الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الدراما اللبنانية المُتّهمة بالبُعد من الواقع، أين فاجعة بيروت في مسلسلات كتّابها؟

المصدر: "النهار"
فاطمة عبدالله
هذا الواقع النازف، أي قلم يكتبه؟ (تعبيرية).
هذا الواقع النازف، أي قلم يكتبه؟ (تعبيرية).
A+ A-

 

النقاش مطلوب، وإن كانت النظرة شبه راسخة: الدراما اللبنانية بعيدة من الواقع، "بغير كوكب". كسر بعض المسلسلات شيئاً من حدّة الصورة وسوء الصيت، لكن الانطباع ظلَّ بأنّ الدراما اللبنانية همّها القصر، إصبعها لا يمسّ الجرح. تحوم ولا يقتحم. أتى انفجار 4 آب، فزاد الإرباك. قبله، أمكن التغاضي وتجميل الحقائق. أما اليوم، فيقف الكاتب حائراً؛ هل يكتب المأساة، أو يغضّ النظر بذريعة أنّ الناس مُتعبة و"مش ناقصها"؟ ماذا جرى مساء ذلك الثلثاء؟ مَن يعلم الحقيقة فيحوّلها مسلسلاً؟ مَن يجرؤ على محاكاة الفجائع بالجُملة، والشهداء بالجُملة والخسائر بهذا الحجم؟ هل يحق للكاتب الانكفاء؟ أم أنّ الاحتراق يُجوهِر الكتابة؟ كلوديا مارشليان، طارق سويد، ونادين جابر، يجيبون بحسرة.
 
 

 

كلوديا مارشليان: أين الحقيقة؟

تعترض على التّهمة: "الدراما اللبنانية ليست بعيدة من الواقع. ومسلسلات كثيرة تحاكي المجتمع بصراحة". المُشاهد متقلّب المزاج: أيريد مسلسلاً من عمق المأساة، أم مسلسلاً لتمضية الوقت. "في الحالتين، مش مخلصين". تستعيد "بردانة أنا" وإشكالية العنف الأسري: "تعاطف الناس، ثم تذمّروا؛ (ما ناقصنا). عملٌ من الواقع، فإذا بالبعض يشكو واقعيته! الآن تسألين عن الانفجار. إن كان لا بدّ من الكتابة، فماذا نكتب؟ ماذا نعلم حتى نكتب؟ الكتابة تحتاج إلى وضوح. عليها التحلّي بفسحة حرّية ومساحة صراحة. ماذا جرى؟ أين الحقيقة؟ أهي في مُعلّم التلحيم؟ هل أصدّق ذلك لأنقله للناس؟".

تخشى الكتابة من وجهة نظر ضيّقة، خصوصاً في محطّات كبرى كانفجار بيروت. أو الكتابة بغضب، فتؤذي مَن لا يستحقّ وتُنصف مَن لا يستحقّ. الواقع، بالنسبة إلى مارشليان، هو أن نصدّق مسلسلاً ونتعاطف مع شخصياته. بمجرّد أنّ أفراداً في مكان ما، هم انعكاس لما نشاهد، يعني أنّه مسلسل واقعي، ولو جرت الحوادث على القمر. نعود إلى المرفأ، فتتساءل: "هل نحن في لحظة واقعية؟ ينبغي ألا نصدّق ما جرى. إن كان لا بدّ من كتابة مسلسل عن سنة 2020، فلا مفرّ من الانفجار ومأساته، تماماً كما يصبح خارج المنطق كتابة مسلسل عن 2019 لا يتطرّق إلى كورونا والأزمة الاقتصادية. تتحوّل الدراما ضدّ الواقع حين تُصوّر لبنانياً يسحب 10 آلاف دولار مثلاً من حسابه المصرفي نقداً. هذا جنون. المسألة إذاً تتوقّف على المسلسل وزمانه. المهم هو الصدق".

تُكمل كتابة مسلسل لـ"الصبّاح أخوان": اجتماعي، لا يدخل فيه الزمن، اتّفقا عليه من قبل. بالنسبة إليها، دمج الواقع بخيال الكاتب يمنح النصّ جمالية مهما طغت البشاعة. حتى النصوص المبنية على "قصة حقيقية"، تتداخل مع المخيّلة. تنتقد "التنظير" حين يطال الدراما وصنّاعها، وتتساءل بانفعال: "هل نستطيع تسمية الأمور بأسمائها؟ كالقول إنّ الجهة الفلانية تسبّبت بالانفجار، أو تعطيل البلد، أو الأزمة الاقتصادية؟ هل نستطيع التطرّق إلى ما جرى في طريق الجديدة مثلاً أو ميرنا الشالوحي؟ سنُتّهم بإثارة الفتنة، ويُقص المشهد في الرقابة. الاقتراب من الجنس ممنوع، ومن السياسة والدين. ومع ذلك، نحاول عكس الواقع، فنُسلّي ونوجّه الرسائل ونحافظ فنياً على المستوى".

 

 

 

طارق سويد: الوفاء لحجم المصيبة

الكتابة تُلهي طارق سويد عن الواقع، وإن وجد نفسه في ورطته. لا يزال 4 آب قريباً جداً، وقد حاول الكتابة مرّات، ثم مزّق الورق. "ما عم أعرف أعمل شي". يندفع قلمه، ثم يتراجع. تطارده هواجس مُعذّبة: "ماذا لو لم يخرج المكتوب أو المُصوَّر بحجم المصيبة؟ ماذا لو بدا سخيفاً مقارنة بما عاشه الضحايا؟ أي حزن أستطيع نقله بأمانة، وهو هائل إلى هذا الحدّ، وقاسٍ؟ هذا الصنف من المأساة لا يُكتب بسهولة. الواقع الوحيد المحسوم هو أنّ العدالة والخير لا ينتصران دائماً".

يقرّ ببُعد الدراما، أحياناً، عن واقعها: "تدور حوله، ولا تمسّه بالعمق". نظرية بعض المنتجين: "الناس تشاهد التلفزيون لتنسى". بالنسبة له، لا يُسلخ القلم عن الواقع، وإن كان على يقين بأنّ صبر المُشاهد نفد. يشعر بـ"البلوك"، وهو شعور مُرهِق حين يعنّ على الكاتب وينغّص "هناء" الأيام: "نقل الواقع صعب، واليوم تتضاعف المسؤولية. يغمرني إحساس بالضياع، وبأنّنا من دون أفق. جرى ما جرى، والبعض لا يزال يهلّل للزعيم، ويحمل السلاح على أخيه في الوطن. هذا السواد مُدمّر، لذلك أبحث عن فسحة فأنجو من الغرق. كأن أكتب عمن يحاولون التمسّك بالأمل الأخير في بلد ممزّق، ويعاندون للبقاء أحياء. الكتابة في هذه الظروف مَهمّة شاقة".

 

 

نادين جابر: لا قاعدة ثابتة في الدراما

تتحدّث عن نقطة تحوّل، و"يلي صار فينا أكبر من إنو ينوصف". بغضب، تتكلّم على سلطة تبيد شعبها بالإهمال، ومع ذلك لا تخجل من المحاصصة وتقاسم الكراسي. "أتوّقع المزيد دائماً. لا نهاية للمفاجآت في لبنان". كانت تتمنّى لو تشارك في الكتابة عن مأساة بيروت، ولم يُتح الظرف. ترفض تصنيف الدراما، والقول إنّه "واجب عليها محاكاة الواقع". "لا، مَن قال إنّ هذا صحيح؟ الدراما أنواع، بعضها خيالي وبعضها نفسي وبعضها واقعي، وليس بالضرورة أن تكون جميعها انعكاساً للواقع الذي نعيش. ليست قاعدة ثابتة نقل المأساة في كلّ عمل". تستعيد مسلسل "بلحظة" مثلاً، فنوعه يفترض كتابة واقعية كونه يتناول مسـألة الثأر، على عكس غير مسلسلات، من غير صنف. "لا قاعدة ثابتة".

غيَّرها الانفجار كإنسان قبل أن يغيّرها ككاتبة: "نعيش كأننا موتى. حدّوا أحلامنا وقتلوا البكرا". تأثّر مزاج الكتابة، كأنّ الرأس في مكان آخر، "لكنني أكتب لنسيان الواقع، ولحاجةٍ إلى العلاج منه. المفارقة حين أعود إليه أشعر بالصفعة. على الكاتب فصل نفسه وإلا عجز عن الكتابة. الواقع أسود، ولا نعرف إلى متى. مخزون الألم هائل، وحان الوقت لنُمنَح فرصة الكتابة عن كلّ ما نتحمّله".

[email protected]

Twitter:@abdallah_fatima

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم