السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

روحيّة جبران في مبنى "النهار"... الرابع من آب

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
رسم يجسّد صورة الشهيد جبران تويني ("النهار").
رسم يجسّد صورة الشهيد جبران تويني ("النهار").
A+ A-
الزمان: عصر الرابع من آب 2020. المكان: الطبقة السادسة من مبنى "النهار". مكاتب متراصّة ومقاعد حمراء وواجهات زجاجية وأحداث مؤرّخة بأعداد مبروَزة وحقبات نضال مجسَّدة بصور الشهيد جبران تويني. كانت الحماسة مسيطرة على الوجوه وصدى الحركة يعمّ أرجاء المكان، تزامناً مع مناسبة عيد المؤسسة وإطلاق مولودها الجديد "النهار العربي". يتركّز المشهد على صور لجبران وهو يبتسم. موظّفون يتنقّلون ويتبادلون الأحاديث. 
 
من شبّاك المبنى المطلّ على البحر، يظهر حريق مفاجئ في مرفأ بيروت. أثار دخان النيران المتصاعد انتباه عدد من المتواجدين وقلق بعضهم الآخر. بدأت مخلّفات المشهد تثير الريبة أكثر. ابتعد بعضهم وانتقلوا إلى ممرّات وغرف أكثر إحساساً بالأمان. دوّى انفجار هائل. الواجهات الزجاجية تتكسّر وصدى بعثرتها يُسمع. السقف المستعار يتصدّع وتتساقط منه المعدّات والإمدادات. الحواسيب تتحطّم. الأصوات تتعإلى في المبنى والغبار ينتشر مع انعكاسات أشعة الشمس. يتركّز المشهد على صورة لجبران يبدو فيها منفعلاً. بعض الذين مرّوا أمام الصورة، توقّفوا للحظات. 
 
في ملامح جبران، كلام قرأته لغة العيون وتردّد صداه في المبنى: "نحن لا نريد أن نوجّه أصابع الاتهام إلى أيّ كان، قبل نهاية التحقيق، ولكن من حقّنا أن نقول إن الدولة هي المسؤول الأول عن أمن المواطنين والوطن، ولا عذر لأي تقصير في هذا المجال. وإننا نتساءل ما الذي جرى اليوم حتى يعيش لبنان كلّ هذه الخضات الأمنية ميدانياً وكلامياً؟". هذا الموقف كان عبّر عنه قبل نحو 16 عاماً، عندما بدأ مسلسل الاغتيالات يلفح لبنان مع محاولة اغتيال مروان حماده. ومن عبوة ناسفة إلى مخزن نترات أمونيوم. التاريخ يستعاد. 
 
من الذين مرّوا أمام الصور وعاينوا هول الانفجار وآثاره في المبنى، من حملوا الأمانة. خاطبوا المشهد بنظراتهم، ورسموا صفات جبران وروحيّته في الأفكار والمواقف. 
 
ملامح التحدي والإصرار ظهرت على نايلة تويني، مع وعد بالصمود والاستمرار. 
 
نايلة: بعد الضربة الجديدة، نحن مستمرّون. لن نتوقّف للحظة. يوم استشهد جبران لم نتوقّف عن الصدور وسنكمل هذه  المسيرة ولن نتوقّف. أبشع شعور استعادة ما عشناه منذ 15 سنة. علينا الوقوف والتحدي وأن نحاول الإيمان في هذا البلد. الله معنا، جبران معنا، هذا قدر "النهار". 
 
خلال مروره بين الركام وقدمه تنزف، عانق نبيل بو منصف ألم جيل شباب لبنان، وظهرت أمامه صور ماضي الانفجارات... فعاد وعبّر عمّا يختلجه. 
 
نبيل: شعرت بالأسى على جيل شاب أبت الاقدار البائسة للبنان إلا أن تذيقه نماذج مرّة وعلقميّة مما ذقناه وأدمنّاه ليس فقط في دوامات الأزمات الانهيارية التي ضربت لبنان وتكاد تجهز على كل مقومات وجوده، بل أيضاً في الزاوية الأبشع للتفجيرات أيّاً تكن طبيعتها. 
في استطلاعه المكان المطلّ على ساحة الشهداء، بحثت تساؤلات غسان حجار عن مساحة الحرية. 
 
غسان: الانفجار أصاب هذه المنطقة من بيروت، أياً يكن اسمها. دمّرها، حطّمها. لم تعد المشكلة في ترميم الأبنية فحسب، بل في ترميم مساحة الحرية، ومساحة اللقاء. كثيرون من أصحاب العقول الظلامية ربما يهلّلون للأمر، لأنهم يبحثون عن غرف معتمة، مغلقة يسيطرون عليها. 
التقى الثلاثة في مشهدية مبنى الجريدة المدمّر الذي شكّل نموذجاً عن بيروت. ودار بينهم حوار في العيون وانفعالات الوجه، قبل أن تترجمه الأفكار... 
 
نايلة: إصرار اللبناني على محاسبة من يتولى الشأن العام منطلَق أساسي للتغيير، ورفض الواقع هو الدافع إلى بناء مستقبل أفضل. من هنا تولد هذه الصفحات، وغيرها لاحقاً، لتحضَّ اللبنانيين على وعي حقائق لم تكن محسوبة جيداً، ودرس الامكانات المتاحة لإعادة البناء. 
 
نبيل: نقول على رؤوس الأقلام والأصابع لفرط خشيتنا على أي قبس من نور وأي ثغرة أمل في أفق قاتم مقفل، إن المأساة الإنسانية والتدميرية الأبشع في تاريخ التفجيرات التي ضربت لبنان عصر الرابع من آب 2020، نراها وكأنها أخرجت مولوداً مبشّراً في توحيد مشاعر اللبنانيين ومسح انقساماتهم وإسقاطها في سابقة نادرة فعلاً.  
 
غسان: لن ننسى ما حصل. ربما ماتت بيروت ألف مرة لتحيا ألف مرة، وفق الشاعرة ناديا تويني، وهي ستبقى ست الدنيا رغم كلّ محاولات التدمير من الطبقة السياسية الحاكمة، عمداً أو بغير قصد من البعض. 
 
نايلة: ليس المهم إعادة ترميم الحجر فقط، بل الأهم منه بكثير البشر عبر عدم الاستسلام لليأس، وعبر التطلع إلى غد ممكن، لأن الإمكانات المتاحة عبر الانسان اللبناني المبدع والطموح، قادرة على إعادة بناء اقتصاد سليم، وعلى فرض تصحيح المسارات، إذ لا يمكن الاستمرار في السقوط، وبعد كل سقطةٍ درسٌ ووثبة، ولبنان أكيد راجع يتعمَّر. 
 
نبيل: لبنان في عزّ حداده وألمه وخسائره ينهض بظاهرة الالتفاف العابر لكلّ الفوارق والاختلافات حول زلزال 4 آب. عسانا لن نُخذل! 
غسان: الوقت كفيل بتخفيف وقع الجريمة. والتاريخ، الحديث أقله، شهد ويلات كثيرة، تمكن اللبنانيون من تجاوزها، ولو مرغمين، وعادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، لأنهم شعب يحب الحياة. 
 
غادر الجميع المكان في تلك الليلة. وبقيت الصور وانعكاسات مغيب الشمس داخل قاعة الطبقة السادسة في الجريدة مع صدى صوت جبران: "إن قدر لبنان هو أن تكون حريّته دائماً معمّدة بالدم ولكن قدره أيضاً أن يبقى شامخاً، مرفوع الرأس أقوى من كلّ أنواع المؤامرات، من أي جهة أتت". 
 
المشهد التعبيريّ مستوحى من هول الانفجار ومخلّفاته، والحوار مقتبس من مقالات الكتاب ومواقفهم. 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم