذ اتفقت مجموعاتنا على سيادة لبنان، ودولة القانون، واستقلالية القضاء، وتطبيق الدستور، والتزام القرارات الدولية، وهيكلة النظام المصرفي، والاتفاقات مع صندوق النقد الدولي، وترميم الشبكة الاجتماعية والبنى التحتية، وإعادة موقع لبنان عربياً ودولياً... إلّا أنّ السؤال الأساسي والذي لم نتفق عليه هو "كيف" نضع هذه المبادىء على سكّة التطبيق؟

 
 

دانية قليلات الخطيب- رئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات: "أين انتخابات الاستئناس؟"

الثورة مشرذمة، وهذا لا يعني أنّ ضمن المجتمعات التعددية، سنتوقع تطابق آراء الثوار، وأن يحمل هؤلاء نفس التصوّر حول الوطن، لكنّ اتفاقهم الأوّلي على خلع المنظومة انحرف، فاتّجه البعض نحو محاربة السلاح غير الشرعي، أو محاربة الفساد. وعلى خلفية هذا العنوان تحديداً انضمّ القوات والكتائب إلى الثورة، مسندين موقفيهما لعدم تورّطهما في ملفّات فساد، لكنّهما نهاية الأمر ينتميان للمنظومة، الأمر الّذي أسقط هدف اقتلاع المنظومة.

ولم تنجح الثورة في خلق بنية يفترض بها أن تشكّل قوة سياسيّة تواجه المنظومة.

أتوقّف هنا عند الانتخابات النيابية القادمة، متسائلة عن نوع التحضير الذي بدأته قوى التغيير؛ إن كانت تتبع خطة جدية، أعتقد أنّه من المفيد لها القيام بـ"انتخابات الاستئناس" (Primary elections) لقياس التنافسية ومعرفة من الأقوى في وقوفه ضدّ المنظومة، الأمر غير الوارد عندها.

نحن شهدنا على الثورة الطاحنة في العراق، التي دفع ثمنها نحو 600 مناضل في أرواحهم، إلّا أنّ الانتخابات النيابية صبّت لصالح القوى التقليدية. غير أنّ احتجاجات 17 تشرين لم تنظّم نفسها بالشكل الكافي لتحدث "ثورة"، قد تتناسل عنها أمثلة من ثورات ساحقة، كالثورة الفرنسية أو الايرانية. يمكن القول أن "17 تشرين" هي بداية تغيير مجتمعي يبدّل نظرة الناس للدولة والسلطة، وستحدث عاجلاً أم آجلاً تغييراً سياسياً.

 

 

نبيل حسن- ناشط في الثورة : "انفصام جوهريّ وفرص مجهضة"

تبيّن بعد مرور عامين أنّ لـ"الثورة" مدرستين تتّبع كلّ منهما طريقها، ممّا أسّس لاختلاف جوهري: فريق إصلاحي هدفه تغيير الموجودين في السلطة ضمن النظام نفسه، ويدعو لإجراء الانتخابات، ويرى أنّ التحالف مع أحزاب أو وجوه في السلطة ضرورة كشركاء مصلحة على اعتبار أنّ كيان لبنان مهدّد، والمتاح هو تشكيل مرحلة سياسية عنوانها الإصلاح لأنّ الثورة انتهت. وثمّة رأي آخر يجد أنّ النظام يتفكّك، ولا فرصة لديه في إنقاذ نفسه، لذلك يجب ضرب بنيته، وبالتالي من المخالف للثورة أن أمدّ اليد لأسماء في السلطة (أمثال النائبين فرام ومعوّض وحزبي القوات والكتائب)، أو أشارك في حكومة أو انتخابات في ظلّها. لا تجد النظرتان نقاط تلاقٍ فيما بينهما، فانقسم من بدأوا الثورة، أضف إليهم "راكبي الموجة" أو "المتسلّقين" مبهمي الخلفيات والغاية.

وظهرت نقطة ضعف ثانية في عدم استغلال "الثورة" للحظات هامة، منها خطّة حسان دياب الإصلاحية الاقتصادية الموجّهة ضدّ المصارف، التي وبرغم مساوئها كانت أفضل ما طُرح، لكنّ الثورة لم تفرّق بين "النفس الثوري" وبين تقديم نفسها كلاعب سياسي أساسي في البلد. في مفصل ثانٍ، لم يمسك الثوار لحظة انفجار 4 آب، ولم يتحوّل خطابهم السياسي في 8 آب بعد إسقاط كلّ شرعية عن النظام. وتدخّل مجتمع دولي، كان لربما يفتّش عن شريك محلي بديل، لكنّ "الثورة" لم تفرض نفسها على هذا المستوى ولم تأخذ في اعتبارها مصالح الدول. حينها استنتج المجتمع الدولي أنّ مصلحته مع النظام الحالي، فصرف النظر عن اقتلاعه وقرر إحياءه من جديد.

هذا يأخذنا إلى خيار المواطن في الانتخابات النيابية، ويبدأ من سؤال كان يجول منذ سنة: هل نعيش حالة ثورية أم لا؟ لذا أستبعد أن تقلب "الثورة" المعادلة في الانتخابات المقبلة، ومن يفز بها سيكون إمّا شريكاً سابقاً في السلطة أو متحالفاً معه، فالتاريخ علمنا أن انتخابات "ما بعد الثورة" تفوز بها المجموعات الأكثر تنظيماً، مثل "الإخوان" في مصر، والعسكر في السودان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم