الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

دريان يوجّه نداء استغاثة إلى العرب... "هل هو مطلب عسير أن تكون في البلاد حكومة مسؤولة؟"

المصدر: "النهار"
المفتي دريان.
المفتي دريان.
A+ A-
وجّه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين، لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، أكّد فيها أنّ "رمضان هذا العام، ليس ككل الأعوام، بل ربما لم يشهد المواطنون ضيقاً شديداً في معايشهم وتحركاتهم مثلما يشهدون هذه الأيام، سواء في رمضان وغير رمضان"، مؤكداً أنّه "زمن الانهيار الشامل في كل المجالات، فيحل علينا شهر رمضان، والبلاد والعباد في أزمات متراكبة، يختلط فيها الاقتصادي بالمالي والمعيشي والصحي، والوبائي والسياسي والاجتماعي".
 
واعتبر دريان أنّ ذلك كلّه "يلقي على عواتقنا نحن أهل الدين والإيمان، مسؤوليات خاصة، على اختلاف القدرات والأحوال. إنه اختبار كبير وشاق وصعب، للإيمان والثبات والصبر والأخلاق، والعلاقات الإنسانية، والثقة برحمة الله"، مؤكداً: "لذلك ليس لنا بعد الله عز وجل إلا أنفسنا ومساعينا وتعاوننا وتضامننا"، لافتاً إلى أنّه "لقد هب أهل بيروت - مسيحيين ومسلمين - هبة واحدة عندما نزلت بالمدينة كارثة انفجار المرفأ، ودمار ثلث المدينة. لكنهم بالأمس واليوم وغداً، مدعوون إلى ما هو أعظم وأشد إلحاحاً".
 
وتابع: "صار مخجلا الحديث عن القادرين وغير القادرين، ما عاد أحد تقريبا قادراً. ما عاد لنا إلا أن نتقاسم القليل، ونتشارك في القليل الذي يمتلكه كل منا"، مؤكداً أنّ "بلادنا عجيبة بحمد الله، في صبر أهلها، وفي انتظامهم الأخلاقي والمدني. لقد تحملوا مئات الآلاف من اللاجئين والمهجرين. وتحملوا أهوال الوباء، وتحملوا غياب الدولة قبل انفجار المرفأ وبعده، وتحملوا احتجاز ودائعهم في المصارف، وهم يتحملون كل يوم أخبار الفضائح بين المسؤولين غير المسؤولين، ويفكرون عشرات المرات، أو يفكر معظمهم عشرات المرات قبل أن يقدموا على شراء قوت اليوم لشيوخهم وأطفالهم"، مؤمداص أيضاً: "ما شهدت بلادنا بالفعل ضيقا كهذا الضيق".
 
وأضاف، في رسالته المباشرة على الهواء: "إنني شديد الاعتزاز بهؤلاء المواطنين، الذين يستمدون من الضعف قوة، ويقبلون على إنشاء الجمعيات، للعناية بالمعوزين، والعناية بالشيوخ والأطفال، وتأمين الغذاء والدواء للمتعففات والمتعففين، الذين ما عادت لهم حيلة ولا وسيلة. لقد اعتدنا نحن المسلمين على أداء زكواتنا في رمضان لمن نعرفهم من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل. بيد أن المدن العريقة لا يعيش فيها الأفراد فقط، بل تعيش الجماعات، التي قامت في أوساطها المؤسسات المتخصصة والكبرى وذات الصدقية، التي تعنى بعشرات الألوف في المدن والأرياف. وإلى تلك المؤسسات يلجأ كل ذوي الحاجة"، متسائلاً: "لكن كيف ستوصلون أيها الإخوة زكواتكم إليهم، وأموالكم أو ما تبقى منها محتجزة في البنوك؟ لذلك، تتجه أفكارنا وهمومنا اليوم إلى ملاذات الخير والتضامن والخدمات الإنسانية، التي صارت قصيرة اليد، بسبب تلك الأمراض المتراكمة، والتي نالت من قدرات المؤسسات على النجدة والإغاثة والاحتضان".

وقال: "في رمضان وفي غير رمضان، تعود اللبنانيون منذ تردي نظامهم السياسي الأشوه إلى حدود المؤامرة، تعودوا الاعتماد على أنفسهم. لكن وكما سبق القول، فإن ثلثي اللبنانيين يعيشون في مدن وبلدات، وليسوا في أرياف متنائية"، مشيراً إلى أنّه "لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى، ينهار مع نظام العيش: النظام المصرفي، الذي كنا نظنه مستقلا وآمنا ومأمونا، وغير تابع لأهواء الحاكمين؛ فإذا هو قد أصبح أداة بيد المسيطرين، ووسيلة لاستلاب أموال المودعين، ولصالح من؟ لصالح نظام الفاسدين!"، متسائلاً: "ماذا نفعل؟ وإلى من نتوجه وسط هذا الحصار، ليس من جانب الخارج، بل من جانب نظام القلة الفاجرة. في كل بلاد العالم تحدث أزمات، وتكون أحيانا كبيرة وفاجعة، لكن في كل بلدان العالم إلا في لبنان، تهب الدولة للنجدة والإغاثة، وبعث الأمل في الإنقاذ. حتى إذا ما أمكن الانتشال من المأزق، يذهب الحاكمون ويأتي غيرهم. هذا كله يحدث إلا في لبنان"، مضيفاً: "الحاكمون وهم علة الفاجعة، يزدادون تشبثا بمناصبهم، بل وبمصائر المواطنين"، متسائلاً: "هل سمعتم ببلد تحدث فيه فاجعة مثل فاجعة المرفأ، ويظل المسؤولون على كراسيهم الفارهة؟ وهل سمعتم ببلد حديث تقفل مصارفه، ويسمح نظامه السياسي بذلك، بعد أن يكون ثلثا ودائع المواطنين، قد صار في جيب أو جيوب ما يسمى الدولة ، والثلث الثالث قد جرى تهريبه إلى الخارج، ومن جانب المسؤولين غير المسؤولين إياهم؟".

وتوجّه دريان الى المسؤولون "غير المسؤولين"، قائلاً: "هل هو مطلب عسير أن تكون في البلاد حكومة مسؤولة؟ لقد مضت شهور طويلة، وهناك من لا يزال يتحدث عن الأصول الدستورية، والشراكة الكاملة بين التشكيل والإصدار، والثلث المعطل وأنواع الوزارات؟... وغير ذلك"، مؤكداً: "البلاد في أشد الحاجة في هذه الظروف بالذات، إلى سلطة تنفيذية، وهي تكون مسؤولة أمام مجلس النواب الذي كلف رئيسها، وهناك من يزال أيضا يتحدث أنه لا حاجة للحكومة، لأنّ الفاسدون معروفين، وهم فلان وعلان، والذين استعصوا حتى الآن على المحاسبة، معتبراً أنّه "حتى المحاسبة التي يطالبون بها، ويتبرؤون من تبعاتها، لا يمكن أن تجري بهذه الطرائق المتمثلة في محاولة إفساد القضاء أو تعطيله، وفي تقريب هذا وإبعاد ذاك، كأنما المسألة مسألة مزرعة خاصة. نريد حكومة نستطيع التوجه إليها، وليس مزاعم بشأن البراءة والصلاحيات والحقوق الفئوية، في الوقت الذي لم يبق فيه مواطنون ولا حقوق"، مؤكداً: "ليست في البلاد أزمة دستورية، بل البلاد ضحية الاستئثار والانهيار ، والارتهان للمحاور، والتدمير المتعمد للمؤسسات، والاعتداء على عيش المواطنين واستقرارهم وأمنهم".

وتوجه الى معرقلي تشكيل الحكومة: "كفاكم تعنتا واستكبارا وتصلبا وتزويرا وخرقا للدستور. البلد في خطر داهم، ويعيش قمة الانقسام والتشرذم والفوضى، والسبب هو في تأخير ولادة الحكومة، وتعطيل المؤسسات الرسمية. أقلعوا عن أنانيتكم، وخدمة مصالحكم الشخصية. لبنان لم يعد يحتمل المزيد من الخراب والانهيار والدمار، وكل يوم تأخير في تأليف الحكومة، هو خسارة للوطن والمواطن"، ورأى أنّ "المطلوب تقديم التسهيل لا التعطيل، ولا وضع العقبات في طريق تشكيل الحكومة"، معتبراً أنّ "هناك أياديَ خبيثة تعمل في الخفاء على عرقلة الجهود العربية الشقيقة المشكورة، وعلى إفشال المبادرة الفرنسية، وتحاول القيام بعملية ابتزاز سياسي لا مثيل له، لكل هؤلاء نقول: لا يا سادة، بالكيديات والعنتريات والحقد الدفين، وبث السموم، لا يبنى لبنان، ولا يستقيم فيه الميزان، إلا بالمحبة والتراحم والتعاون، والمحافظة على صلاحيات كل مؤسسة من مؤسسات الدولة. إياكم والغرور، فلن تنالوا مبتغاكم من تحقيق مآربكم، لأنها تخالف المنطق والأصول".

وختم موجها نداء "الرجاء والاستغاثة والأمل الى الاخوة العرب": "تعودنا ألا تنسونا في الشدائد، ونحن لنا ملء الثقة بكم، وبمؤازرتكم، ودعمكم، ومساعدتكم، فلا تتخلوا عنا ولا تتركوا الشعب في ضياعه، كي لا يكون فريسة سهلة لمن يريد بلبنان واللبنانيين شراً". 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم