الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

المطران عوده في أربعين الفاجعة: السياسيون أدمنوا الرقص على الجثث وعوض احترام الدم عدنا نسمع بالمحاصصة

المصدر: "النهار"
المطران عوده ("النهار").
المطران عوده ("النهار").
A+ A-
صلّى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، "مِنْ أَجلِ راحَةِ أَنـفُـسِ أَحِـبَّـائِنا الـرَّاقِــدين، ضَحايا الفَسادِ المُستَــشري في عُـروقِ مَسؤولينا. نصلّي من أجل راحةِ أنفسِ ضحايا أبرياء، لا ذنبَ لهم إلا أنهم يعيشون في دولةٍ ينخرُها الفسادُ والجشعُ للسلطة، وتعـمُّ فيها الفوضى واللامسؤولية إلى درجةِ التسبّـب بقتــلِ الأبرياء، وتدميرِ أحياء من العاصمة، ومنازل عديدة لمواطنين يرزَحون تحت عبء التدهور الاقتصادي والمالي". 
وقال، في عظة الأحد: "لَــقَــدْ مَــرَّ أَربَعونَ يَومًا على الـتَّــفجيرِ الرَّهـيبِ الَّذي خَضَّ قَـلبَ لُبنانَ، وهَــزَّ الضَّميرَ العالَمِيّ، أَمَّا الضَّميرُ المَحَلِّيُّ فَـلَم يهتزّْ لأَنَّـهُ ماتَ مُنذُ زَمَـنٍ بَعيد. حَـمَـلَتْ مِئاتُ العائِلاتِ صَليبَ الأَلَمِ والحُزن، وصَلاتُنا اليَومَ هِيَ مِن أَجـلِ أَنْ تَـشهَـدَ تِـلـكَ العائِلاتُ قِيامَةً حَـقـيـقِـيَّـةً لِهَذا البَـلَدِ الَّـذي، كُــلَّـما نَـهَـضَ مِنْ سَقـطَةٍ، تَعودُ سَقطَةٌ أُخرى لِـتُـغرِقَـهُ في مُستَـنـقَعٍ أَعـمَـقَ وأَنْـتَـن"، مضيفاً: "نُصَلِّي مِن أَجلِ ضَحايا مُستَشفى القِــدِّيسِ جاورِجيوس الجامِعِيّ، مِن مُـمَـرِّضاتٍ ومَرضى وذَوي مَرضَى. نُصَلِّي مِن أَجـلِ أَطفالٍ سُـلِـبَـتْ مِنهُم حَياتُـهُم قَبلَ أَن تَــنطَـلِق"، طالباً "الـرَّاحَةَ الأَبَـدِيَّـةَ لِشابَّــاتٍ وشُـبَّـانٍ تَـخَـرَّجوا مِنَ الحَياةِ قَبلَ أَن يَستَطيعوا حَـمْـلَ شَهاداتِهِم الـثَّـانَوِيَّةِ والجامِعِـيَّة، وقَـبلَ أَنْ يُشاهِدوا نَظرَةَ الـفَخرِ في أَعـيُـنِ والِديهِم. نَدعو رَبَّــنا المُحِبَّ البَشَرَ أَنْ يَـتَــغَـمَّــدَ بِواسِعِ رَحـمَـتِـهِ أُمَّهاتٍ وآباء رُحِّلوا قَبلَ أَنْ يَـتَــعَــرَّفوا عَلى مَواليدِهم الجُــدُد، أَو أَنْ يَـفـوا بِوعودِهِم الَّتي قَطَعوها لأَطفالِهِم. نُصَلِّي مِن أَجلِ شُيوخٍ أَجِلَّاءَ لَمْ يَستَطيعوا الوُصولَ إلى الـرَّاحَةِ المَـنشودَةِ في شَيخوخَةٍ مُـكَــرَّمَـة. نُصَلِّي مِنْ أَجلِ ضَحايا تَفجـيرٍ أَثـيمٍ لَمْ يُــفَــرِّقْ بَينَ عِرقٍ ولَونٍ وسِنٍّ وطائِفَة، فَـــكانَ نَموذَجًا بَـشِعًا عَــمَّــا كُــنَّـا نَـوَدُّ الوُصولَ إِلَيهِ بِـفَــرَحٍ، مِن خِلالِ بِناءِ دَولَةٍ لا تُــفَــرِّقُ بَينَ أَبنائِها، بَل تَكونُ جامِعَةً لِجَميعِ الأَطيافِ تَحتَ رايَـةٍ واحِدَةٍ شَريفَة". 
وتابع: "لقد افتدى هَـؤلاءِ الضَّحايا، إِلى أَيِّ فِـئَةٍ انتَــمَوا، بِدِمائِهِمِ الـزَّكِـيَّـة، وَطَـنًا مُـمَـزَّقًا، مُـشَرذَمًا، ينخرُه سوسُ الفساد. وبَدَلًا مِن أَنْ تُحتَــرَمَ دِماؤُهُم، عُـدْنا نَسمَعُ بِالمُحاصَصَةِ الَّتي تَزيدُ الشَّرخَ عِوَضَ اللِّحمَة. سِياسِيُّــو بِلادِنا أَدمَنوا فَــنَّ الــرَّقصِ على الجُـثَـث، لأَنَّـهُـم اعتادوا على رائِحَةِ الدِّماءِ الَّتي لَطَّخوا بِها أَيدِيهِم. لا يَأْبَهونَ إِلَّا لِجُيوبِهِم وكَراسيهِم وحِصَصِ أَحزابِهِم وتَيَّاراتِهِم، أَمَّا الإِنسانُ فلا قيمةَ له عندهم ولا وجودَ له في حساباتِهم".
وأضاف عوده: "صحيحٌ أنّ عاصمتَنا بيروت قد نُـكبتْ بانفجار المرفأ، والمشهدُ تكـرّرَ وأهلُ المدينة يعيشون ذعراً دائماً، إلاّ أنّ نكبتَها الأولى هي انعدامُ المسؤولية وغيابُ الأخلاقِ والضمير عند طبقةٍ سياسية لا تتحمّلُ المسؤولية ولا تعرفُ المحاسبة، ومجموعةٍ من الموظفـين نخرها سوسُ الفسادِ والإهمال وليس من يحاسبُ أو يعاقب"، واصفاً ما جرى عصرَ الرابع من آب بـ"الجريمة ضد الإنسانية، ضد إخوةٍ لنا فـقـدوا أرواحَهم أو أحباءَهم أو أرزاقَهم والسقـفَ الذي يؤويهم"، متسائلاً: "لماذا؟ وكيف يسمحُ إنسانٌ، مهما كبرتْ مسؤوليتُه أو صغرتْ، بجريمةٍ كهذه؟ كيف يتغاضى عن وجودِ كميةٍ هائلة من الموادِ القابلةِ للانفجار، ولمدة سنوات، في قلبِ المرفأ الموجودِ في قلبِ العاصمة؟ كيف يتجاهلُ أيُّ إنسان، مسؤولاً كبيراً كان أو صغيراً، هذا الأمر وإنْ لم يكنْ من صلاحياته؟ وهل من اعتبارٍ للصلاحيات أو التراتبية في وضعٍ كهذا؟ ألم يؤنّبْه ضميرُه ويَــقُــضّ مضجعَه؟ وهل حياةُ الإنسان رخيصةٌ إلى هذا الحدّ؟ أمام تهديدٍ ينذرُ بكارثة هل يتوقـفُ المسؤولُ أمامَ الصلاحيات؟". 
 
واعتبر عوده أنّ "الإهمالُ القاتلُ والبيروقراطيةُ المجرِمةُ والتخاذلُ الجبانُ بالإضافةِ إلى المصلحة، كلُّها تكاتـفـتْ ضد المواطنِ الضعيف والعاصمةِ الثـكـلى. وحتى اليوم، وبعد انقـضاءِ أربعينَ يوماً على الكارثة، لم يُطلعْنا أحدٌ على نتيجةِ التحـقـيـق ولم نسمعْ إلاّ ببضعةِ توقـيفاتٍ وكأنّ ما حدثَ لا يستأهلُ استنفارَ الدولة بأكملها. والمؤلمُ أكثر أنّ الحرائقَ في المرفأ تتوالى والسكانُ هلعون، والأطفالُ خائفـون، وليس مَنْ يُـطمئِـنُ أو يُثلجُ القلب"، مضيفاً: "مسكينٌ ابنُ بلادي. مسكينٌ مَنْ تشبّثَ بأرضه وقــرّرَ أن يجاهدَ للعيش فيها. مسكيناتٌ الممرضاتُ الأربعُ اللواتي فـقـدنَ أرواحهنّ في مستشفى القديس جاورجيوس فيما كنّ يَــقُـمـنَ بواجبهنّ الإنساني. مساكينُ هم المرضى الذين قضى عليهم الانفجارُ المجنون في مستشفى القديس جاورجيوس وغيرِه من مستشفيات العاصمة، والسكانُ الأبرياءُ الذين أُصيبوا أو أُصيبت منازلُهم. مساكينُ نحن جميعاً لأننا، رغم الكارثةِ التي حَـلَّتْ بنا، ما زلنا نشهدُ تراشقَ الإتهاماتِ وتقاسمَ الحصصِ وتبادلَ الشروطِ والتمسكَ بحقائب، وتناتشَ الفرصِ في بلدٍ يئـنُ ألماً وبؤساً وشقاء". 
وعيّد العالَـمُ أَجمَعُ بعِـيـدَ رَفعِ الصَّليبِ، قائلاً: "اليَومَ أَكـثَــرَ مِنْ أَمس، أَصبَحنا نَـفـهَـمُ مَعنى الصَّليب. أَصبَحنا نُـدرِكُ كَـم تَــأَلَّـمَ الـرَّبُّ قَبلَ أَن يُصلَب، وكَم هُـزِئَ بِهِ قَبلَ أَنْ يُعَلِّقـوا جَسَدَهُ الطَّاهِـرَ على الخَشَبَة. شَعبُنا يَعيشُ جُلجُلَةً يَـقـودُهُ إِلَيها قادَةٌ وزُعَـماءُ خَجِـلَ اليَهودُ، صالِبو المَسيحِ، أَن يُماثِـلوهُم في الشَّرّ. شَعبُنا يُهـزَأُ بِهِ يَومِيًّا مِن خِلالِ مَسرَحِيَّاتٍ سياسيةٍ وإقتِصادِيَّةٍ ومَعيشيَّــةٍ تَجعَلُهُ يَعـيشُ قَــلَــقًـا دائِمًا، لكي يَبقى خاضِعًا وراضِخًا لسلطةٍ لا تعـرفُ المحبةَ والعدلَ والحق. إِلَّا أَنَّ صَليبَ الرَّبِّ كانَ تَمهيدًا لِلـقِـيامَـةِ البَـهِـيَّة، ذَلِــكَ لِـيُـعَــلِّمَــنا أَنَّ الأَلَــمَ لا يَدومُ، والمَوتَ زائِـلٌ، وأَنَّ فَــرَحَ القِيامَةِ سَيَأتي لا مَحالَة، الأَمرُ الَّذي نَنتَظِرُ حُصولَهُ في بِلادِنا، عَـلَّـنا نَـفـرَحُ بِأَبنائِنا وهُم فِي وَسَطِنا، لا في بُلدانِ الإغتِرابِ والإنتِشار بحثاً عن العلمِ أو العملِ والأمانِ والاستقرار". 
في النهاية، سأل "إِلَهَنا المَصلوبَ والقائِـمَ مِن بَينِ الأَموات، أَن يُريحَ نُــفـوسَ المُـنـتَـقِـلينَ عَـنَّـا في تَفجيرِ بَيروت، بِشَفاعاتِ والِدَةِ الإِلَهِ العَذراءَ مَريَم، وجَميعِ القِدِّيسين، وأَن يُعَـزِّيَ قُـلوبَ ذَويهِم أَوَّلًا، وجَميعِ اللُّبنانِيِّينَ عُمومًا. أَلا كانَـتْ دِماؤهُمُ المَسفـوكَة ذَبيحَةً مَرضِيَّةً لَدى الرَّب، مِن أَجـلِ خَلاصِ بَلَدِنا الحَبيبِ وقِيامَـتِـهِ. كما نسأله أن يشفي كلَّ مصاب، وأن يساعدَ كلَّ محتاج، وأن ينيرَ قلوبَ الجميع، ويوقظَ ضمائـرَهم ليتكاتفوا من أجل إنقاذِ لبنان". 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم