الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

المسيّرات فوق كاريش ورسالة الـWhatsapp Call الإيرانية

المصدر: "النهار"
رولان خاطر
الباخرة الراسية في حقل كاريش.
الباخرة الراسية في حقل كاريش.
A+ A-
لم يحمل إطلاق "حزب الله" مسيّرات نحو "كاريش" وإسقاطها من قبل الجيش الاسرائيلي الحديث عن توازن رعب وقوّة ردع، أو قواعد اشتباك هذه المرة، بل تأكيداً متكرّراً على إسقاط هيبة الدولة، وإزهاق الديبلوماسية اللبنانية، وأن لا شعرة تسقط من رؤوس اللبنانيين إلا بإذن من الحزب، بالإضافة إلى تفسيرات وتأويلات عن الصراع الموجود على خط المفاوضات والترسيم، والذي يتداخل فيه لاعبون إقليميّون لتحسين شروطهم وأدوارهم في المنطقة عبر الساحة اللبنانية؛ ولعلّه الأمر الذي دفع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب للقول: "إنّ إطلاق المسيّرات جرى خارج إطار مسؤولية الدولة، وأيّ عمل خارج مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي غير مقبول".

كلام بو حبيب الذي دلّ على تهرّب من المسؤوليّة وتفادي توجيه الاتهام لـ"حزب الله" علناً عن أيّ إخفاق يحصل على مستوى المفاوضات، قابلته رغبة إيرانية بتحقيق مكتسبات من خلال ملف الترسيم البحري، فأرسل "حزب الله" المسيّرات كرسالة إيرانية عبر الساحة اللبنانية، مستفيداً من الظروف الموضوعيّة والتوقيت، أكان في لبنان أم في سوريا، وهو ما يتقنه الحزب بتحرّكاته.

الرسالة ودور إيران
وفي حين تجري محاولات أميركية لتسويق دور إيران على مستوى الترسيم، إذا كان من شأنه أن يسهّل الانتهاء من الملف بسرعة والبدء بضخّ الغاز إلى أوروبا، لما يشكّله هذا الأمر من أولوية لدى الإدارة الأميركية، فإنّ المصالح الإسرائيلية قد لا تبدو متوافقة ومنسجمة مع التوجّه الأميركي.

فإسرائيل ترفض أن تكون إيران و"حزب الله" وسيطين لتسهيل عملية الترسيم، بحسب مدير المنتدى الإقليميّ للدراسات والاستشارات الجنرال خالد حمادة، الذي يقول لـ"النهار" إنّ إسرائيل تعتبر أن الشراكة مع إيران ستفضي الى خسارة العالم العربي، لذا فالعروض الايرانية مرفوضة. من هنا، يُمكن فهم الجواب الإسرائيلي على الحراك الإيراني في سوريا ولبنان، والذي تمثّل أولاً بقصف طرطوس بالتزامن مع وجود وزير الخارجية الإيراني في سوريا، وثانياً بإسقاط مسيّرات الحزب فوق كاريش".

ويرى حمادة أن إطلاق "الدرون" وإسقاطها كان عبارة عن رسالة بين مرسل ومتلق يدرك كلاهما مضمونها.

ويُشير إلى أن "إيران تحاول تجديد دورها، بمعنى أنّها تسعى لتقديم خدمات للولايات المتحدة الأميركية، إمّا من خلال محاولتها حماية قوات سوريا الديمقراطية، وثني تركيا عن شنّ عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، وهو ما تجلّى بما حمله وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته أنقرة، وإمّا طرح نفسها كوسيط ناجح ما بين السلطة في لبنان وإسرائيل، فتشكّل عامل تسهيل للمفاوضات".

ويكشف أن "حزب الله" تماهى مع الرئيس ميشال عون في التخلّي عن الخط 29 وإسقاطه، مؤكّداً دعمه له ووقوفه خلفه في هذا الموضوع. وهي خدمة قدّمتها طهران لواشنطن عبر "حزب الله"، مقابل الحصول على مكتسبات إيرانية في ملف الغاز والنفط.

ويشدّد حمادة على أنّ استخراج الغاز من لبنان برعاية إيرانية يعني أن إيران أصبحت شريكاً في عملية ضخّ الغاز وعملية الإسالة والتصدير، وكرّست نفسها شريكاً في شرق المتوسط، مما يطرح العديد من الاشكالات ليس على المستوى الأمني فقط بل على مستوى العلاقات الأميركية مع دول الخليج ومصر والأردن في لحظة دولية حسّاسة تبدو فيها الولايات المتحدة بأمسّ الحاجة لترميم مصالحها وعلاقاتها الدولية.

تقول الكاتبة المختصة بالشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية سمدار بيري "إن الواقع يروي قصة أخرى على الرّغم من أن إسرائيل دمّرت مسيّرات "حزب الله" الثلاث...".

الواقع بالنسبة لبيري فيه الكثير من الكلام والرسائل، والواقع بالنسبة للّبنانيين والعالم فيه الكثير من الخبايا، وقد يكون الجنرال حمادة أشار إليها، وهو ما يتطرّق إليه رياض قهوجي الكاتب والباحث في شؤون الأمن والدفاع، الذي اعتبر أنّ العملية غير العسكرية التي نفّذها "حزب الله" فوق "كاريش"، لم تكن مفاجئة، إذ إن أحداً لا يمكن أن يصدّق أن لا دور لحزب الله في ظلّ ما يحصل من ترسيم حدود ومفاوضات، ومن يفكّر للحظة في أنه يوجد في لبنان دولة لها حرية القرار بوجود "حزب الله" وهيمنته، وفي ظلّ الحرب الهجينة التي تقودها إيران اليوم، هو مخطئ وغير واقعي.

قهوجي يتماهى في مواقفه مع حمادة، إذ يرى أنّ "حزب الله" أراد من خلال إطلاق المسيّرات التأكيد أنّه موجود، وأنه صاحب القرار، ولا يُمكن لأحد أن يتجاهله أو يستثنيه من المعادلة، وللتأكيد أكثر أنّ إيران خلفه، وأن أيّ تطوّر سيحصل في المنطقة يجب أن يكون بالتنسيق مع إيران، لا بل يجب على القوى الموجودة أن تدقّ بابها، ويُمنع تجاهلها في أحداث المنطقة المفصليّة، وبالتالي، لا يتوقّعن أحدٌ أن تكون الأمور والأحداث سهلة، خصوصاً في الأمكنة التي لإيران نفوذ كبير فيها. وهذا تحوّل إلى أمر واقع في أماكن مختلفة في المنطقة، إن في العراق أو اليمن أو سوريا وغيرها".

رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن الدكتور هشام جابر، يعتبر من جهته، أن إطلاق "حزب الله" للمسيّرات خطوة جيدة ونتائجها إيجابية. ويقول: "الإعلام المعادي للحزب يقول هذه رسالة توقيتها جاء من إيران. أنا لا أفصل موقف إيران وعلاقة الحزب به، لكن لدينا وضعاً لبنانياً حسّاساً. أنا أختلف مع الحزب كثيراً، لكن كمحلّل لا أرى في الخطوة سلبيّة إذا كنّا فعلاً نؤمن بوجود صراع مع إسرائيل".

ويعتبر أنّ الحزب أخذ المبادرة، وإطلاق المسيّرات كان عبارة عن Whatsapp Call للإسرائيليين، والرسالة جاءت لتؤكّد أن المفاوضات فشلت.

يوجّه جابر انتقاده إلى الدولة اللبنانية التي تقف مكتوفة الأيدي و"نايمة ع حرير" وعلى آمال أيلول إلى حين إعادة استئناف المفاوضات، لكنّه يحرص في الوقت نفسه على التأكيد أن ليس لحزب الله الحق بأن يكون له قرار الحرب والسلم. لكن في ظلّ غياب إجراءات الدولة، بعث برسالة مفادها بأنّه ممنوع على إسرائيل التنقيب عن النفط في الوقت الضائع من الآن حتى أيلول، وممنوع استخراج النفط.

لا أحد يريد الحرب
يعتبر الكثيرون أن خطوة الحزب تناقض تماماً ما أعلنه السيد حسن نصرالله مراراً من أن "حزب الله" يقف وراء الدولة في ملف الترسيم، وأن خطوة المسيّرات تعتبر تسخيناً للجبهة الشمالية، ولإطلاق رسائل قد لا يكون الردّ عليها سلمياً دائماً، خصوصاً أنه عند الشعور بأيّ خطر لن يتوانى الإسرائيليون عن شنّ ضربات استباقيّة تقيهم شرّ الحزب.

من هنا، يرى جابر أن "حزب الله" لا يُريد الحرب، والدليل أنه أطلق مسيّرات غير هجوميّة، وخطوته لا ترقى إلى مستوى العملية العسكرية، وبالتالي خطوته لن تؤدّي إلى أخطار حرب، حتى أن إسرائيل لا تريد حرباً، إنّما تحاول جرّ الحزب إلى إطلاق الرصاصة الأولى للحرب، وهذا ما لن يفعله. وبالتالي، فإنّ المسيّرات الثلاث أرعبت إسرائيل، وباتت من اليوم وصاعداً تعدّ للعشرة قبل القيام بأيّ خطوة بشأن التنقيب واستخراج النفط.

بدوره، لا يعتبر الجنرال حمادة أن هناك مؤشّرات حرب، لأن أولوية واشنطن المطلقة هي البدء بضخّ الغاز في أوائل الشتاء، وبالتالي فإن إيران عبر حزب الله يمكن أن تقوم بعمليّات صغيرة وبتوترات ستبقى مضبوطة، ولن توقف عمليّات استخراج الغاز.

في السياق، يقول المعلّق العسكري في "القناة الـ13" الإسرائيلية أور هيلر: "إن هناك خيارين أمام القيادة الإسرائيلية. الخيار الأول هو وضع هذا الحادث (إطلاق المسيرات) في الحساب والاستعداد للحادث التالي وللعملية المقبلة لحزب الله، أمّا الخيار الثاني فسيكون العمل والردّ ضدّ أصول لحزب الله، سواء في لبنان أو سوريا والمخاطرة بتصعيد".

ويتابع: "لا شكّ، نحن أمام حدث يفرض علينا حماية منصّات الغاز وعلى رأسها كاريش، التي ستبدأ بالعمل في أيلول".

أمّا المعلق العسكري في "القناة الـ12" نير دفوري، فقال: "إن السؤال المركزيّ لإسرائيل هو كيف ستردّ على هذا الحادث"، من أجل ردع الجانب الثاني".

ويرى دفوري أن "حزب الله يخاطر، فهو أرسل هذا المسيّرات ويُدرك أنها قد تسخّن الشمال، ومع هذا يفعل ذلك"، معتبراً أن "إسرائيل أمام هذا الأمر يجب أن تدرس خطواتها". ويضيف: "نعم للرّد، ولكن لا للدخول في حرب شاملة".

هذا، وأشارت وسائل إعلام إسرائيليّة إلى أنه "في المؤسّسة الأمنيّة يحاولون أن يفهموا إذا كان "حزب الله" يحاول من خلال إطلاق المسيّرات اختبار منظومات سلاح الجو تمهيداً لمحاولة تنفيذ عملية مستقبليّة ضدّ المنصّة".

من هنا، يشير جابر إلى أن موضوع متابعة التنقيب سيكون من ضمن جدل في الـCabinet الإسرائيلي. فإذا باشرت إسرائيل التنقيب، فإن "حزب الله" – برأيي - قد يرسل مسيّرات مسلحّة لتضرب ناراً تحذيرية قرب الباخرة المكلّفة بالتنقيب، مع الحرص على عدم الانجرار إلى حرب.


مسألة اعتراض المسيّرات
وفيما تمّ الحديث عن أنّ القوات الإسرائيليّة لم تستطع اعتراض المسيّرات الثلاث، تتوضّح الصورة مع الوقت على أنّه تمّ إسقاطها، ويشرح قهوجي مسألة نجاح سلاح الجو باعتراض المسيّرات بشكل عام من عدمه.

ويقول: "إن اعتراض المسيّرات وإسقاطها نسبته ليست مرتفعة كثيراً، لأن هذه الطائرات حجمها صغير، وتتحرك على ارتفاع منخفض، ورادارات الطائرات الحربية لا تنجح برصدها دائماً، بل الرادارات البحرية هي التي تمتلك قدرة على التعامل مع الأهداف الصغيرة بحجم قذيفة أو حجم طائرة من دون طيّار، ويمكنها رصد طائرات "الدرون" التي تحاول أن تتخفّى من الطائرات الحربيّة فتحلّق على ارتفاع منخفض. وبالتالي، فإنّ البحرية الإسرائيلية هي التي رصدت المسيّرات التي لم ترصدها الطائرات الحربية F16 . وبالنتيجة، يؤكد قهوجي أنه تمّ إسقاط المسيّرات الثلاث، واحدة أسقطتها طائرة الـF16، والأخريين أسقطتهما القطع البحرية الإسرائيلية.

ويضيف: "عالمياً، المنظومات البريّة والبحريّة التي تخصّص للدفاع الجوي تكون أنجح في اعتراض الطائرات المسيّرة على علو منخفض، فيما الطائرات الحربية تنجح بالاعتراض إذا كانت المسيّرات على علو متوسط أو مرتفع، فتتصدّى لها وتسقطها".

ويوضح أن "المسيّرات التي استخدمها "حزب الله" هي طائرات استطلاع للرصد، وليست مجهّزة بأسلحة أو تستخدم كهجوم كاميكاز".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم