النهار

كورونا واللاجئون في لبنان... كيف أثرت الشائعات على أخذ اللقاحات؟
علي عواضة
المصدر: "النهار"
كورونا واللاجئون في لبنان... كيف أثرت الشائعات على أخذ اللقاحات؟
أرشيفيّة.
A+   A-
"لا وجود للكورونا ولم أشاهد بعيني أيّ إصابة خطرة بالمرض... لم أرتد الكمامة، ولم أتوقف عن مخالطة الناس، حتى اللقاح لم أتلقّاه، ولا أؤمن به، وسمعت أنه أخطر من المرض ويؤدّي إلى الوفاة". يتفاخر أبو عمّار، بائع الخضراوات المتجول باقتناعه الكامل بأنّ وباء كورونا، الذي حصد لغاية السّاعة قرابة 6 ملايين ونصف المليون شخص حول العالم، هو مجرّد إشاعة.
 
لم يقتنع أبو عمار بما يدور حوله من إصابات بل نقل قناعته لعائلته اللاجئة من سوريا إلى مخيم صبرا وشاتيلا، ومنعهم من تلقّي أيّ لقاح خوفاً من مضاعفات قد تحدث لهم، فبرأيه أن اللقاح أخطر بكثير من الإصابة بالوباء نفسه، وهي جملة قد سمعها من جاره الذي تلقّى اللقاح وتعرّض لبعض المضاعفات الصحيّة بعد تلقّيه الجرعة الأولى.
 
يمثّل البائع الستينيّ عيّنة من شريحة كبيرة لا تزال ترفض تصديق أيّ وجود للوباء بالرغم من اقترابنا من السنة الثالثة لتسجيل أوّل إصابة في العالم، إلا أنّ أثر الشائعات المتناقلة بين الأشخاص عبر الاتصال الشخصي كان لها تأثير أكبر بكثير من الأخبار الحقيقيّة المتناقلة عبر وسائل الإعلام وحملات التوعية من قبل المنظّمات الدوليّة ووزارة الصحة.
 
"اللقاح يسبّب السل"، إشاعة أخرى مقتنع بها عمر الحامد من محافظة دير الزور السورية، والذي يعمل في بيع وصيانة الهواتف في منطقة الحمرا. وبالرغم من أن مهنته تتطلّب احتكاكاً مباشراً بالزبائن، فإنه رفض ارتداء أيّ كمامة سوى في فترات التشدّد من قبل القوى الأمنية في المراحل الأولى لانتشار الوباء "بلبس الكمامة بس يكون في درك". وعلى حسب قوله، فإنّ عائلته جميعها لم تُصب بالوباء لأنها تعرف صحّتها جيّداً وكيف تتعافى في حال الإصابة بالرّشح العادي من خلال بعض الأعشاب والأدوية البسيطة، فنظرية الشريحة الموجودة في اللقاح تسيطر على كامل تفكيره، فقد سمعها من عمه المتواجد في السويد واقتنع بها، فعمّه هو مصدر المعلومات له ولعائلته نظراً لتواجده في الغرب.
 
 
على مداخل مخيم صبرا وشاتيلا تنتشر عربات الخضراوات المكتظّة. يقترب أحد الشبان الذي استفزّه حديث عمر ليُخبره عن أشخاص في المنطقة توفّوا خلال الوباء جرّاء رفضهم أخذ اللقاح، بينما أشخاص آخرون أصيبوا بعوارض خفيفة نتيجة تلقّيهم لتلك الجرعات. ولكن النقاش من دون جدوى، بحسب تعبير الشاب، فالجو العام في الحيّ أكان بين اللبنانيين أو اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في المنطقة، فهم مقتنعون ببعض الشائعات المتناقلة حول الوباء، بالرغم من نفيها. يخشى الجمهور تجلّطات قد تحصل لهم، وفق الشاب الذي يُنهي حديثه بالقول: "3 سنوات ونفس الأحاديث، لا يمكنك إقناعهم حتى لو توفّي أمامهم أشخاص بالوباء... مصدّقين الكذبة ورافضين الحقيقة".
 
تلك الشائعات الصحيّة وغيرها، التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبين الأشخاص، كان لها تأثير كبير على قرارات أخذ اللقاح، خاصّة لدى الفئات المهمّشة والفقيرة، حيث تنتشر الشائعة في أوساطها بسرعة من خلال أشخاص مؤثّرين. فالشائعة - بحسب المحامي طوني مخايل - المشرف على وحدة الأبحاث والرصد الإعلامي في مؤسّسة "مهارات" تروّج عبر عدّة طرق، أبرزها الصحافة الصفراء التي تنقل معلومات من دون التدقيق في صحتها، والتي بدورها تصل إلى المتلقّي على أنّها حقيقة؛ والفئة الثانية تعود لحسابات يُديرها أشخاص ينشرون أفكاراً غريبة، ومعلومات غير منطقيّة، إلا أنها أيضاً تؤثر بشكل مباشر على الناس، بينما الفئة الثالثة هم أشخاص يعملون في القطاع الصحيّ ويروّجون لمعلومات متلاعب بها. والفئة الرابعة هي الفئة التي تروّج لنظرية المؤامرة، وتُديرها جيوش إلكترونية، فتُعيد نفس القصة منذ بداية الجائحة.
 
وبالرغم من جميع التحذيرات والإرشادات التي انتشرت، فإن الشائعات في لبنان لا تزال تنتشر بشكل كبير، بحسب مخايل. فخلال شهر آب 2022، رصد فريق مؤسسة "مهارات" 112 شائعة صحيّة، 55 في المئة منها تتعلّق بكورونا، وتمحورت حول اللقاحات، وهي أخبار يتمّ تناقلها بشكل دوريّ. وقد لاحظ فريق الرصد - بحسب مخايل - أن "تلك الشائعات ترتفع وتيرتها عند ارتفاع عدد الإصابات، ويتمّ ربطها بفيروس جدري القردة وأمراض أخرى. وبالرغم من أن تلك الأخبار قد تبدو واضحة المعالم بأنها ملفقة كغياب المصدر، ورداءة الكتابة، فإنها - للأسف - تلقى أذاناً صاغية لدى الفئات المهمّشة، والتي لا يمكنها التفريق بين الحقيقة والشائعة، خصوصاً أن مؤثّرين عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يروّجون لتلك الأفكار، لتنتقل عبر تطبيق الواتساب على أنّها حقيقة".
 
وكان لافتًا في الأشهر السّابقة تناقل روّاد مواقع التواصل لفكرة أنّه "لا يطلب من الناس في حال تمّ تطعيمهم بجرعتين أو ثلاث جرعات، وتمّ تشخيص إصابتهم مرّة واحدة بفيروس كوفيد-19، أخذ أيّ جرعات إضافية". ويشير مخايل إلى أن هذا النوع من الشائعات يؤثر على الأشخاص الذين تلقّوا اللقاحات وأصيبوا بالوباء، فقد يمنعهم من أخذ جرعات معزّزة؛ فالأمر لا يقتصر فقط على الذين لم يتلقّوا أيّ جرعة!
 
بدورها، ترى الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين دلال حرب أن "أرقام وزارة الصحة اللبنانية تشير إلى تسجيل 592 ألفاً و395 لاجئاً على منصّة الوزارة لتلقّي اللقاحات حتى منتصف شهر أيلول 2022، بينما تلقّى 595 ألفاً و207 أشخاص اللقاح، في المناطق اللبنانية كافة، وهو رقم جيّد إذا ما قورن بعدد اللاجئين السوريين المسجّلين لدى الأمم المتحدة، والبالغ 839 ألفاً و860 شخصاً"، بينما أرقام الدولة اللبنانية تشير إلى إقامة قرابة المليون ونصف المليون سوري، معظمهم غير مسجّلين لدى المفوّضية.
 
وتشير حرب إلى جهود المفوضيّة لمواجهة الوباء، خصوصاً في المناطق البعيدة كعرسال وغيرها من المناطق، حيث يُقيم أعداد كبيرة من اللاجئين. وقد لاحظت المفوضية أن اللاجئين يتأثرون بالمناطق المحيطة بهم. فإذا كانت المنطقة بأغلبها تقتنع بفكرة عدم تلقّي اللقاح نجد الأمر نفسه ينتقل إلى اللاجئن، والعكس صحيح.
 
وتضيف حرب أن الجهود التي قامت بها وزارة الصحّة ومفوضية الشؤون كان لها تأثير كبير على أخذ اللقاحات ونفي الشائعات، بالإضافة إلى الزيارات الميدانية لمراكز تجمّع اللاجئين، حيث قامت المفوضية بتوزيع الأدوية وأدوات التنظيف للوصول إلى نسبة 100 في المئة من اللاجئين المسجّلين، كما قامت المفوضيّة بدعم 13 مستشفى عبر 100 غرفة عناية فائقة، بالإضافة إلى توزيع 800 سرير، وتوسيع مستشفيات للاستجابة لحالات كورونا الطارئة كالمستشفى الحكومي في عكار وحلبا وغيرهما من المناطق، التي كانت تحتاج لمساعدات عاجلة نظراً لارتفاع الإصابات فيها.
 
وبحسب وزارة الصحة اللبنانية، فقد سُجّل إصابة 10 آلاف و760 لاجئاً سورياً في لبنان بكورونا، توفي منهم 464 فرداً بسبب الفيروس، بينما المسجّلون لأخذ اللقاح منذ بداية الجائخة اقترب من 600 ألف شخص.
 
وتتابع حرب: "فئة كبيرة من اللاجئين غيّرت رأيها بالوباء بعد الزيارات الميدانيّة وحملات التوعية المتنقّلة، التي قامت بها البلديات ووزارة الصحة والمفوضية، وكانت وفاة أحد المقرّبين من عائلة ما له تأثير مباشر على التسجيل لأخذ اللقاح"، وهو ما حدث مع السيّدة فاطمة الماجد، التي كانت تقتنع بأن اللقاح سيُصيبها بجلطة دماغيّة، بحسب ما كان يخبرها زوجها، ولكن بعد وفاته بالوباء سارعت إلى أخذ اللقاح خلال يوم مجانيّ قامت به بلدية الغبيري في بيروت".
 
وختمت حرب أنه طالما أخذ اللقاح في لبنان يبقى اختيارياً، فإن الأفكار الخاطئة عن الوباء ستبقى تؤثر على الأشخاص، وإن بقيت تلك الفئة صغيرة إذا ما تمّت مقارنتها بعدد المتلقّين للّقاحات، وهو ما يمكن البناء عليه، مشيرةً إلى أهمية الزيارات الميدانيّة التي قامت بها المفوضيّة وجهود وزارة الصحة والبلديات التي عملت على استقبال الجميع من دون تفريق، بالرغم من عدم تسجيلهم على منصّة وزارة الصحة.
 
من جهتها، ترى المعالجة والمحلّلة النفسية الدكتورة ماري أنج نهرا أنّه كلّ ما كان المجتمع يعاني الفقر والجهل كان تأثير الشائعات عليه أكبر، ويمكن أن تدمّر إرادته وتمسّكه بالحياة، خصوصاً الشائعات الطبيّة، التي تؤثر بشكل مباشر على معنويّاته، فيُصبح مستسلماً بدل مقاومة الأمراض، ويرى أنّه ليس لديه أيّ دور في مقاومة تلك الأمراض.
وأضافت أن الشائعة تسيطر على الشخص، وتضرب جهاز المناعة لديه، وترفع من مستويات الخوف؛ والخوف هو أوّل ردّة فعل تتحكّم بالمتلقّي المقتنع بالشائعات، بينما الشخص العقلانيّ سيبحث عن المعرفة ويستمع إلى لغة العقل ويرفض تلك الشائعات من خلال المنطق، معتبرة أن تبعات الشّائعات تقف عند حدود المتلقي ونسبة وعيه. ولذلك يرى علم النفس بأن المجتمعات الجاهلة أكثر عرضة للأمراض النفسية من المجتمعات الواعية.
 
تمّ إنتاج هذا التقرير بدعم من مؤسّسة مهارات ومنظمة انترنيوز ضمن مشروع RIT
 
 
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 12/4/2024 10:55:00 AM
قررت محكمة فرنسية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وضع نهاية في 6 كانون الاول (ديسمبر) الجاري لأكثر من 40 عاما أمضاها لبناني اسمه جورج ابراهيم عبدالله في سجن بمنطقة جبال "البيرينيه" الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا، هو "لانيميزان" البعيد 120 كيلومترا عن مدينة تولوز، والسماح له بمغادرة الأراضي الفرنسية يوم الجمعة المقبل، وقد أصبح عمره 73 عاما.

اقرأ في النهار Premium