الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لبنان الرغيف والحريّة- بقلم جبران تويني

المصدر: "النهار"
الشهيد جبران تويني.
الشهيد جبران تويني.
A+ A-
في ذكرى الاستشهاد نستعيد مقالاً كتبه جبران تويني في "النهار" بتاريخ 16 تشرين الأول 2003، حمل عنوان "لبنان الرغيف والحرية".

"هل تعرف شيئاً عن رياض الصلح؟".

"- طبعاً، إنه ساحة في منطقة سوليدير!".

هذا نموذج بسيط من أجوبة أعطاها شباب وشابات في ريبورتاج مصوّر عرض علينا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد رياض الأسعد لمناسبة اطلاق المسابقة التي تنظمّها "مؤسّسة رياض الصلح".

رياض الصلح، بطل الاستقلال، لا يعرفه إلاّ قلة القلائل من الجيل الجديد.

هل نقول "يا عيب الشوم" على هذا الجيل الجديد الأميّ، أم "يا عيب الشوم" على الدولة الغائبة كلياً عن الواقع التربوي والجامعي؟

نعم، الحقّ ليس كلّه، في المطلق، على الجيل الجديد، بل الحقّ على من هو مسؤول عن تربيته وتثقيفه، وهل هناك سوى الدولة اللبنانية ومؤسّساتها؟

ولكن، ويا للأسف، الدولة اللبنانية بأجمعها، من "رأسها إلى كعبها"، منشغلة بالتراشق الكلامي والسياسي، وبنصب الأفخاخ لبعضها البعض، ولا تهمها التربية ولا الجيل الجديد. كما لا يهمها تاريخ لبنان ولا مستقبله ومستقبل أبنائه!

إذ كل ما يهمها، أو يهم رجالها - وأيّ رجال؟- هو تغذية جيوبهم وحساباتهم الخاصة بدلاً من تغذية عقول الشباب.

ولا نستغرب أن تتعاطى دولة مع الثقافة والتربية على هذا النحو، عندما يكون تعاطيها السياسي كما نعرف، سخيفاً وسطحياً.

فهي تسخّف الأجيال بدلاً من تثقيفها!

وفي العالم شعوب لم تنعم بتاريخ حافل بالإنجاز فتحاول تعويض ذلك بصنع تاريخ وخلق أسباب موجبة لوجودها.

أمّا في لبنان، صاحب التاريخ الأصيل الذي يزيد عمره على ستة آلاف سنة، فإن الدولة تجهد نفسها للتنكر للتاريخ والأصالة ولمعنى الجذور!

وأخشى ما نخشاه أن تكون مهمة هذا الطاقم السياسي محو تاريخ لبنان السياسي وبالأخص تاريخه المعاصر لئلاّ يتمكن الجيل الجديد من المقارنة بين الطبقة السياسية القديمة، جيل الرجال الكبار الكبار الذين بذلوا الجهد والنفس من أجل اعطاء لبنان استقلالاً وسيادة وحرية وكرامة، وبين رجال دون مستوى من سبقهم فرّطوا بالاستقلال والسيادة والكرامة الوطنية!!!

ويمكننا القول بثقة تامة أن دولة الطائف، بكل مندرجاتها، قد تآمرت على البرامج التربوية وحالت دون وضع كتاب لتاريخ لبنان يضيء الدرب أمام الاجيال الجديدة ويطلعها على الحقائق، كما هي، ويحدّد المسؤوليات عن تقهقر لبنان وتدهوره، متنكرة بذلك لدولة الميثاق الوطني، دولة الاستقلال...

ربما لأن رجال دولة الميثاق قد أمّنوا يومها للبنان استقلاله وسيادته ودوره الإقليمي والدولي، كما أمّنوا العيش المشترك والتعايش، وحاولوا تطبيق ما نادى به رياض الصلح من أن لبنان ليس ممراً ولا مقراً للاستعمار، أيّاً يكن هذا الاستعمار!

بينما رجال عهود الطائف، بما فيهم هذا العهد، لم يتمكنوا من تحصين استقلالنا من خلال استرجاع سيادتنا، بل سلموا ما تبقى من سيادة وكرامة، وضربوا عرض الحائط بقدسية هاتين الحرية والكرامة، كما ألغوا دور لبنان الاقليمي والدولي ورسخوا التفكّك الطائفي والمذهبي داخل المجتمع، دون أن ننسى حال الإفلاس التي أوصلونا إليها بعدما كان لبنان المثل الأعلى للنجاحات الاقتصادية والمالية في الشرق الأوسط.

لقد تآمرت دولة الطائف على التربية والمناهج التربوية وعلى التاريخ كذلك، وعملت ما في وسعها لإيجاد حال حقد بين الجيل الجديد ووطنه، بل حال قرف ويأس واحتقار، حتّى بدا لهم وكأن لبنان لم يكن إلّا هذا اللبنان المريض والزائف والمخطوف من تاريخه وقيمه!

إن استهداف القطاعين التربوي والجامعي، بشقيهما الخاص والعام، ما هو إلّا فصل آخر من فصول المؤامرة على الوطن لإفراغه من شبابه وأدمغته بهدف قتله!

فقلب الأوطان النابض هو الشباب، وقوّة الشباب تكمن في ثقافتهم وتربيتهم وإيمانهم بالوطن!

قال دانتون: "بعد الرغيف، التربية هي الحاجة الأولى لدى الشعوب".

أمّا دولتنا الرازحة تحت ثقل الأمية والفساد فلم تؤمِّن لشعبها لا الرغيف ولا التربية!

ألم يحن الوقت بعد لنسترجع الرغيف والتربية والوحدة والحريّة والكرامة، والسيادة والاستقلال والشباب والتاريخ؟

حبذا لو يكون الاستحقاق الرئاسي المقبل محطة تغييرية مفصلية من أجل استرجاع لبنان الأصيل، لبنان التاريخ!

جبران تويني
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم