الحريري إن كسرَ الصمت في بيروت: من قتل رفيق الحريري مستمرٌ في التعطيل

في بيروت التي قصدها إحياءً لذكرى استشهاد رفيق الحريري، كسر سعد الحريري الصمت للمرة الأولى، ولكن بكثير من التحفّظ، ممرّراً رسالة حاسمة، فهم منها أن وقت العودة لم يحن بعد. وقبل ذلك، لم يسبق أن خرج حديث سياسي مباشر عن الحريري منذ إعلان قراره تعليق عمل "تيار المستقبل" السياسي في الساحة اللبنانية.
 
لكن لا يكفي أن يشهر سعد الحريري ورقة تعليقه العمل السياسي مراراً. يحدث أن يصنع غيابه شيئاً من السياسة، تماماً كما فعل حضوره في الذكرى الـ18 لاستشهاد رفيق الحريري، ووقوفه أول من أمس في ساحة الشهداء بين حشود مناصرة متلهّفة الى زعيمها.

ورغم تصميمه على عدم الحديث في السياسة، مرّر الحريري رسائل سياسية واضحة في حديث الى الإعلاميين، مفادها أن الظروف الموضوعية التي دعته الى تعليق عمله السياسي منذ أكثر من عام لا تزال قائمة، وليس هناك ما يدعوه الى إعادة النظر في قراره راهناً، منتقداً استمرار نهج التعطيل وسوء الإدارة، ومستدركاً أنه لو كان في الحياة السياسية مع كتلة وازنة لما تمكن اليوم من تبديل أي شيء في الاستحقاق الرئاسي أو غيره.

في بيت الوسط، تدبّ الحياة ولو لساعات معدودة تستغرقها زيارة الحريري الذي يسمع من زواره من "التيار" وسياسيين وأصدقاء تقييمات مكرّرة يجمعها مشترك التأكيد على الفراغ الذي خلّفه انسحابه وعلى استعصاء ولادة بديل.

وعلمت "النهار" أن الحريري خلال لقائه بالهيكليات الإدارية في "تيار المستقبل" طلب إليهم الاستمرار بالعمل من أجل الناس، واعداً بزيادة مستوى المتابعة والمساعدة للملف الإنمائي والخدماتي. وإن استمر تعليق العمل السياسي، فإن العمل "المستقبلي" داخل النقابات مستمر. تأكيد آخر.
 
وبعد مشهدية الحشد الذي توافد الى الضريح، قال الحريري بتأثر أمام زواره إن "محبّة الناس نعمة".
 
وقصدت بيت الوسط شخصيات سياسية ودينية وديبلوماسية، ولفتت في السياق زيارة كتلة "الاعتدال الوطني" للقاء الحريري.
 
وهو يرقب التعطيل في الساحة اللبنانية، يحافظ الحريري على هدوء "القوي" المتيقّن من صحّة قرار اتخذه قبل أكثر من عام. "أنا اليوم في عالم الأعمال ولا أهتم بالتنظير"، يبادرك إن سألته قراءة السياسة الخارجية الراهنة حيال لبنان، قاطعاً الطريق على نهم صحافي في الحصول على أجوبة حول العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وغيرها من محاور النفوذ الخارجي.

انغماسه في عالم المقاولات وتمركزه في أبو ظبي الحديثة يزخمان وجهة نظره بأن الدولة في بلد كلبنان يجب أن تكون جزءاً من الحل وليست الحل كلّه، بمعنى أن الدولة يجب أن تقدّم خدمات عصرية يحتاج إليها البلد، الى جانب قطاعات متخصصة تملك القدرة والمعرفة على تسريع النموّ والأعمال بشكل رؤيوي ومنظم.

يتحرّر الحريري اليوم من عبء الشعور بالعجز، فـ"تخيّلوا أنا اليوم عندي كتلة كبيرة وما قادر أعمل شي". أكثر من ذلك، هو لا يرغب في القول "أردت الإنجاز ولكن لم أقدر وما خلّوني". العبارة باتت تحمل ما يكفي من سماجة السياسة اللبنانية. يشعر بالراحة حين يصل إلى بيروت "ولا يترتب عليّ اتخاذ أيّ قرار".

ويحرص الحريري على تمرير رسالة استناد قراره الى عدم التخلّي بل إعطاء الفرصة لجيل جديد، مذكّراً بأنه أول من استجاب لصوت انتفاضة 17 تشرين، داعياً الى إعطاء الشباب فرصة ليثبت نفسه، ويضيف: "لم يكن لديّ أيّ شيء أقدّمه في السياسة، وكنت أرى إلى أين سنصل وليس باستطاعتي فعل شيء".

ولكن الرئيس السابق ميشال عون، دعاك الى العودة للعمل السياسي. بماذا أجبته؟ "إن شاء الله".
الأكيد أن "بيتنا هنا مفتوح، السياسة ليست كل شيء بل الناس هم الأساس، وكلّ الذين كانوا اليوم في ساحة الشهداء هم ضمانة البلد ورمز الاعتدال، وأشتاق إلى لبنان كثيراً، ورغم أنّي تركتُ السياسة لم أترك ناسي". ويركّز على دور "تيار المستقبل" الإنمائي اليوم في خدمة الناس والعمل الى جانبهم في ظل الظروف التي يعيشها لبنان بعيداً من السياسة.

ويسهب في الحديث عن علّة سوء الإدارة في بلاد تتوافر فيها مقوّمات جغرافية وبشرية لتكون قلب الشرق، ضارباً المثال بنجاحات اللبنانيين في الخارج في مجالات مختلفة، ليخلص الى أن "من قتل رفيق الحريري أراد وصولنا الى هنا، وهو مستمر اليوم في التعطيل".
ورداً على سؤال حول التشرذم السني، يرى الحريري أن "المكوّن السني ليس من يعرقل اليوم انتخاب رئيس جمهورية"، مؤكداً أنّ "هناك حلفاء وخصوماً يعلّقون شمّاعة فشلهم على سعد الحريري".

وفي رأيه، إن "الميثاقية التي تهدف الى العرقلة بلا طعمة"، و"كل مين حكي عن طائفة بدو يحميها حرق دينها".

نسأله من الأقوى؟ سعد الحريري في السلطة؟ أم سعد الحريري خارج السلطة؟ يصمت قليلاً قبل أن يجيب: "لست أنا من أحكم على الأمر، أنتم تحكمون إن كان سعد الحريري خارج السلطة أقوى من سعد الحريري في السلطة".

الأكيد أن سعد الحريري اليوم أكثر راحة وتحرّراً في تموضعه، مع رصده ستاتيكو استعصاء الحلول المتمدّد.

ومع مغادرة طائرته بيروت، تنطفئ أنوار بيت الوسط على أمل تبدّل الأحوال وتبدّد الظلمة عن واقع لبنان.