الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

طارت

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
لوحة منصور الهبر.
لوحة منصور الهبر.
A+ A-
طارت. أقصد الاستشارات النيابيّة الملزمة التي كان من المفترض أنْ يُجريها رئيس الجمهوريّة، وخصوصًا بعد قوله المدوّي خلال لقائه مَن أراد أنْ يكلّف نفسه بنفسه، إنّ التأليف ضرورةٌ قصوى لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل التأجيل.
فمساء أمس أرجأ فخامة الرئيس، المؤتمَن على الدستور، موعد إجراء هذه الاستشارات، لأسبابٍ تعليليّةٍ قد يبلعها البعض وقد لا تكون، هي، قابلةً للبلع. 
لكن لا عجب. ففي بلادٍ كهذه البلاد، وتحت حكم طبقةٍ سياسيّةٍ كهذه الطبقة المريعة، لا عجب في أنْ يحصل ما يحصل، لا في السياسة فحسب، بل في كلّ المجالات والنواحي والمستويات، من انهيار الليرة، إلى الجوع، إلى الفوضى والفلتان، إلى الانفجار أو التفجير، إلى الوباء، إلى أحوال العيش والاجتماع، فضلًا عن أحوال الكرامة والحرّيّة والسيادة والاستقلال.
 
اطمئنّوا. كلّ شيءٍ بخير. بألف خيرٍ وخير.
 
أمّا الذين استنكروا ويستنكرون "طيران" الاستشارات، بعد إرجائها على يد رئيس الجمهوريّة الشديد الحرص على الإسراع في التأليف، فأقول لهم: حسنًا أنّها طارت. لأنّها لو لم تطر – أو تُطيَّر لحكمةٍ رئاسيّةٍ – لكان طرأ طارئٌ آخر بالتأكيد طيّر التكليف والتأليف. على كلّ حالّ، شو صاير، ففي التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة.
 
أمّا مَن كلّف نفسه بنفسه القيام بعملية التكليف والتأليف، فلا بدّ من أنْ يكون قد أصيب بدوخةٍ شديدةٍ للغاية بعد تنازلاته الجمّة و"الكفوف" المفرقعة التي توالت عليه وجاءته من حيث يدري ولا يدري. نرجو له ولمَن معه الاستيقاظ وعودة الأحوال سريعًا إلى طبيعتها.
 
أمّا الذين "يرقّصون" جميع مَن في الداخل على إيقاعاتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ، سياسيّةٍ وطائفيّةٍ ومذهبيّةٍ وعسكريّة، فلا بدّ – حيالهم -من الاستعانة بالصبر على الفجيعة، وبحكمة المثل القائل "على الباغي تدور الدوائر". وقد بغى هذا الباغي كثيرًا وطويلًا.
 
وبعد، فلننظر إلى ما حولنا. فلننظر جيّدًا وبإمعان. ها هم الناس يواصلون عيشهم بشكلٍ طبيعيّ. وها هي الأعمال والأشغال بخير. والدولار بخير. والأسعار بخير. والبنوك بخير. والبنزين بخير. والمازوت بخير. والكهرباء بخير. والأمن بخير. والدواء بخير. والصحّة بخير. والتلامذة في المدارس بخير.
 
وبعد أيضًا، هل سأل أحد الذين عيّنوا موعد الاستشارات الملزمة، ثمّ "طيّروا" الموعد، وهل سأل أحد الذين أجروا الاستشارات من تلقاء أنفسهم، هل سألوا الناسَ الذين صنعوا 17 تشرين قبل عام، ماذا يريدون، ومَن يريدون، وأيّ حكمٍ وحكومةٍ يريدون، وكيف يتحقّق الإصلاح والتغيير، وإنقاذ البلاد من التفكّك والزوال والاندثار؟
 
اليوم 15 تشرين الأوّل 2020. بعد يومين يحلّ 17 الجاري، تاريخ بدء أجمل حركةٍ مدنيّةٍ علمانيّةٍ رافضةٍ للطبقة السياسيّة برمّتها، وعابرةٍ للأحزاب والتيّارات الطائفيّة والمذهبيّة، وللقوى الظلاميّة والميليشيويّة، وللمناطق، وللانقسامات والاصطفافات، هل سأل أحدُ الذين "فوق"، ماذا يريد هؤلاء الذين يرفعون عاليًا الضميرَ الجمعيَّ للمقيمين "تحت"؟
 
طارت. حسنًا وشكرًا لأنّها طارت. أمّا الآتي فأعظم!
 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم